فاصلة

حوارات

هيام عباس: هويتي السينمائية عالمية لكني لا أنسى جذوري الفلسطينية

Reading Time: 6 minutes

من قرية دير حنا في «الجليل» بفلسطين، خرجت هيام عباس لتكتشف نفسها والعالم، تاركة خلفها قيود الأهل وقيود العيش في الأراضي المحتلة، ومن دون أن تتخلى عن جذورها الفلسطينية خلقت لنفسها على مدار سنوات هوية سينمائية عالمية ميزتها عن الكثيرين، فأصبح اسمها يتردد في أعمال كبار صناع السينما والدراما العرب والغربيين على حد سواء، فهي أم يونس في «باب الشمس» مع يسري نصر الله، وأم سعيد في «الجنة الآن» مع هاني أبو أسعد، وسهام في «غزة مونامور» مع عرب وطرزان ناصر، ومستشارة لستيفن سبيلبرغ في فيلم «ميونخ»، ورشحت العام الماضي لجائزة إيمي عن دورها في المسلسل الأمريكي الشهير «Succession»، بينما تستعد حاليا للانضمام للفنان المصري الأمريكي رامي يوسف للمرة الثانية بعد مشاركتها في مسلسله الأول الناجح «رامي» Ramy في مسلسله الجديد جولف «Golf» الذي يتقاسم بطولته ويعكف على كتابته مع الكوميديان الأمريكي ويل فاريل.

هيام عباس
هيام عباس من مسلسل رامي

المنفى والذكريات

عادت هيام عباس إلى قريتها في رحلة أخرى للاستكشاف والعودة إلى الجذور، هذه المرة مع ابنتها المخرجة لينا سويلم في فيلمها الوثائقي «باي باي طبريا»، حيث ترصد لينا أسباب الرحيل وتسعى للتعرف عن قرب على نساء عائلتها، الجدة الكبيرة أم على، وابنتها الجدة المباشرة نعمات والدة هيان عباس، ثم شقيقات هيام. تقول هيام لـ فاصلة إن الأمر لم يكن سهلًا عليها، لأنها اعتادت على الوقوف أمام الكاميرا كممثلة ولم تعتد على مخاطبة الكاميرا بشكل مباشر والإجابة على أسئلة عميقة تخصها شخصيًا، و بعض الاشياء كان من الصعب الخوض فيها، وهناك مشاهد قررت وابنتها والعائلة حذفها من نسخة الفيلم الأخيرة.

تقول هيام عباس: «اخترت منفاي عندما رحلت إلى فرنسا، لكن ابنتي لم تختر منفاها، وأمي وجدتي أيضًا لم تختارا الرحيل من الناصرة، وطالما أن ابنتي تريد أن تربط نفسها بمن سبقوها، كان لا بد أن ألعب معها هذه اللعبة من منطلق الواجب… بالطبع واجهتني صعوبات، وتطلب الأمر بعض الوقت حتى استطعنا أن نجد لغة مشتركة بيننا». مؤكدة أن الفيلم كان فرصتها للاحتفاء بوالدتها وجدتها اللتان كانت تجمعها بهما علاقة خاصة، وتمنت تقديم عمل عنهن إلا أنها لم تكن تمتلك رؤية واضحة عن ذلك كسينمائية، لكنها دائمًا ما كانت تستوحي من ذكرياتها عنهما ملامح ومشاعر شخصياتها السينمائية والدرامية.

هيام عباس
هيام عباس مع نساء أسرتها في وثائقي باي باي طبريا

الحلم 

خياراتنا تصنعها اسبابا مركبة، والرحيل نحو المجهول ليس خيارًا سهلًا. تؤكد هيام أنها آمنت بحلم بعيد منذ الطفولة، لكن العقبات في طريق هذا الحلم كانت كثيرة خاصة مع رفض الأهل عملها بالفن، فاضطرت للكفاح وخوض صراعات حتى تدفع بنفسها إلى الأمام، وفي لحظة معينة شعرت أنها لا تستطيع الاستمرار بهذا الشكل وتحتاج للبحث عن أفق جديد للإبداع والانطلاق حتى لا تستسلم في النهاية. تقول «عندما كان التمثيل مجرد موهبة مدرسية لم يكن في الأمر مشكلة، ولكن عندما تحول إلى مهنة أصبح الأمر مختلفًا»، وحمل خطابها إلى العائلة عند الرحيل رسالة معبرة قالت فيها «بدي اتنفس هوا جديد».

