فاصلة

حوارات

مخرج «جرس إنذار»: راجعنا النص مع طالبات المدارس للتأكد من واقعيته

Reading Time: 6 minutes

في فيلم «جرس إنذار» للمخرج السعودي خالد فهد، تكرر «نتفليكس» تجربة الإبحار في القصص المثيرة لما يدور في المدارس وما تخبئه من أسرار وتكشفه من انعكاسات مجتمعية، بعد النجاح الكبير الذي حققته المنصة عربيًّا من خلال المسلسل الأردني، «مدرسة الروابي»، الذي يُنتظر عرض جزئه الثاني قريبًا.

في «جرس إنذار»، تستعيد فاصلة مع المخرج خالد فهد، حادثتين قديمتين متشابهتين لحريق في مدرستي بنات في مكة وجدة عامي 2002 و2011، واهتز لهما المجتمع السعودي في وقتها.

رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي قلصت صلاحياتهم  في 2016، كان بعض عناصرها وراء تأخير دخول الدفاع المدني لإنقاذ البنات، أما حريق 2011 فقالت التحقيقات أن سببه حريق داخلي بسبب عبث الطالبات. وإن تعددت أسباب الخسائر ومسبباتها؛ تبقى الضحايا من الفئة نفسها: طالبات المدارس.

فاصلة التقت مخرج الفيلم خالد فهد، وحاورته حول عدد من الجوانب الفنية والاجتماعية التي أثرت في صناعة الفيلم الذي أنتجته استوديوهات Ideation من بطولة مجموعة من الوجوه الواعدة، وممثلات خبيرات منهن شيماء الطيّب، وخيرية أبولبن، وأضواء فهد، ودارين البايض، وعائشة الرفاعي.

الشباب أولًا

بداية يؤكد خالد فهد أنه لم يكن يتوقع اتساع نطاق ردود الأفعال التي تلقاها الفيلم، خاصة وأنه خلال مرحلة الإعداد كانت هناك مخاوف لدى فريق العمل أن يكون الفيلم غير جذاب للعديد من الفئات العمرية، وعلى رأسها الرجال الذين تخطوا مرحلة الشباب، ولهذا أسبابه التي يوضحها فهد في حديثه: «عندما استشرنا طالبات المدارس والمعلمات، اكتشفنا أن هناك أشياء تحدث في المدارس لا يمكن أن يفهمها الرجال أو يتقبلوها، سواء في الملابس أو الحوار. فالحوارات المدرسية لم تعجب الكثير من المراجعين الرجال، بينما فتيات كثيرات وجدن أنها حقيقية وواقعية».

لكن عدم رضا بعض الفئات العمرية عن الحوار لم يوقفه أو يدفعه لتبديل أي شيء في السيناريو الذي أراد تقديمه، وهو ما يفسره في قوله «الشريحة المستهدفة هي شريحة المدارس، ومن ينخرطون في سلك التعليم حاليًا، لهذا كان لا بد أن يكون الحوار واقعيًّا، ويعكس الحوارات المتداولة في المدارس».

لكن ذلك التوجه الذي حكم كتابة وإخراج الفيلم ربما يكون غير مألوف في صناعة السينما التي عادة ما يتطلع صناعها إلى الوصول إلى أكبر عدد من الجمهور وفي فئات مختلفة، لكن لخالد فهد وجهة نظر في مسألة التوجه لفئات عمرية أو شرائح مجتمعية بعينها يلخصه في قوله: «وجود فئة مستهدفة لا يعني أن الفيلم مقدم لتلك الفئة حصرًا، ولكن يعني أن هناك عناية خاصة بالوصول إليها، فأي شخص يمكن أن يعجبه الفيلم والعمر ليس شرطًا. أفلام المغامرة مثلًا لا تعجب الأشخاص جميعهم، لكن المُشاهد الذي يعجبه الفيلم يكون هو الفئة المستهدفة أيًا كان عمره. أنا أشاهد مثلا أفلام «ديزني»، لكن بعض الأشخاص ممن هم في عمري يكرهون تلك الأفلام. لا أحب أفلام الرعب، لذلك أنا لست من الشريحة التي تستهدفها تلك الأفلام، وهكذا».

فيلم جرس إنذار

أسئلة صعبة وتحديات «الزمن»

لم يكن هذا هو التحدي الأول الذي واجه فهد وفريق عمل الفيلم، ففي البداية واجه الفريق تساؤلاً مهمًا حول تاريخ الفيلم. فخلال الفترة التي مرت منذ حدوث تلك الوقائع التي ينبني عليها الفيلم وعام إنتاجه في 2023، جرت تحت الجسر مياه كثيرة، وتغيرت الحياة في السعودية بتغير المشهد المجتمعي ومبادرات التحديث الكبيرة، فكيف أثر ذلك على تلقي الأفلام المبنية على قصص حقيقية؟ هذا ما يجيب عنه المخرج لـ فاصلة فيقول: «كان سؤالًا صعبًا لكننا قررنا البقاء في الحقبة الزمنية التي وقعت فيها الأحداث، ووجدنا حلولًا بصرية في هذا الصدد عبر استخدام الأجهزة الإلكترونية، والأزياء، والسيارات التي سادت في تلك الفترة، فهذه أكثر العناصر التي تذكّرنا بتلك الحقبة الزمنية».

