فاصلة

أصوات نقدية سعودية

مهرجان أفلام السعودية 11: قراءة نقدية في ستة أفلام روائية قصيرة

Reading Time: 5 minutes

تميّزت المجموعة الثانية من عروض الدورة الحادية عشر من مهرجان أفلام السعودية، وهي: (أختين، ملكة، علكة، وهو اللي بدأ، شريط مكس، عثمان في الفاتيكان) بتنوّعها الفني والموضوعي، حيث قدّمت تجارب سينمائية متفاوتة في النضج والإتقان. بعض الأفلام لفتت الأنظار بطرحها الجديد ومعالجاتها البصرية الدقيقة، بينما بدت أخرى أقرب إلى محاولات أولى تفتقر إلى الصقل والخصوصية.  وفي هذه المقالة، أتوقف عند هذه المجموعة لأقدّم مراجعة سريعة لعدد من الأفلام التي تفاوتت في مستواها الفني، وتميّز بعضها بالإتقان والجِدة في الطرح.

وأقصد بـ«الجدّة» هنا قدرة صانع الفيلم على التحكم بأدواته، وإحكام رؤيته السينمائية، سواء على مستوى السرد أو التكوين البصري. وقد تميّز بعض هذه الأعمال بتقديم وجوه تمثيلية جديدة تمتلك خامة صافية وحضورًا لافتًا، يستحق التقدير والانتباه. في المقابل، لا تزال بعض الأفلام تعاني من ضعف في بناء النص وتطوير الحدث، ما يجعلها أقرب إلى أفكار عائمة لا تتجاوز حدود المفارقة في نهايتها. وكأن الفيلم القصير، لدى البعض، بات مرادفًا للمفارقة وحدها، من دون استثمار في القصة أو تطوير حقيقي لمفاصلها.

«هو اللي بدأ» لـ عبدالله العطاس

«هو اللي بدأ» لـ عبدالله العطاس 

في مقدمة مشاهداتي جاء فيلم «هو اللي بدأ»، تأليف وإخراج عبدالله العطاس مدير التصوير الشهير في أولى تجاربه السينمائية ، وتدور أحداثه حول شاب تبدو عليه من الوهلة الأولى ملامح ضعف الشخصية، ويتدرب على رياضة الكاراتيه، يلحّ على مدربه المتغطرس والعصبي أن يعلّمه حركة جديدة لتثبيت الخصم. يوافق المدرب على مضض، مشترطًا عليه أن يتحمّل تكلفة وجبة العشاء في حال خسارته، وهو ما يحدث بالفعل. لتبدأ بعد ذلك سلسلة من الأحداث المتصاعدة، خاصة بعد أن يركله المدرب باستهزاء.

يُعدّ فيلم «هو اللي بدأ» أنضج تجربة في المجموعة، وأكثرها إحكامًا وقدرة على المستوى الفني، سواء من حيث الفكرة المُركزة في حدث بسيط وطريقة تطورها بشكل كوميدي ساخر، أو من حيث أداء الممثلين المتميز، وعلى رأسهم الممثل الشاب عبدالله الجبيلة في دور «المتدرب»، والممثل المعروف محمد الزريق في دور «المدرب».

ويُضاف إلى ذلك التصوير اللافت، وهو أمر غير مستغرب إذا علمنا أن المخرج عبدالله العطاس جاء من خلفية وتجربة في التصوير السينمائي، بالإضافة إلى المونتاج الحيوي والذكي، والذي يذكّرنا بأسلوب المخرج إدغار رايت في تقطيع المشاهد والمونتاج السريع.

ورغم تكرار الفكرة وحضورها في أفلام سابقة، فإن أحداث الفيلم وتبعاتها تذكّر بفيلم «فارجو» للأخوين كوين، من حيث المعالجة الكوميدية للفكرة، وطريقة تطويعها حتى نهايتها. كل ذلك يؤكد أننا أمام مخرج متميز، يدرك تمامًا كيف يخطط لفيلمه.

«ملكة» لـ مرام طيبة

في فيلمها «ملكة» تقدم مرام طيبة -كمخرجة ومؤلفة- رحلة فانتازية لطفلة تسعى لإنقاذ جدتها المريضة من خلال العثور على تاج سحري. ولتحقيق ذلك، تمر البطلة بعدد من المحطات والصعوبات، ضمن سردية تعتمد على الخيال الطفولي. 

