فاصلة

حوارات

مخرجة «باي باي طبريا»… الوثائقي يمكنه تجاوز الأفلام الروائية في التأثير

Reading Time: 5 minutes

على بعد كيلومترات قليلة من موقع أحداثه في فلسطين، عرض مهرجان عمان الدولي للسينما- أول فيلم، المنتهية فعالياته قبل أيام، فيلم «باي باي طبريا» للمخرجة الفلسطينية الأصل لينا سويلم. بعد اختيار الفيلم لافتتاح أنشطة المهرجان وعروضه، الأمر الذي أحدث سعادة خاصة لدى مخرجته التي تمكنت اخيراً من مشاركة أسرتها مشاهدة الفيلم على شاشة عرض سينمائي. 

يأتي عرض «باي باي طبريا» في العاصمة الأردنية عمان ضمن فعاليات مهرجانها السينمائي الدولي، بعد عام ناجح للفيلم طاف فيه عدة مهرجانات حول العالم دون أن يُعرض حيث صُنع، في الأراضي الفلسطينية.

فاصلة التقت المخرجة لينا سويلم على هامش مهرجان عمان السينمائي الدولي، وحاورتها حول الفيلم، والمعاني التي انطوى عليها من صمود وارتباط بالأرض والغربة القسرية التي تمر بها النساء الفلسطينيات. 

باي باي طبريا

كيف يختلف عرض «باي باي طبرية» في مهرجان عمان عن غيره من المهرجانات العالمية الأخرى التي عرض فيها الفيلم؟  

كنت أحلم بذلك اليوم منذ زمن. فمنذ سبتمبر الماضي شارك الفيلم في مهرجان فينيسيا السينمائي ثم تورنتو. وكان من المفترض عرضه بقاعات السينما داخل فلسطين، وأن يشارك في مهرجانات فلسطينية حتى تستطيع كل عائلتي مشاهدته قبل أن يجول حول العالم. لكن بسبب الحرب المندلعة منذ أكتوبر الماضي ألغيت الخطة.

للأسف، خلال رحلتي بالفيلم حول العالم في أوروبا وأمريكا والعالم العربي، لم تكن عائلتي وخالاتي اللاتي يحكي الفيلم قصتهن قد شاهدن العمل. وعندما علمت أن مبرمجي مهرجان عمان يرغبون في عرض الفيلم في افتتاح، فكرت أن هذا الوقت الأحلى حتى تستطيع عائلتي القدوم ومشاهدة العمل، ويعيشون تجربة مشاهدة العمل مع جمهور.

كيف اخترتِ الفكرة وعملتِ عليها؟

فكرة الفيلم نابعة من أول فيلم وثائقي قدمته وهو «جزائرهم» الذي ركزت فيه على الجانب الجزائري من هويتي، من خلال تصوير عائلة أبي؛ صورت مع جدي وجدتي من جهة والدي، وهم من الجزائر ورصدت قصة هجرتهم وانسلاخهم عن الجزائر. وخلال العمل كنت أفكر بعائلتي الفلسطينية. كنت أفهم الصمت الذي يغلف تفاعلات عائلتي الجزائرية بسبب القسوة الشديدة التي عايشوها تحت الاحتلال الفرنسي، وعندما هاجروا إلى فرنسا لم يحكوا قصتهم. 

على الجهة الثانية، وعلى الرغم من استمرار الاحتلال، فعائلتي الفلسطينية تحكي قصتها كثيرًا، لكن هناك صعوبة في أن يدرك العالم قصتهم.

كان من المهم في نظري أن أحكي عن الذاكرة الشخصية من خلال شخصيات عائلتي لكي أعبر عن الذاكرة الجمعية، ذاكرة ناس جرى إسقاطهم من الذاكرة الجمعية للعالم.

كنت أشعر أن عليّ الاستمرار، لذلك صورت مع جدتي الفلسطينية ووالدتي وخالاتي من أجل أن أستكمل الحكي عن القصص، حتى أجعل الجمهور يرى كيف أن الشخص يمكن أن يستكمل قصته رغم الفقدان والهجرة رغم الاستعمار والحرب، وتلك قوة مهمة للغاية، وكنت أرغب أنه أقدر يكونوا موجودين كل هؤلاء النساء بالعالم من خلال قوتهن.

باي باي طبريا

كيف أقنعتِ خالاتك أن يظهرن حياتهن بكل شيء فيها من دون تحفظ؟

هناك كثير من الحب بالعائلة، ولم أكن لأقدم على صناع الفيلم لو لم أشعر أن لدي مساحة تكفل لي إخراج فيلم صادق. 

عائلتي تتمتع بالمحبة الكبيرة التي تربط أفرادها وتربطني بهم، كما أن خالاتي كن راغبات في المشاركة في التجربة. ولا مرة شعرت أنهن كن لا يرغبن في الحكي معي. نشأت معهن وكنت محاطة بهم وبكل نساء العائلة وأعلم أنه كان دائمًا من المهم لديهن أن ينتقل التاريخ للجيل الجديد، كما أنني استغرقت الوقت الكافي حتى يشعرن بأهمية تقديم ما نقدمه.

باي باي طبريا

مثلا كان تقديم الفيلم أصعب لوالدتي وأهون على خالاتي، وذلك لأن والدتي معتادة على الكاميرا لأنها ممثلة وكان صعب عليها الحكي أمام كاميرا وثائقية، لكن خالاتي كن سعداء بمشاركة قصتهن معي، ولم يشعرن أن هناك فرق كبير عندما حكين في وجود الكاميرا، لأنه الكاميرا كانت جزءًا مني وهن لا يجدن فرقا بيننا، وكن طبيعيات كثيرا لكن أمي ولأنها تعرف معنى الكاميرا وأنني سأصور أشياء تشاهدها الناس، كان الأمر صعبا عليها. 

