فاصلة

حوارات

نبيل عيوش: «الجميع يحب تودا» رسالة حب للموسيقى وتقدير لـ«شيخات» الغناء

Reading Time: 4 minutes

يحمل تعبير «شيخة» في اللهجات المغاربية معنى مغايراً للشائع في كثير من أنحاء العالم العربي، فـ «الشيخة» في اللهجات المغاربية تعني الفنانة التي تقدم صنوفاً من الغناء الشعبي، و«الشيخة» هو الحلم الذي تسعى لأن تكونه «تودا»، بطلة الفيلم المغربي «الجميع يحب تودا»، الذي اختاره مهرجان كان ليُعرض ضمن فئة «العرض الأول»، ويستكشف مخرجه نبيل عيوش عبره فن «العيطة» الشعبي المغربي. 

تلعب الفنانة نسرين الراضي شخصية «تودا»، وهي فتاة متمردة تغني للحب والتحرر والمقاومة، وترنو لتحقيق حلمها بتوفير مستقبل أفضل لها وابنها من خلال الغناء والفن التراثي الذي تحبه.

تودا.. انعكاس لقصص حقيقية

في البداية تحدث عيوش لـ فاصلة عن استلهامه قصة «تودا» بطلة الفيلم من نساء حقيقيات قابلهن في حياته، حيث التقى بمجموعة منهن قبل التحضير والكتابة للفيلم، وروت كل منهن تفاصيل يومها، وما الذي واجهته من صعاب في حياتها، بجانب ملامح الحياة الليلية اللائي يعشنها في مثل تلك الأماكن، وعلاقتهن بأسرهن وأبنائهن وأزواجهن.

على الرغم من أن رفيقته وصديقته مريم توزاني تشاركه في العمل أيضاً إلا أنه لم يطلعها على الفكرة إلا بعد التحضير لها، وشرح لها أنه لا ينقل قصة بعينها، إنما تتشكل من شخصية «تودا» من تجارب مختلفة لنساء قابلهن أثناء التحضير، وأنه أراد أن يجعل من شخصية الـ «شيخة» التي كانت حاضرة من قبل في أفلامه القصيرة إلى بطلة وشخصية رئيسية لعمل روائي طويل.

شيخة.. تقليد مغربي جزائري

والـ «شيخة» هي ظاهرة مغربية جزائرية، لا توجد في دول أخرى، كما يشرح المخرج نبيل عيوش، لافتًا إلى أنها ليست موجودة في تونس، على الرغم من التجاور الجغرافي بينها وبين الجزائر والمغرب.

تنتقل تقاليد غناء الشيخات من جيل إلى جيل عبر العقود في جنوب المغرب، وبالسفر عن جبال الأطلس تصل إلى الجزائر، وأصبحت ألوان غناء الشيخات وحيواتهن فلكلور تقليدي مشترك بين الدولتين.

الجميع يحب تودا

 أؤمن بأهمية سرد القصص في السينما

وعن تبنيه محو المفاهيم والصور الذهنية السلبية المرتبطة بالنساء منذ فيلمه الأول  «مكتوب» الذي قدمه في التسعينيات وصولًا إلى «الجميع يحب تودا» مع اختلاف القصص والمواضيع التي يناقشها في كل عمل، يؤكد عيوش لـ فاصلة أن هذا نابع من إيمانه بأن السينما قادرة على تفتيح العقول، معلقًا: «السينما تلاحقني وأحيانًا تصدمني، ومع إيماني بقدرتها على ازدهار العقول، وهوسي بفكرة إخبار القصص من خلال الأفلام عن طريق تقديم شخصيات قوية لا يعرفها الكثيرون ولا يستمعون إلى صوتها، أسلط الضوء على تلك الشخصيات وأصنع منهم شخصيات سينمائية» ويتحدى بتلك الشخصيات المفاهيم السلبية الراسخة ويسعى لتصحيحها.

الفيلم تغيير الصورة السيئة عن الـ «شيخة» 

وعن «شيخة» تحديدًا، يشرح عيوش إن الشيخات ارتبطت بهن صور ذهنية سيئة، تجعلهن سرًا مفضوحًا في المجتمعات المغاربية، فهن لا يستطعن الوقوف على المسرح مثلما تفعل بطلة «الجميع يحب تودا»، فقط يمكن مشاهدتهن في الحفلات والأفراح، فهن يتعرضن لحظر قاسِ قبل أن تتحول أي منهن بصعوبة على نجمة وقدوة يتبعها عدد كبير من الناس.

لا يسري الوضع نفسه على الرجال الذين لا يتعرضون لاتهامات تطالهم كما تتعرض النساء، ويظهر ذلك خلال أحد مشاهد الفيلم. 

ويشير عيوش إلى أن ظاهرة الـ «شيخة» بدأت بغناء النساء في الريف والقرى، وتنقلت في مناطق مختلفة وقت الحرب في الخمسينيات والستينيات، وكانت الشيخات ينتقلن لمدن أكبر وكن مجبرات على أداء الأغاني الشعبية في ملاهي ليلية وبارات، ذلك الغناء المرتبط بالمال والكحول، ومن هنا تعرض هذا الفن للوصم، واعتبره كثيرون شكلاً من أشكال العهر. إلا أن كثيرات من فنانات هذا اللون تحاربن ذلك التصور عنهن إلى الآن، ويصررن على الحصول على التقدير الحقيقي لهن كمغنيات وممثلات، وفيلم «الجميع يحب تودا» جاء لدعمهن.