بدأت علاقة هيام بالفن من فرقة مسرح الحكواتي الفلسطينية، كمصورة في البداية ثم ممثلة، ولكن بعد فترة لم يعد ذلك مشبعًا فنيًا، وجاءت الفرصة الأولى مع ميشيل خليفي وأول فيلم روائي فلسطيني طويل يصنعه فلسطيني ويصور في الداخل الفلسطيني «عرس الجليل» 1987، ونظرًا لعدم وجود طواقم فنية في فلسطين في ذلك الوقت؛ استعان خليفي بأعضاء مسرح الحكواتي لمساعدته، وفتحت هذه التجربة أمام هيام عباس آفاقًا جديدة في عالم السينما دفعتها للبحث عن المزيد، فقررت تحطيم الحواجز التي تقيدها ورحلت إلى فرنسا في 1989.

مشهد من فيلم عرس الجليل

تتذكر هيام أنها واجهت صعوبة في الحصول على أدوار في البداية بسبب عدم إتقانها للغة الفرنسية آنذاك، فشاركت ببعض الأدوار البسيطة في أعمال محدودة، وعوضها عن ذلك الأعمال المسرحية التي تعتمد بشكل أساسي على لغة الجسد، كما اتخذت حياتها مسارًا جديدًا في هذه الفترة عندما التقت بزوجها السابق الفنان الجزائري الفرنسي زين الدين سويلم، وأنجبت منه لينا ومنى وانشغلت لفترة برعايتهما. 

العودة والجذور

شهدت التسعينيات عودة هيام إلى فلسطين وبداية تألقها في عالم السينما، حيث عادت للمشاركة في فيلم «حيفا» للمخرج رشيد مشهراوي عام 1996، وسبقه فيلما متوسط الطول مع حنا إلياس بعنوان «الجبل»، وتقول «من بعد بدأت أدخل لعالم السينما تدريجيًا من خلال السينما العربية، أكثر منها سينما فلسطينية، في لبنان والمغرب، وتونس بالإضافة إلى السينما الفرنسية، والأمريكية»، ومنها فيلم «ردم» مع المخرجة اللبنانية دانييل عربيد، والفيلم المغربي «على، ربيعة والأخرون» عام 2000، و«باب الشمس» في 2003.

وتشير هيام إلى أن كل التجارب تضيف لوعي الإنسان وتغير فكره، لكن الشيء الوحيد الذي لا يتغير هو الجذور ومحبة الأهل والوطن، مؤكدة أن هذه الأشياء ظلت وستظل مهمة بالنسبة لها، وأنها حرصت على نقلها إلى بناتها رغم أنهم ولدوا وتربوا في فرنسا، وأن ما يحملنه من ارتباط بجذورهن سواء الفلسطينية أو الجزائرية ليس من قبيل المصادفة، وليس غريبًا أن تهتم ابنتها المخرجة لينا بالأوضاع السياسية والاجتماعية في العالم العربي وتصنع فيلمًا عن أهلها في الجزائر «جزائرهم» وأخر عن أهلها بفلسطين «باي باي طبريا»، فهي مدركة تمام لهويتها وجذورها العربية الممتدة في البلدين.

هيام عباس وابنتها لينا سويلم من فيلم باي باي طبريا

عرض «باي باي طبريا» عرضًا عالميًا أول في سبتمبر العام الماضي ضمن برنامج مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي، ومنذ هذا التاريخ ولأكثر من تسعة أشهر وعروضه تجوب أنحاء العالم، ولازال الطلب عليه مستمرًا بالتزامن مع تواصل الحرب والهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة منذ شهر أكتوبر الماضي.

تقول هيام «هذا الفيلم هو واحد من الأفلام التي تعطي صوتًا لشيء ربما لم يكن الناس في بعض الدول سمعوا عنه من قبل، أؤمن بأن السينما لها تأثير وتفتح أبوابًا ونوافذ على أشياء ربما لا يريد الجمهور أن يراها أو يتحاشى رؤيتها بطريقة معينة أو أنه ضدها سياسيًا، وعندما أفكر فيما يحدث في القضية الفلسطينية الآن، أرى أن التضامن الشعبي العالمي مع الشعب الفلسطيني يتزايد، وهو أكثر من دعم الحكومات، هذا تأثير السينما لأن الأفلام يراها الشعب وترفع من نسبة الوعي بالقضية على المستوى الشعبي وتوصل الصوت الفلسطيني للعالم أجمع».