يتميّز الفيلم بعالمه الفنتازي الغني، وطريقة سرده التي تعتمد على راوية تتفاعل أحيانًا مع البطلة، ما يضفي على الحكاية حيوية ويكسر النمط التقليدي في السرد. لكن رغم هذا التميّز، فإن الفيلم يعاني من عدة إشكالات ناتجة عن طبيعة «الرحلة» التي يطرحها، إذ تتنقل البطلة بين العديد من الشخصيات والمواقف، ما يؤدي إلى تبدلات سريعة في مسارها، دون تأسيس كافٍ للحدث أو رسم واضح لجغرافيا المكان. وبسبب قصر مدة الفيلم، لم يُستثمر هذا المسار السردي بشكل مناسب، مما أضعف تجربة المشاهدة وأثّر على وقع النهاية عاطفيًا.

ورغم وجود لمسات سردية لافتة، خصوصًا في توظيف صوت الراوية (التي كان من الممكن أن تضيف للفيلم أكثر لو اتسم أداؤها بمزيد من الخفة والحيوية)، إلا أن التزاحم الزمني وكثافة الأحداث، بالإضافة إلى غموض الرسالة الموجّهة، والتي تبدو موجهة للمراهقين على الأقل، جعلت الفيلم يفتقر إلى الانخراط العاطفي الحقيقي، وترك المشاهد في حالة من الحيرة دون صدى فعلي للتجربة.

وثائقي «عثمان في الفاتيكان» لـ ياسر بن غانم 

الفيلم الوثائقي الوحيد في هذه القائمة هو «عثمان في الفاتيكان»، للمخرج ياسر بن غانم، ويتناول الفيلم سيرة فنان تشكيلي وخطاط من مدينة الخرج بالرياض، بدأ مسيرته كمدرّس لمادة التربية الفنية، قبل أن يترك كل ذلك خلفه ويغادر في بعثة إلى إيطاليا لدراسة الفن. يتتبع الفيلم رحلة المهندس والفنان عثمان الخزيم، منذ بداياته المتواضعة، وصولًا إلى لحظة استثنائية؛ حين صافح بابا الفاتيكان خلال مشاركته في أحد المعارض الفنية المقامة في إيطاليا.

ما يحسب للمخرج ياسر بن غانم هو ذكاؤه في بناء الحكاية وجذب اهتمام المشاهد منذ اللحظات الأولى، من خلال تقديم المعلومة المفصلية حول مصافحة البابا وذكره لاسم عثمان في المعرض، ثم الرجوع بشكل هادئ ومدروس إلى البدايات، لنتعرف تدريجيًا على مسار الشخصية وكيف وصل بها الفن إلى العالمية.

هذا الأسلوب السردي المتقن، إلى جانب قيمة المادة المقدّمة، وطبيعة الشخصية البطلة وأهميتها كفنان ومؤثر، فضلًا عن جودة التصوير وتوظيف المصادر التاريخية والمعرفية، كلها عناصر جعلت من الفيلم تجربة مميزة في موضوعها وطرحها.

وربما تكون أبرز لحظة في الفيلم هي إجابة عثمان عن سؤال: «ماذا قدّم له الفن؟» حين قال: «الفن هو الصوت الحقيقي، لو لم يوجد الفن، لما وُجدنا»..

«شريط مكس» لـ علي سلمان أصبعي

ومن مملكة البحرين يأتي فيلم «شريط مكس»، تأليف وإخراج علي سلمان أصبعي. والذي يعيدنا إلى زمن قديم نسبيًا، حين يحصل شقيقان على مشغّل أشرطة جديد. يملك الأخ الأكبر شريط أغانٍ نادرًا ومميزًا، ما يدفع الأخ الأصغر للاستماع إليه خلسة، دون علم شقيقه. لكن الأمور تنقلب رأسًا على عقب عندما يتعرض الشريط للتلف، ما يُشعل غضب الأخ الأكبر.

