فاصلة

حوارات

يسري نصر الله: الحرب لم توقف الفلسطينيين عن صنع الأفلام

Reading Time: 4 minutes

 وسط القاعة التي جمعته بجمهور أفلامه في المملكة العربية السعودية للمرة الأولى، جلس المخرج المصري يسري نصر الله يتابع ردة فعل المشاهدين على فيلمه “صبيان وبنات” الذي عرض خلال زيارة المخرج المصري للمملكة في إطار فعاليات مؤتمر النقد السينمائي الذي استضافته العاصمة الرياض.

الفيلم الذي أنتج في العام في العام 1995، ولم يأخذ نصيباً كبيراً من الشهرة كأفلام أخرى لنصر الله، وصفه صاحبه في حواره مع فاصلة بأنه “فيلم شائك… ليس بالنسبة للسعودية فحسب ولكن في كل مكان عُرض به”.

 يشرح لنا نصر الله أن هناك معوقات عديدة واجهته أثناء صناعة ذلك الفيلم الذي يتناول قضية التطرف التي عانت منها مصر في حقبة التسعينيات (وقت صناعة الفيلم)، من بين تلك المعوقات طبيعة التصوير وحساسية إخراجه لفيلم يتناول تلك القضية خلال تلك المرحلة الحساسية في ظل كونه من المصريين الذين يدينون بالمسيحية.

يقول نصر الله إن العمل على الفيلم استغرق عاماً كاملاً بسبب كثير من المعوقات والتفاصيل، لكن كانت لديه رغبة قوية في تقديمه بعد مقال قرأه في مجلة روز اليوسف – تصدر في مصر- عن زيارة أحد قيادات الجماعات الإرهابية التي تورّطت في اغتيال الرّئيس أنور السّادات (إشارة للجماعة الإسلامية). وعند نقله من السّجن ليقابل وزير الدّاخلية للحديث عن نبذ العنف، كانت المرّة الأولى التي يرى فيها الشّارع بعد سنوات في الحبس. وعندما دخل للوزير كان مبتسماً وسعيداً، معتبراً أن زيادة عدد المحجبات في الشّارع بمثابة انتصار لجماعته وأفكارها؛ “وهو أمر ليس صحيحاً”، يوضح نصر الله: “طوال الوقت أتعامل مع سيدات يرتدين الحجاب، ولا يُؤيّدنَ الجماعات الإرهابية أو المتطرفين”، مذكراً بما شهدته فرنسا من تطرف مضاد ضد من ترتدين الحجاب ويقول: “إذن… لا صلة بين من ارتداء الحجاب والتطرف”.

هذا ما أراد نصر الله طرحه من خلال فيلمه “صبيان وبنات”، يقول إنه سعى كذلك لـ”التّصوير مع ناس أحبّهم، لأقوم بإزالة أي نوع من الحكم على الأفراد، كان هذا أوّل قرار إخراجي وأخلاقي، برأيي القرارات الإخراجية لا تتعارض مع الأخلاقية، لذا كنت أقابل النّاس من خلال الفنّان باسم سمرة وعائلته، واخترت باسم لأسباب كثيرة منها الحراك الاجتماعي الرّهيب في دائرته، فهو من مدينة بلقاس في دلتا مصر، ويعيش في منطقة نزلة البطران بالقاهرة، وأصدقاؤه من منطقة نزلة السّمان، لذا جاء ظهور شخصيات عديدة ثرية نتيجة الحركة الاجتماعية في دائرته”.

مجتمعات متدينة

وعن الظّروف الرّاهنة في العالم العربي حيال صناعة السّينما، بيّن نصر الله أنّ التّرصد والغضب تجاه الفنّ سببه مزيج من التديُّن غير الواعي بروح الدين، والظّروف الاقتصادية وعوامل أخرى، مفصلاً ذلك بأنّ تقديم فيلم في أيّ بلد عربي – وليس في مصر فقط – “أمر شديد الصّعوبة”، جراء القيود الرّقابية، والمحاذير الاجتماعية، والقدرات الاقتصادية، ولضيق أفق التّعامل مع الرّؤى المستقبلية للأفلام، وطرح عديد التّساؤلات منها (هل سيُعرض فيلمي في مهرجانات خارجية أم داخل مصر؟ هل سيطرح موسم العيد؟ وهنا يكون السؤال أين نظرتك للعالم؟ البعض يقول أنّ السّوق يرغب في ذلك، للأسف لا، فأنت من حددّت السّوق الضّيق الخاصّ بك؛ علاوةً على أنّ “صناعة السّينما في العالم كله أصبحت صعبة للغاية” حسب رأيه.

