فاصلة

مراجعات

«مصيدة» إم. نايت شيامالان… عندما تسقط في فخ نجاحك الأول

Reading Time: 4 minutes

إن من يتابع فيلم إم. نايت شيامالان الجديد «مصيدة Trap» يدرك جيدًا أن النجاح الذي قد يحققه المرء في خطواته الأولى، لن تلحقه بالضرورة نجاحات أخرى، بل إن نجاح البداية قد يكون لعنة تطاردك في كل مرة تصنع فيها فيلمًا جديدًا. فمنذ أن أخرج شيامالان فيلمه الهوليوودي الأول والأنجح «الحاسة السادسة The Sixth Sense» الذي كان علامة بارزة في مسيرته الفنية، وهو ما زال واقعًا في مصيدة هذا النجاح ولم يتجاوزها، على الرغم من كونه صنع بعض الأفلام التي يمكن اعتبارها جيدة مثل «غير قابل للكسر Unbreakable» و«القرية The Village» بالإضافة إلى فيلمه «فُصام Split» الذي عاد له بنجاح جيد بعد إخفاقات مستمرة، إلا أن هذه الأفلام جميعها لم تتجاوز عتبة نجاحه الأول.

 الحاسة السادسة
الحاسة السادسة (1999)

 فنظرة سريعة للأفلام التي جاءت بعد «الحاسة السادسة» تضع علامة تعجب كيف أن مخرج لديه القدرة والإمكانيات والموارد أن يقدم ما يريده، إلا أنه مع ذلك لا يستطيع أن يتجاوز الباب بتقديم شيء مختلف، حتى لو حاول ذلك. فشيامالان ما زال يحاول أن يقدم قصص مختلفة، ذات أجواء غامضة ومشحونة بالتوتر، وأكثر ما يحاول أن يقدمه هي الالتواءات الدرامية (Twist) التي برع فيها سابقًا في فيلم «الحاسة السادسة». إلا أن النتيجة كثيرًا ما تأتي عكس المتوقع. ففي معظم أفلامه تجد نفسك محاطًا بالكثير من الغموض والانعطافات والإثارة، إلا أنك فيما بعد تكتشف أن ما تشاهده مجرد نص مترهل وضعيف و مليء بالفجوات. فخذ مثلًا فيلم «شيخوخة Old» الذي يحمل فكرة واعدة بالتأمل والمشاهدة، ومليء بموضوعات فلسفية تتعلق بالموت والحياة والزمن والعلاقات الإنسانية، إلا أنه وعند منتصف الفيلم تقريبًا يقع في تخبطات وتفسيرات غير منطقية، قتلت فكرة الفيلم وأضعفت أحداثه وتطور شخصياته. 

Old (2021)
Old (2021)

 ولكن بالرغم من ذلك تظل بعض أفلامه – على الأقل- تحمل ذلك البعد الذي يدفعك للانغماس بالبداية مع أجواء الغموض وتترقب ما سوف يحدث. إلا أن ما حدث مع فيلمه الأحدث «مصيدة Trap» كان مختلفًا.

يدور الفيلم حول رجل يُدعى «كوبر»، نكتشف فيما بعد أنه قاتل متسلسل، يذهب مع ابنته لمشاهدة حفل موسيقي لمغنية مشهورة تحبها ابنته، إلا أن ما يكتشفه فيما بعد أن الحفل محاط بالشرطة بهدف اصطياده شخصيًا، إلا أن مشكلتهم هي عدم معرفتهم لهويته، وكل ما يملكونه بعض المعلومات التي تخصه، لذا يحاول القاتل إيجاد طريقة للهرب من الحفل بأي طريقة كانت. أن ما تحمله هذه الفكرة تجعلك تظن أنها ستضعك في حالة من الترقب والإثارة والغموض، إلا أن كل ذلك يذهب هباء منذ البدايات الأولى للفيلم، وتفقد بعدها تمامًا اهتمامك بالفيلم وبما سوف يحدث. 

السبب يرجع إلى أن كل ما تشاهده في الفيلم منذ البداية إلى اللحظة الأخيرة مبني على الصدفة فقط. منذ بداية معرفته بأنه ملاحق، ومن ثم طريقة تعاطيه مع الحدث ومحاولة هروبه، والكثير غيرها، تجد أن الصدفة هي المحرك الأساسي للأحداث. إذ لا تجد ذكاء القاتل الذي يفترض به أنه يملك قدرة على التفكير المتقدم والتلاعب بالأخرين، ولا مهاراته التحليلية التي تجعله يتفوق على منافسيه، إلا بعد ما تكون الصدفة قد هيأت له طريقًا للخروج من المصيدة. هذا المحرك الدرامي بالإضافة إلى المشاكل الأخرى التي يحملها الفيلم تؤدي إلى فقد منطقية الحبكة، إذ تجد أن الأحداث تظهر تم تلفيقها لكي تغطي الحبكة المطلوبة؛ بدلًا من أن تكون ناتجة عن أفعال الشخصية، وبالتالي تكون تابعة للحبكة لا صانعة لها، مما يقتل حس التوتر والإثارة والارتباط لدى المشاهد، فيجد نفسه في سلسلة من الحوادث العشوائية التي لا علاقة لها بقدرة الشخصية. 