«شيخة تودا» بعيدة عن التنميط

وإجابة عن سؤال هل يتوقع أن تنجح مساعيه في مساعدة أولئك السيدات على تجاوز الوصم الذي يتعرضن له، يقول المخرج المغربي لـ فاصلة إنه يتمنى ذلك، مشيرًا إلى أن أغلب الأفلام التي تتناول شخصيات شبيهة، تظل أسيرة للتنميط، وتكرار «الكليشيه» أو الصورة الذهنية السائدة نفسها، ولا تفكر في تحديها. 

«لكني أحاول الابتعاد عن ذلك، فهؤلاء النساء فنانات مميزات ولا مجال للتنميط في الحديث عنهن، هن مختلفات ومميزات جدًا، كما أنهن جزء من تقليد يجب أن نفتخر به، وبهن».

نسرين الراضي جذبتني ببراعتها

وعن رأيه في بطلة العمل نسرين الراضي والتي قدمت دور «تودا» قال إنه رآها لأول مرة في مدرستها قبل 15 عامًا، ثم شاهدها في فيلم «آدم»، وجذبه أدائها، ومن يومها وهو يفكر في إسناد دور «شيخة» لها، إذا ما قدمه، وعندما سنحت له الفرصة تواصل معها.

وأشار إلى أنها قدمت بعض الأغاني في فيلم «الجميع يحب تودا»، وليس جميعها، وأنها تدربت على الأغاني التي أدتها لمدة عام ونصف العام، بجانب التمرن على الرقص والحركات وطريقة الغناء والتحدث وكل شيء مثل «شيخة».

وعن سبب قلة مشاركتها في الأعمال الفنية قال نبيل عيوش إن نسرين انتقائية جدًا، ومقلة في أعمالها السينمائية، لكنها تُكثر من المسرح، فهي تختار بعناية ما تقدمه.

لا أعلم سبب منع أفلامي من العرض في المغرب

وأعرب المخرج عن سعادته بعرض «الجميع يحب تودا» في بلده المغرب، بعد منع فيلمه السابق من العرض فيها بسبب المشاهد الحميمية، مثلما أخبروه وقتها. وعن سبب تضمين نفس المشاهد في عمله الأخير رغم ما قد يعنيه ذلك من احتمالات منع عرض فيلمه في بلده يقول: «بالطبع أريد عرض أفلامي في المغرب. لكنني أيضًا حريص على أن أمنح الشخصيات حريتهم الجنسية، أريد عمل فيلم جيد ويعرض في المغرب في نفس الوقت».

وعن منع أفلامه من العرض سابقًا في المغرب قال إنه لا يعرف السبب الحقيقي، لذلك، حيث قالوا له إنها بسبب المشاهد الحميمية قبل بما قيل، لكنه يظن أن المنع كان لأسباب أخرى لا يعرفها، لافتًا إلى أن المغرب تطورت كثيرًا من حيث ملف المرأة، حيث بدأت السيدات يأخذن نصيباً أكبر من المناصب في السياسة والإعلام والاقتصاد، مؤكدًا أن فيلمه الأحدث المعروض الآن في كان، سيتم عرضه كما هو دون حذف.

وعن إمكانية عرض الفيلم في المملكة العربية السعودية؛ يرى عيوش أن الحالة في المملكة تغيرت كثيرًا، حيث قابل خلال الفترات الماضية منتجين سعوديين في كازابلانكا، وأخبروه عن مدى التغيير الحاصل فيها خلال السنوات القليلة الماضية، مؤكدًا أنه يتمنى أن يعرض الفيلم في السعودية بالفعل.

الموسيقى جزء من حياتنا

أعمال عيوش تحمل دائمًا إشارة لحبه وتقديره للموسيقى حتى وإن لم تكن الموسيقى موضوعاً للفيلم، حتى أنه أطلق شركة خاصة للإنتاج الموسيقي في العام 2020.   هذا الحب للموسيقى مرتبط لدى عيوش بحبه لوطنه المغرب، يشرح المخرج لـ فاصلة: «الموسيقى جزء من المغرب، وجزء من حياة البشر. نحن في حاجة للمزيكا للتعبير عن حياتنا من خلالها أكثر من الكلمات»، لافتًا إلى أنه يحب أنواع مختلفة من الموسيقى، من الراب والأوبرا، فلا نوع محدد ولا مغني معين يحبه دون غيره، بل يستمع للجميع ويستمتع بهم.

وعن الأغاني المقدمة في الفيلم، قال إنها موجودة فعليًا، وقد استمع إليها في كازابلانكا، وأختار منها ما يتناسب مع فكرة العمل وقدمها فيه.

اقرأ أيضا: «رفعت عيني للسما»: أن تجعل الشارع مسرحا لأحلامك

شارك هذا المنشور