“منورة بأهلها”

ولشرح توسيع دائرة السّوق المستهدف استشهد نصر الله بمسلسله “منورة بأهلها” بالقول: “أعتبره تجربة مهمّة، وكان العمل عليه صعب جدّاً، كما فوجئت بأنّ التّرجمة المصاحبة له في منصة شاهد غير مفهومة، وكأنّها وضعت من خلال محرّك البحث غوغل دون تدقيق، وحذّرت من تأثير هذا الأمر على تسويقه لأيّ مكان خارج المنطقة العربية، فالاستهداف هنا جاء لسوق محدود ولم يتمّ عرضه في الخارج، وهو أمر اعتبره ضيق أفق”؛ وأضاف: “على سبيل المثال لا الحصر: مسلسل (جعفر العمدة) لو وضعت عليه ترجمة جيدة، يمكن توزيعه في عدة مناطق حول العالم، لذا فالسؤال المطروح لماذا نحصر أنفسنا في سوق واحد؟! إنّ التّجارب السّينمائية في كوريا الجنوبية والصّين واليابان، أصبحت تكتسح العالم، بتحويل القيمة الثّقافية لديهم لأفلام تجارية عالمية، ونحن في العالم العربي لدينا قيمة ثقافية أيضاً، فلماذا لا نقدّم عنها أفلاماً؟”.

وعن مشاريعه الجديدة، قال إنّ الجزء الثّاني من “منورة بأهلها” قيد الكتابة، وإنّ لديه سيناريو لعمل جديد ينتظر الإجازة من جهاز الرقابة على المصنفات الفنية في مصر؛ أمّا عن فكرة تقديم فيلم سينمائي للمنصّات على غرار تجربة “أصحاب ولا أعز” التي قدّمت عبر “نتفليكس”، فبرأي نصر الله: “طريقة العمل في تلك المنصّات أو المهرجانات بها كثير من التنميط، إذ يوجد موضوعات محدّدة للعمل مع تلك الجهات، وأنا لا أعمل بتلك الطريقة”.

السّينما السّعودية

وعلى صعيد السّينما السّعودية؛ يرى نصر الله أنّ هناك تقدّماً ملحوظاً في السّينما السّعودية، وأنّه تنبّه إلى هذا التّقدم عقب مشاركته في لجنة تحكيم المشاريع في الدورة الأولى من مهرجان البحر الأحمر، حيث نالت إعجابه معظم السّيناريوهات التي شاركت في تلك الّدورة، خاصة فيلم “أربعة أوجه للعاصفة” لحسام الحلوة ومحمد الحمود؛ وأضاف: “من وقت قراءتي لهذه السّيناريوهات، ولديّ قناعة أنّ هناك كنزٌ من الحكايات علينا اكتشافه، وكذلك يوجد عديد المواهب الرّاغبة في تقديم سينما حقيقية. لذا؛ لديّ إحساس أنّه سيكون هناك سينما سعودية جيّدة قريباً”.

إيقاف المهرجانات!

أمّا فيما يخصّ الدّعوات لتوقُّف الفعاليات الفنيّة بسبب الحرب على غزّة، فقد عبّرَ نصر الله عن رفضه القاطع لإلغاء وتأجيل الفعاليات الفنيّة، معتبراً أنّ أيّ نشاط فنّي أياً كان لا يصحّ أن يتوقّف تحت أي ظرف، متسائلاً “ما هي وظيفتك كفنّان إذا لم تكن في الظّروف الصّعبة قادراً على جعل النّاس يشعرون بإمكانية العيش والمقاومة؟!” مستشهداً على بالوضع اللبناني: “عشت في بيروت 4 سنوات خلال فترة الحرب الأهلية أثناء عملي في صحيفة السّفير اللبنانية، وتحديداً نهاية سبعينيات القرن الماضي، كانت الحرب لا تتوقّف، وأيضاً السّينما لم تكن تتوقّف عن العمل، إلّا عندما تسقط القنابل عليها، حتّى الفلسطينيين أنفسهم لم يتوقّفوا عن صنع الأفلام خلال الحرب، وأفلامهم التي قدّمت تلك الفترة شكّلت علامة فارقة وقدرة على الحياة. وإن كانت الدّعوة لإلغاء المهرجانات لأجل الحداد ومراعاة لمشاعر الشّعب الفلسطيني، فإنّه يمكننا تحويل أي مهرجان فنّي لتظاهرةٍ من أجل فلسطين ودعم الفلسطينيين، فمن لا يتعامل مع عمله على أنّه رفاهية أو تسلية سيواصل العمل، لن أتردّد في التّأكيد على أنّ وقف مهرجانات القاهرة والجونة وقرطاج صدمني، هي مهرجانات تاريخية ووجودها جزء من الوضع الثّقافي الخاصّ بالعالم، وعندما يكون المهرجان مهمّاً لتلك الدّرجة ثم يفوّت الفرصة في اللحظة التي تمرّ بها غزّة بالحرب، بأن يكون جزءاً من فعالياته خلق تضامن مع الفلسطينيين، عندما تُوقف مهرجانات بهذا الزّخم في ظلّ الظّروف الحالية، فهذا يعني أن تعطي للعالم إشارة بأنّ الأوضاع مرتبكة. إنّ إقامة الفعاليات الثّقافية والفنيّة بهذا التّوقيت أمر أكثر أهمية من إيقافها، للتّأكيد على الدّور الفاعل لها، وعلى أنّها ليست للتسلية”.

اقرأ أيضًا: علي الكلثمي : مندوب الليل يروي حكاية الرياض ولياليها

 

شارك هذا المنشور