فيلم مصيدة (2024)
فيلم مصيدة (2024)

إن مجرد وجود صدفة غير واقعية في حدث معين، كاف لكسر حس الإيهام والارتباط ما بين المشاهد والفيلم، فما بالك ببناء فيلم لا تتحرك أحداثه إلا من خلال الصدفة؟! 

ضف إلى ذلك ضعف تطور الأحداث ومحاولة خلق خطوط درامية غير منطقية لتفسيرها. غياب المنطق أدى إلى أن يغيب الإحساس بواقعية الأحداث عن المشاهد وعلاقة الشخصيات فيما بين بعضها البعض، وكل ذلك من أجل محاولة زرع شيء من التعاطف المقحم لدفع المشاهدين للارتباط بالشخصية الرئيسية، ومن هنا بالتحديد يتضح ضعف الخيار الذي اتخذه الفيلم منذ البداية فجعل بطل الفيلم قاتل متسلسل ملقب بـ «الجزار».

هذا الخيار بطبيعة الحال – خاصة مع عدم وضوح دوافع الشخصية وخلفيتها، أو  بناء خط درامي يجعلنا نرى ملمح إنساني غير مفتعل، كانت نتيجته أن المشاهد لن يهتم بأي شكل من الأشكال بالشخصية الرئيسية وبالتالي عدم المبالاة بما سوف يحدث لها، حتى لو حاول صناع العمل أن يجعلوه قاتل وسيم، ذو علاقة ممتازة مع عائلته، ففي أحد المشاهد التي يتضح فيها عدم منطقية تصرف الشخصيات وضعف السيناريو، تقتحم ابنة البطل حصار الشرطة المشدد وهو مقبوض عليه، وتحتضنه بكل بساطة ودون مجهود، وكل ذلك بهدف جعلنا نتعاطف مع هذه الشخصية المجنونة والقاتلة. 

 طبعًا كل ذلك على افتراض أن الفيلم نجح فعلًا في جعلنا نتفاعل مع محاولة تضييق الخناق على البطل، وفي جعله يحاول بذكاء ودهاء التملص والخروج من هذا المأزق بأي شكل من الأشكال. فما بالك أن حتى هذا لم يحدث.

فيلم مصيدة (2024)
فيلم مصيدة (2024)

وهناك أمر ملاحظ مع بعض أفلام شيامالان، هو ضعف أداء الممثلين، وهذا شيء غريب أن يحدث في أفلام لا يفترض بها أن تكون من أفلام الدرجة الثانية، خاصة أنه يعمل في ظروف إنتاجية جيدة، ولديه خبرة تزيد على 20 عامًا في الإخراج السينمائي وتوجيه الممثلين. فضعف الأداء، وعدم مصداقية الانفعالات، كانا حاضرين وواضحين طوال زمن عرض الفيلم. 

في كل مرة يقدم م. نايت شيامالان فيلمًا جديدًا، يضعه في إطار توقعات معينة ومنها أنه سوف يقدم فيلمًا سيئًا آخر، وذلك بسبب كونها أصبحت عادة تتكرر فحتى عندما ينجح في تجاوز منتصف فيلمه بحبكة جيدة، فإنه سرعان ما ينفلت منه الزمام في النصف الثاني من الفيلم ويقع في الترهل والضعف وإفقاد الحبكة منطقيتها.

 ومن المحزن بالنسبة لي، أن أجد مخرجًا ارتبطت مبكرًا معه من خلال فيلمه «الحاسة السادسة» وتابعت معظم أفلامه – وسأستمر بذلك غالبًا-؛ لم يستطع حتى أن يتجاوز فيلمه ذاك ويقدم شيئًا مختلفًا. فبالرغم من كونه اختار أنواع معينة من الأفلام تتسم بالرعب والغموض والإثارة، وخاصة بعد النجاح الكبير الذي حققه فيلمه «الحاسة السادسة» إلا أنه قليلًا ما نجح فيها.

اقرأ أيضا: «لعبة الخلق».. عن طموح الكمال ومطاردة الخيبة

شارك هذا المنشور