هوية عالمية  

تحولت هيام عباس خلال سنوات عملها إلى ممثلة عالمية لا تقتصر أعمالها على السينما العربية فقط، ولا حتى على الشخصيات العربية في أعمال أمريكية أو فرنسية، وتقول عن هذا «اعتمادي الفني ليس على الأعمال العربية فقط، أعمل مع المخرجين العرب في أنحاء العالم، وأقدم أدوارًا بلهجات عربية مختلفة، وبحكم حياتي في فرنسا أشارك أحيانا في الأعمال الفرنسية أو التي يتم انتاجها بالشراكة مع فرنسا، وليس بالضرورة أن يكون الدور لشخصية عربية، لأن في عالم السينما هويتي هي التمثيل، وكذلك دوري في المسلسل الأمريكي Succession لم يكن مكتوبًا في الأساس لشخصية من أصل عربي».

هيام عباس
هيام عباس من مسلسل succession

الشخصيات العربية والكليشيهات الغربية

كثيرا ما قدمت السينما العالمية الشخصيات العربية بنظرة أحادية ليس لها علاقة بالواقع، مما يدفع الفنانين العرب أحيانًا لرفضها، تقول عباس «في بعض المرات قرأت أدوارًا لنساء عربيات في أفلام أجنبية، لكني رفضتها لأنها لم تكن تناسبني فهي تحمل رؤية نمطية (كليشيه)، ومخالفة لطبيعة الإنسان أو المرأة العربية، وهي ليست الصورة التي أحب نقلها إلى الغرب عن المرأة العربية».

وعلى العكس كان الحال في فيلم «ميونخ» Munich للمخرج الأمريكي الشهير ستيفن سبيلبيرغ، حيث توقع الكثيرون أن يقدم العرب والفلسطينيين كإرهابيين، تقول هيام «لم أتوقع أن يتناول الفيلم القصة من منظور سياسي مختلف عن السائد في السينما الأمريكية التي غالبًا ما تقدم العربي على أنه إرهابي، فصحيح أن البطولة في القصة لفرقة الموساد، لكن الفيلم عرض الأحداث بشكل موضوعي وقدم الجانب الفلسطيني أيضًا والطريقة التي تم التعامل بها مع من نفذوا العملية، ورصد أبعادًا أخرى عن الصراعات السياسية التي كانت سببًا في هذه العملية».

مشهد من فيلم ميونخ

وتضيف «فوجئت أيضًا بأن صناع الفيلم على استعداد لتقبل الآراء والتعديلات، وعن طريق الصدفة أًصبحت مستشارة الفيلم فيما يتعلق بالتفاصيل والشخصيات العربية، ودارت بيني وبين كاتب القصة السيناريست توني كوشنر العديد من النقاشات أثناء العمل على الفيلم، ولكن لم تكن استشارتي سياسية فهذا ليس دوري وهناك متخصصين قاموا بهذا العمل، تعلقت فقط بالفارق بين ما هو إسرائيلي وما هو فلسطيني والملابس والتفاصيل اليومية، كما كانت هناك بعض الأخطاء في الحوار حول المدن الفلسطينية يافا وحيفا وعكا، لأنهم لم يدركوا أن الوضع في السبعينيات كان مختلفا عما هو عليه الآن».

اختيار الأدوار 

لا تقبل هيام عباس الأدوار إلا بعد قراءة السيناريو كاملًا، حتى لو كان دورها صغيرًا. وتقول إنها لا تهتم اذا كان الدور صغيرًا أو كبيرًا، ما يهمها هو طبيعة الدور نفسه والمخرج الذي ستعمل معه، «شاركت بدور صغير في Blade Runner، لأن المخرج الكبير ديني فيلنوف هو من تواصل معي بنفسه وطلب مني العمل معه، معتذرًا عن صغر حجم الدور، وبالتأكيد في هذه الحالة لن أتدلل».  

تستعد هيام عباس حاليا لقضاء عطلة طويلة بعد عامين مجهدين من العمل وجولات عالمية مع فيلم «باي باي طبريا»، تعود بعدها لتصوير فيلم فرنسي يبدأ في الخريف عن عائلة جزائرية مهاجرة في فرنسا، ثم تنضم لرامي يوسف وويل فاريل في مسلسل «Golf» الجارية كتابته، كما تقوم أيضًا ببطولة فيلم «الحب ينتصر Love Conquers All» مع المخرجة اللبنانية دانييل عربيد، وهو مستوحى من قصة فيلم «كل الآخرين اسمهم علي» Tous les autres s’appellent Ali للمخرج راينر فاسبيندر إنتاج 1974، وتقول هيام أنه يتناول قضية مهمة وإنسانية عن الهجرة والعنصرية وطريقة النظر للمرأة وكبت طموحاتها ورغباتها.

اقرأ أيضا: مخرجة «باي باي طبريا»… الوثائقي يمكنه تجاوز الأفلام الروائية في التأثير

شارك هذا المنشور