يحضر الاحتلال بأقدامه الثقيلة ليجثم على أنفاس البطلين والمشاهدين لفيلم “برتقالة من يافا” للمخرج الفلسطيني محمد المغني. هذا الحضور الكثيف الثقيل يصعب تجسيده والتقاط خشونته وجثامة حضوره سوى ممن اختبر هذا الحضور وعانى من تبعاته، وهذا ما يؤكده المخرج محمد المغني في حديثه إلى فاصلة، إذ يؤكد أن أحداث فيلمه القصير، مأخوذة من واقع عاشه أثناء تواجده في الأراضي الفلسطينية المحتلة، إضافة إلى مواقف يتعرض لها يوميًا مئات الآلاف من أبناء شعبه، مشيرًا إلى انشغاله بالتعبير عن القضية الفلسطينية في مشاريعه السينمائية المختلفة.
حصل المغني بفيلمه الجديد على جائزة “نجمة الجونة الفضية” في مسابقة الأفلام القصيرة، مناصفة مع الفيلم البرتغالي “كيف استعدنا والدتنا”، كما حظي الفيلم بإشادات نقدية عديدة خلال عرضه الأول في المنطقة العربية.
تدور أحداث “برتقالة من يافا” حول شاب من غزة عاد إلى بلاده مؤخرًا من الدولة الأوروبية التي يقيم فيها دون أن يحمل جنسيتها، ويحاول العبور إلى يافا مستخدمًا بطاقة الإقامة الأوروبية التي بحوزته. ولكن بعد رفض دخوله من معبر يلجأ إلى معبر آخر، ليفاجأ بتوقيفه وتعطيل سائق التاكسي الذي أقله، بينما تنتظره والدته في يافا على أمل رؤيته لفتاة ترغب في أن يتزوجها ابنها.
يقول المغني في مقابلته مع فاصلة؛ إنه عاش غالبية حياته في فلسطين، لكن دراسته في بولندا منحته الإقامة الأوروبية، مما جعله يشعر بحرية الحركة داخل أوروبا بشكل عام دون قيود. لكن الوضع في فلسطين مختلف بالنسبة للفلسطينيين الذين لا يعرفون حرية الحركة، إذ لا يمكنهم توقع الوصول إلى أي مكان دون مفاجآت يومية.
وأضاف أن المواطن الفلسطيني لا يستطيع الحصول على كثير من حقوقه الأساسية داخل بلده، ومنها الحق في التنقل بحرية. لافتًا إلى أن والدته تجد أحيانًا صعوبة عند زيارتها لأقاربها في يافا، وهو الأمر الذي يواجهه أيضًا عندما يرافقها.
وأوضح الصغير أنه واجه صعوبات في كتابة السيناريو خلال فترة دراسته للسينما في بولندا، مما دفعه للعمل على معالجة نقطة ضعفه لتقديم سيناريو مكتوب بطريقة جيدة، مشيرًا إلى أنه اختصر مشاهد الفيلم التي كتبها في 70 صفحة لتكون في 30 فقط، ليصبح العمل أكثر تركيزًا.
ولفت المغني إلى أن ما حذفه من الكتابة كان مرتبطًا بتفاصيل عديدة حول دور الأم ومشاهد للقيود على المعابر، وهي أمور وصلت إلى المشاهد بطرق أخرى سواء من خلال التصوير أو عبر الحوار بين الأبطال.
لم يكن التصوير داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة سهلًا، حيث اضطر فريق العمل لبناء حاجز إسرائيلي بالكامل في إحدى المناطق الهادئة نسبيًا ليطابق الحاجز الحقيقي، نظرًا لاستحالة التصوير في الموقع الأصلي. وأكد المغني لـ فاصلة أن بناء الديكور الرئيسي للفيلم استغرق حوالي ثلاثة أسابيع للانتهاء منه تمامًا. يذكر أن تصوير الفيلم جرى قبل أحداث السابع من أكتوبر 2023.
ويؤكد المخرج الفلسطيني الشاب أن فريق العمل لم يكن يغادر موقع التصوير حتى الانتهاء من تصوير جميع المشاهد المرتبطة بالحاجز، بسبب صعوبة الوصول إلى المكان والخوف من حدوث أي طارئ يمنع استكمال التصوير في المواعيد المحددة. وأضاف أنهم تعرضوا للتهديد من بعض المستوطنين خلال تصوير أحد المشاهد، مما اضطرهم إلى تغيير زاوية التصوير لتجنب الاحتكاكات.
وأشار المغني إلى أن جزءًا من فريق العمل جاء من بولندا للتصوير، وأن تأمينهم كان مسألة يضعها في اعتباره باستمرار، لافتًا إلى أن المستوطنين الذين اعترضوا طريقهم خلال التصوير زادت حدة لغتهم عندما علموا بمشاركة بولنديين في صناعة الفيلم.
اختار المخرج الفلسطيني الفنان كامل الباشا لتقديم دور السائق، بينما أجرى تجارب أداء لاختيار ممثل دور الطالب، حتى استقر على سامر بشارات لتقديم دور “محمد” في الأحداث. وعبّر المغني عن سعادته بتواضع كامل الباشا كممثل وتعاونه الاحترافي، وموافقته على الاشتراك في فيلم هو الأول لمخرجه بعد تخرجه من الجامعة.
كان تمويل الفيلم صعبًا، لكن المغني يعتقد أن الطريقة التي كتب بها السيناريو كانت من الأسباب الرئيسية في سهولة الحصول على دعم لإنتاج الفيلم، مما سمح بخروجه للنور بشراكة بين جهات بولندية وفرنسية وفلسطينية.
ويقترب محمد المغني من الانتهاء من فيلمه الثاني “ابن الشوارع”، الذي يصوره في لبنان وينتمي إلى الأفلام الوثائقية. وتدور أحداثه حول طفل فلسطيني في مخيم بلبنان يحاول أهله استخراج بطاقة هوية له. وأشار إلى أنه سيعود قريبًا لاستكمال المتبقي من الفيلم أملًا في الانتهاء منه في أقرب وقت.
وقد حصل الفيلم على دعم من منصة “سيني جونة” خلال النسخة السابعة من مهرجان الجونة السينمائي، وهو دعم سيمكن المخرج من إنجاز مشروعه الجديد.
يبدي محمد المغني رغبته في تقديم فيلم روائي طويل عن غزة وما يحدث فيها، معتبرًا أن هذا المشروع لا يزال مجرد رغبة، ولم يبدأ بكتابة أي شيء عنه حتى الآن، نظرًا لصعوبة الأوضاع والمعاناة التي يدركها جيدًا، خاصة وأن شقيقته تقيم في غزة ولديه العديد من الأصدقاء والأقارب داخل القطاع.
اقرأ أيضا: «برتقالة من يافا»… ما يفسده الاحتلال تصلحه برتقالة