يرتكز الفيلم بشكل رئيسي على استحضار النوستالجيا، وتحديدًا لحقبة الأشرطة ونسخها، والأغاني الرائجة حينها، ومحال بيع الأشرطة التي كانت جزءًا لا يتجزأ من ذاكرة جيل بأكمله. إنها فترة تاريخية قريبة، لكنها بدأت تتلاشى من الذاكرة الجمعية، خصوصًا لدى الأجيال التي لم تعش تفاصيلها بشكل مباشر. وقد نجح إلى حدّ كبير في التقاط تفاصيل تلك المرحلة – على الأقل بحسب ذاكرتي الشخصية – وتقديمها بروح صادقة وبأسلوب بصري مناسب. لكن في المقابل، بدا أن العمل قد أثقل نفسه أحيانًا بإسهابٍ توثيقي، وكأنه يسعى لتوثيق اللحظة الزمنية أكثر من خدمتها دراميًا، مما أدى إلى نوع من الترهل في بعض التفاصيل.

«علكة» لـ بلال سليمان البدر 

فيلم آخر ضمن تلك المجموعة هو «علكة» من إخراج بلال سليمان البدر، وتدور فكرته حول الطفل سعد، المصاب بمتلازمة داون، والذي يقع – ببراءة الطفولة – في حب زميلته في الروضة، ويستعرض الفيلم أثر هذا الشعور عليه وعلى عالمه الصغير.

بالرغم من بساطة الفكرة وعذوبتها، ومحاولة المخرج تقديم نظرة داخلية لطريقة تفكير سعد باستخدام رسومات كرتونية تعبّر عن أحلامه وخيالاته، إلا أن الفيلم اعتمد بشكل أساسي على المفارقة في نهايته، دون أن يبني أحداثه بشكل تدريجي أو يُصعّدها دراميًا.

وهذه إحدى الإشكاليات المتكررة في بعض الأفلام القصيرة؛ حين تُبنى على فكرة بسيطة جدًا، ويُكتفى بها دون تطوير واضح للعلاقات أو السياق. فالأفكار وحدها، مهما كانت جميلة، لا تصنع أفلامًا قصيرة مؤثرة، بل قد تتحوّل إلى مجرد مشاهد مقتطعة تفتقر للتماسك.

مع ذلك، تظل تجربة «علكة» لافتة، خصوصًا في محاولتها استثمار خيال الطفل وتجسيده عبر رسوم طفولية تحاكي مشاعره وتصوراته، وهو ما منح الفيلم لمسة إنسانية. 

«أختين» لـ وليد القحطاني 

الفيلم الأخير في هذه المجموعة هو «أختين» من إخراج وليد القحطاني. وكحال بعض أفلام هذه المجموعة، يفتقر الفيلم إلى حبكة مشوقة أو محور درامي واضح يشد انتباه المشاهد ويدفعه للاهتمام بشخصياته.

يبدأ الفيلم بمقابلة تلفزيونية تجريها إحدى الأختين، والتي يتضح أنها ممثلة. وبسبب سؤال محرج من المذيعة، تتدخل الأخت الأخرى، رافضةً استمرار المقابلة، وتقوم بإخراج أختها منها. هنا نبدأ في تكوين تصور مبدئي عن طبيعة العلاقة بين الأختين، والتي تبدو في البداية علاقة قائمة على الحماية والدعم. لكن الفيلم ما يلبث أن يأخذنا إلى مساحة مختلفة تمامًا فيما بعد، ومن دون رابط واضح، وذلك بتقديم حدث يدور حول حفل عيد ميلاد الأخت الممثلة، حيث تظهر هنا معالم معاناتها النفسية بشكل أكبر.

ربما لو عمد المخرج إلى التأسيس لهذا الجزء منذ البداية، ووضعنا مبكرًا في بؤرة تركيز واضحة على مشاعر البطلة ومعاناتها، لقلل من حالة التشتت التي مر بها الفيلم، ولنجح في بناء رابط سردي أو درامي بين الأحداث. إذ يبدو أن جوهر الفيلم يركّز على الأخت الممثلة ومعاناتها الداخلية أكثر من تركيزه على العلاقة بين الأختين، كما قد يوحي العنوان.

اقرأ أيضا: مهرجان أفلام السعودية 11: «فخر السويدي» ربما من هنا علينا أن نبدأ كوميديا!

شارك هذا المنشور

أضف تعليق