باي باي طبريا

هل الفيلم معنِي بقصص نساء فلسطين فقط أم يمكن قراءته على نحو يتصل بالحياة الإنسانية في أي بلد؟

أفكر في أن الأمر ليس فقط قصة فلسطين أو بلد معين، عندما تحكي عن قصة شخصية وتجمع مع الحكي مشاريع تلك الشخصية وأحاسيسها، وتحكي عن العائلة ومعنى أن تصبح صاحبة الشخصية أما أو بنتًا وجودها في محيط به هجرة أو صعوبة، ستجد أن الفيلم لم يعد عن فلسطين فقط، لأن كل البلدان لديها مشكلات. وكثيرنا في هذا الزمن الصعب يفكر في العائلة وفيما يمر به أفرادها.

مثلًا؛ فوجئت خلال عرض الفيلم بفرنسا أن بعض الأشخاص جاءوا خصيصًا لمشاهدة الفيلم ظنًا أنه يحكي فقط عن قصة فلسطين، وكانوا يرغبون في المعرفة أكثر، وشعروا أنهم صاروا جزءًا من العائلة وفكروا في أهلهم وقصتهم، وهذا شيء جيد كثيرًا لأنه يعيد الفلسطينيين إلى موضع إنساني، ويجعلهم جزءًا من العالم.

كم استغرقت من الوقت في التصوير والإعداد قبل بدء مرحلة المونتاج؟ 

هذا سؤال يلتفت إلى أن الفيلم مادته لم تكن فقط المشاهد التي صورتها مع العائلة، بل كان هناك أيضًا أرشيف صوره والدي، فكان لديّ 50 ساعة أرشيف للمشاهدة مرارًا والانتقاء منها، إضافة إلى ما صورته وما بحثت عنه من أرشيف تاريخي، وما بين 2018 و2023 عملنا على المونتاج. كنت أكتب وأصور وأشاهد الأرشيف، وأعود للتصوير فأخذنا الكثير من الوقت.

شريكتي في الكتابة هي المخرجة اللبنانية الفلسطينية نادين ناعوس وهي تعيش في فرنسا، وعملت مع المونتيرة كلادي جوجو وهي لبنانية تعيش بفرنسا كذلك، طوال الوقت كنا نتشارك الكتابة والتصوير والمونتاج، فهذا عمل سنوات.

وما هي أصعب التحديات التي واجهتك بالفيلم؟

 أظن أنه كان التصوير مع والدتي، وكذلك قصص النكبة والهجرة.

 أتوقع أن مشهد العودة للبيت كان مؤلمًا كثيرًا

نعم، التصوير في تلك الأماكن مسألة صعبة ويصعب التخطيط لها بدقة؛ فأنت لا تعرف إن كنت ستصل إلى البيت أو إن كنت ستجد سكانه كما كانوا، أو هل ستستطيع الرجوع إليه مرة أخرى.

هناك دائمًا خوف أن يضيع كل شيء. قصة النكبة مرروها إلينا، وكيف خرجت جدتي وأمي من طبريا وكيف خسرت العائلة كل شيء ولم يستطع أيهم العودة ليروا جزءا من عائلاتهم، نحن كبرنا مع تلك الحكايات، ونحن كعائلة نفكر في تلك الحكايات ونخشى أن تتكرر مرة أخرى، وهذا الأمر كان موجودًا بداخلي دومًا خلال التصوير. 

من ناحية أخرى كنت سعيدة لأنني أستطيع التصوير ويظل بيت العائلة ووجودها أبديين ما بقيت السينما. 

باي باي طبريا

هل بدأتِ التفكير في مشروعاتك المقبلة؟

أرغب في تجربة كتابة فيلم روائي، لديّ كثير من الأفكار لأفلام وثائقية عن العائلة مع الأرشيف، لكن أرغب في التغيير، ولديّ قصة أريد تجربتها.

برأيك ما أهم شيء لمخرج الأفلام الوثائقية لكي يقدم فيلمًا وثائقيًّا مؤثرًا؟

أهمية الفيلم الوثائقي اليوم صارت راسخة ومعترف بها في المهرجانات ونرى العديد من الأفلام الوثائقية من البلدان العربية، فمثلا فيلم «بنات ألفة» لـ كوثر بن هنية الفيلم كان مرشحا للأوسكار، كذلك فيلم «كذب أبيض» لـ أسماء المدير، و«باي باي طبريا»… هناك شيء مهم وقابل للنجاح في الأفلام الوثائقية.

كذلك موضوع الميزانية عامل أساسي، لأن الوثائقي ليس كالأفلام الطويلة، بالإضافة إلى الحرية الأكبر، فمثلًا أنا صورت مع عائلتي وحصلت على كل الوقت الذي أرغب فيه، ما يعطي المخرج فرصة الخروج برؤية مختلفة، وأنا محظوظة في ذلك، وأرى أنه شيء مهم تقديم الوثائقي لأن الواقع اليوم يوجد به الكثير من القصص التي نحتاج لحكيها، خاصة أن الفيلم الوثائقي أحيانًا ما يحمل قوة تتجاوز الفيلم الروائي.

اقرأ أيضا: أصغر فرهادي من عمّان: 12 خلاصةً لفائدة السّينمائيين الشباب

شارك هذا المنشور