فيلم جرس إنذار

المتعة أولًا أم الصنعة؟

هذه العناية البادية بالتفاصيل لم تنعكس على كافة عناصر الفيلم، وكان هذا هو محور سؤالنا عن ما ظهر من فقر إنتاج في بعض المشاهد المهمة على الرغم من أن الفيلم يحمل توقيع نتفليكس، كمشهد الحريق مثلًا وهو مشهد مفصلي في الأحداث إلا أن المؤثرات فيه جاءت ضعيفة وبدت غير معني بها، وهو ما نفاه المخرج  بقوله: «ظهر الفيلم في صالة السينما في العرض الخاص بشكل جيد ولم نشعر بهذه الفوارق. المشاهدة تختلف من شاشة إلى شاشة. لكن الناس عندما يعرفون أن هذا الفيلم من إنتاج «نتفليكس» يظنون أن التكلفة بلغت مئة مليون. الأفلام السعودية لها سقف في تكلفة الإنتاج في مختلف المنصات، ولا يوجد فيلم سعودي يتم إنتاجه بمبالغ فلكية. أغلى فيلم سعودي قد يكون (الهامور)، لكن موازنات الأفلام الأخرى متساوية ومتقاربة جدًا».

 وحول تصريح المخرج الذي قال فيه «الجمهور أكثر وعيًا من صناع الأفلام»؟

يجيب خالد فهد :«نعم، قلت هذا التصريح فعلًا، ولكنه يجب أنْ يؤخذ في حقيقته النسبية (سياقه)، أي بما يتناسب مع واقع الحال. فإذا كان عدد صنّاع السينما مثلًا مئة شخص؛ فعدد المتابعين الجيدين قد يتعدى الألف. ولكن كم شخص في الألف يتفوق على الصنّاع؟ ما أعنيه أن هناك مشاهدون ذوي وعي كبير قد يتفوق على وعي بعض صناع السينما ولم أقصد أبدًا أن مجمل المشاهدين أوعى من كل الصنّاع، فالعاملون في حقل السينما درسوا وحصلوا على دورات تدريبية، ولديهم احتكاك جيد بمسألة صناعة الأفلام».

ما تحتاجه السينما السعودية 

يعكس التصريح السابق رؤية خاصة لدى خالد عن الجمهور وصناع السينما على السواء، وهو ما يدل على انطباع غير معلن – إلى الآن- عن وضع صناعة السينما السعودية بمختلف أطرافها من صناع لها ومتلقين لأعمالها. مجيبًا على سؤال لـ فاصلة يؤكد خالد فهد  ذلك قائلًا: «الجمهور السعودي يشاهد الأفلام بحماس، ظهر هذا من خلال بعض الشباب الذين كانوا على قدر عال من السرعة في مراجعة الفيلم، لكن الوقت لا يزال مبكرًا للحديث عن النقد والتقييم. لكن هذا لا ينفي ان المناخ ليس إيجابيًا بالكامل، فهناك حالة من الترقب في السعودية لصنّاع الأفلام، وأرى أن البعض لا تعجبه صناعة الأفلام، وهذا الترقب مخيف جدًا، خاصة في ظل التحديات التي تعيق سرعة تطور السينما السعودية».

وعما يعنيه بتلك التحديات يوضح مخرج «جرس إنذار»: «نصف طاقم العمل في الأفلام يأتي من خارج البلاد، ونحن نستفيد من الخبرات الوافدة، لكن تكلفة المواصلات والسكن تكون عالية في أيام التصوير، وكل يوم تأخير خلال ذلك يستلزم إهدار الكثير من المال. فيلم «كيرة والجن»، على سبيل المثال، تم تصويره في ثلاث سنوات، لأن الطاقم مصري بالكامل، وهؤلاء ليس لديهم مشكلة في التأخير أو في إعادة التصوير. المشكلة عندنا، وهي كبيرة. الإنتاج السعودي يعاني بسبب عدم توافر كوادر سعودية، ولهذا نحتاج إلى خبرات من دول أخرى».

المخرج خالد فهد

تسأله فاصلة: وهل يحتاج الجمهور إلى سماع مثل هذه المبررات؟

يجيب: «إطلاقًا، الجمهور يرى النتيجة النهائية، ولا يهمه سواها. لا مانع لديَّ من إثارة هذه المسألة بيننا كصنّاع ونقاد، لكن لا يمكنني أن أتحدث عن هذه العقبات قبل طرح الفيلم على الجمهور».

وعن صعوبة توجيه الممثلين القادمين من عالم الدراما لعالم السينما يقول فهد: «الممثلون كثيرهم واعون لأن السينما هي لغة مشاعر أكثر من كونها لغة حوارات. فالنظرة تُعتبر بمثابة جملة درامية كبيرة. هذه الأحاسيس لا بد أن تصل إلى المتلقي في السينما، أكانت أحاسيس كآبة أم حزن وفرح. الصانع في السينما يتمكن من إيصال الشعور إلى المتلقي، على عكس الدراما التلفزيونية التي تميل إلى الاعتماد على الحوارات. مثلًا، سألني أخي عن مشاعري حيال فيلم (مندوب الليل)، فأخبرته أنني أحسست بالكآبة. هذه المشاعر التي نقلها المخرج إلى المشاهد وصلت إليّ. السينما الحقيقية هي التي تؤثر على شعورك الداخلي».

فيلم طريق الوادي

البحث عن الفرادة والصوت الخاص 

نسأله: قدمت فيلمي «طريق الوادي» و«جرس إنذار»، لكننا لا نشعر أن صوت خالد فهد واضح فيهما.

فيجيب: «لست أنا من كتب نصَّي الفيلمين. بل تسلمتهما جاهزين، ولم أشارك كمخرج إلا في بعض التعديلات. علمًا أنهم اعتبروني كاتبًا مشاركًا في جرس إنذار. كان لدي فيلم مستقل أردت أن أبدأ به مسيرتي السينمائية ليكون صوتي واضحًا من البداية لكن للأسف لم أجد من يموله».

الحديث عن السينما المستقلة التي أراد خالد فهد ابتداء مشروعه السينمائي من خلالها، يستدعي أسئلة منطقية عن المدى الذي يؤثر فيه مطلب النجاح التجاري وما يفرضه من قيود على السرد السينمائي لأغراض تعظيم المتعة للجمهور على حساب الصنعة أو اختيار الموضوع أحيانًا؛ إلا أن مخرج «جرس إنذار» لا يرى تناقضًا بين الصنعة والمتعة. يقول خالد فهد لـ فاصلة «بالتأكيد المتعة بالغة الأهمية، أنتَ كصانع أفلام عليك أن تستمتع بمشاهدة الفيلم قبل الجمهور، فأنت تصنع الفيلم لك أوًلا، فإذا استمتعت ولم تشعر بملل، تستنتج أنه قد يعجب الجمهور. بعض الأفلام ذات الموضوعات الجريئة التي قد تطرق جوانب وأمور يريد أن ينساها المجتمع، ربما تُزعج بعض فئات الجمهور الذي لا يتحدث عنها رغم علمه بحدوثها، فالمهم وجود النوعين من الأعمال، لأنه ليس لديك نوع واحد فقط من الجمهور».

ولكن، هل يجب أن نستمع إلى الجمهور، فلا نقدم ما يزعجه؟ إجابة خالد  عن هذا السؤال حاسمة أيضًا: «لا! نعم يجب على صانع السينما أن يستمع إلى الجمهور، وأن يأخذ ما يراه الجمهور في اعتباره بمعنى الوعي به. لكن ذلك لا يعني أن يصنع فيلمًا لغرض إرضاء الجمهور فقط. فإذا قدمت فيلمًا يعجب شخصًا ما، فقد لا يعجب غيره. لكن من المهم جدًا الاستماع الى الجمهور لأن رأيه مهم جدًا، ونأخذ منه النقد الإيجابي. فمثلًا كما قلت لي في البداية، المؤثرات البصرية لم تكن على قدر المتوقع، وإذا واجهتُ هذه المشكلات في عمل جديد فسوف أحاول تجنبها. وأنا من حيث الصناعة أقل من زملائي الموجودين جميعًا، لذا أتابع الأفلام السعودية واستفيد منها في أشياء كثيرة، فمدرستي الأولى هم المخرجين السعوديين».

خصوصية سعودية

شغفه الواضح وحماسه للسينما السعودية دفعنا للسؤال التالي: ما الفيلم السعودي الأجمل الذي شاهدته؟

يقول خالد : «لا يمكنني التحديد. لكن الأفلام السعودية دائما ما أخرج منها سعيدًا مهما كان نوع الفيلم لأنني أعلم ما يحدث في الكواليس، وأغلب الصنّاع زملاء لي، وهم يعانون من الموازنة ومواقع التصوير. أفلام كثيرة تسعدني، وأسمع فيها صوت المخرج، مثل فيلم (ناقة)، وفيلم (عبد)، فالمخرج لديه حالة فنية يريد طرحها».

وعن تعاونه مع المصور السينمائي البارز عبد السلام الموسى يقول خالد فهد: «عبد السلام الموسى فنان جدًا. الحديث معه يخلق حالة فنية، فهو تربى على الفن والصورة، وأعتقد أنه الوحيد الذي يملك معملًا لتحميض الفيلم. وفي (جرس إنذار)، استوحيت بعض أفكار العزلة من الرسام إدوارد هوبر، وفوجئت بعد النقاش مع عبد السلام الموسى عندما جاءني حاملًا معه كاتالوغ إدوارد هوبر، أنه من عارفي فنه ما يشرح سر جمال صورته السينمائية بمعرفته بمدارس فن الصورة المميزة في العالم».

اقرا أيضا: «جرس إنذار»… عندما تغيب عن الحصة الأولى

شارك هذا المنشور