خلال حضور المخرج الإيراني محمد رسولوف في الدورة الحادية والعشرين من مهرجان مراكش السينمائي، لعرض فيلمه الأخير«بذرة التين المقدس» (2024) الذي تجاوب معه الجمهور وأستقبله بحماسة، وفي إطار مشاركته في فقرة «حوارات»، التقينا به في «فاصلة» وحاورناه حول فيلمه الأخير وأبرز ملامح سينماه.
فيلم سري
ردًا على سؤال «فاصلة» حول سبب إدراجه مشاهد حقيقية لمظاهرات النساء التي خرجت في إيران وطالبن فيها بالحرية، في فيلمه الأخير «بذرة التين المقدس»، قال «رسولوف»: «بدأت التفكير في كتابة هذا الفيلم بعد خروجي من السجن. أول ردِّ فعل يشعر به الإنسان فور خروجه هو محاولته فهم ما كان يجري في غيابه. وبما أن حركة «نساء من أجل الحرية» كانت قد برزت أثناء اعتقالي، أضحت الفيديوهات التي تُنشر على مواقع التواصل الاجتماعي هي الوسيلة الوحيدة التي يتاح لي من خلالها متابعة تلك الأحداث. عندما شاهدتها، صُدمت من شدة العنف الذي مارسه النظام ضد المُتظاهِرات، وأُعجبت في الوقت نفسه بشجاعة النسوة الشابات. كانت تلك الصدمة مصدر إلهام لي، ومنذ البداية كان واضحًا لي أنني سأصنع فيلمًا سريًا حول أسرة محتجزة داخل منزلها. فيلم يركز على الفضاءات الداخلية، مع ضرورة وجود مشاهد خارجية كموازٍ لما يحدث داخل هذا الفضاء. بالطبع، لم تكن لَدَيَّ الإمكانيات لإعادة بناء هذه المشاهد، وأدركت أنه حتى لو توفرت لي فلن أتمكن من إيصال فظاعة العنف الذي تعرضت له النساء، مهما كانت الإمكانيات المتاحة من ممثلين أو مجاميع. كانت قوة هذه الصور التاريخية أكبر بكثير مما يمكن أن تُعِيدَ السينما تصويره، إضافة إلى ذلك، أردت الإشارة إلى الدور الكبير الذي لعبته مواقع التواصل الاجتماعي في هذا السياق، حيث تمكّن الشباب من التعبير عن آراءهم حول العنف الذي تعرضوا له من خلال هذه الفيديوهات، وهو الدور الذي أردت تسليط الضوء عليه في فيلمي».
تأثير التضييق على المسار السينمائي
وعن تأثير التضييق والاعتقال في إيران على مسيرته السينمائية، رد محمد رسولوف «لم أكن لأكون نفس المخرج لو كنت أعيش في بلد آخر، لأن أفلامي كلها جاءت نتيجة لتجاربي الشخصية. لقد استلهمت تجاربي الشخصية في جميع أفلامي، وما كان لفيلمي «المخطوطات لا تحترق» (2013) أن يرى النور لولا تصادمي مع المخابرات ورجال الأمن في إيران. لو لم أكن قد مررت بالسجن، ولو لم أتواجه مع هؤلاء الأشخاص، لما كان لِفيلْمَيَّ الأخيرين أيضاً «الشيطان غير موجود» و«بذرة التين المقدس» أن يأتيا بالشكل الذي ظهرا عليه. ما عشته من مضايقات كان هو الوقود الذي دفعني لإنجاز أفلامي.»
وأضاف «رسولوف» في السياق نفسه: «عندما تعيش في ظل نظام شمولي، تصبح الأمور مختلفة. لا يمكنك أن تتجاهل هذا الواقع الذي تعيش فيه. لأن هذا النظام يتوقع منك أن تصبح شخصًا آخر، أن تتبنى خطابًا مغايرًا عن خطابك الشخصي. بالنسبة لي، كان الأمر يتعلق بأن أكون صادقًا مع نفسي. القصص التي أرويها في أفلامي تنبع من هذا الصدق، وهي تدور في فلك الصراع بين الفرد والنظام. هذا هو الجوهر الأساس للقصص التي أقدمها، وهي مستوحاة من البيئة التي أعيش فيها. عندما أسردها تَظْهَرُ أبعاد سياسية لا مفر منها، نتيجة لسياق الفضاء الاجتماعي الذي أصفه، لكن في الوقت نفسه، أُبرَز العلاقات الإنسانية والشرط الإنساني، وهما عنصران أساسيان في هذا السياق. الطريقة التي يتحدث بها الناس، والاختيارات التي يقومون بها في حياتهم اليومية، هي أمور تتعلق بالوجود الإنساني، وهي أمور كونية يمكن للجمهور من أي مكان في العالم أن يتعاطف معها.»
التحايل على الرقابة
حول مسألة تَعَدُّدِ الأصوات في السينما الإيرانية وكيفية التعامل مع إكراهات الرقابة، قال «رسولوف»: «كل سينمائي إيراني يجد طريقته الخاصة للتعامل مع الرقابة في بلده. لا توجد وصفة واحدة جاهزة، فكل واحد منا يصنع الأفلام التي تَسْكُنُهُ، إذ نُسْكَنُ بمشروع فيلم أو عمل إبداعي ولا يتركنا حتى ننجزه بالإمكانات المتاحة لنا. المهم هو أن تبقى أنت نفسك، أولاً كإنسان، وثانيًا كفنان، وأن لا تسمح للنظام الذي تعيش تحت وطأته أن يشكلك أو يحوّلك.»
مرآة للعلاقات الأُسَرية
ويضيف رسولوف متحدثًا عن فيلمه الأخير «بذرة التين المقدس»: «رغم أن فيلمي الأخير يحمل خلفية اجتماعية وسياسية، إلا أن موضوعه يدور حول علاقة أفراد أسرة واحدة، وكيف يمكن للأسرة أن تنفجر من داخلها بسبب الضغوط التي تتعرض لها من محيطها الاجتماعي والسياسي».
وبخصوص الحوار في هذا الفيلم ودوره في دفع الدراما إلى الأمام والتعبيرعن تكوين الشخصيات، أشار «رسولوف»: «في «بذرة التين المقدس» الوضعية هي التي تخلق وتنتج هذه النوعية من الحوارات الحادة بين أفراد الأسرة. في جهة هناك جيل الأبناء، خصوصًا البنات الشابات، مع طموحاتهن ورغباتهن، وردود أفعالهن على ما يجري من حولهن، وفي الجهة الأخرى، هناك الأبوان، اللذان يمثلان السلطة والسيطرة، وعلى أساسهما تتشكل ردود أفعالهما على مطالب الفتيات كما نراها في الفيلم. هذه الوضعية هي التي تُشكل المادة الأساسية للفيلم وتنتج تلك النوعية من النقاشات الحادة. هذه الحوارات استوحيتها بعد خروجي من السجن، حيث كنتُ متأثرًا بشجاعة هذا الجيل الشاب الذي فاجأنا بمواقفه. ذهبت إلى الشابات اللواتي نزلن إلى الشوارع، وتناقشت معهن طويلاً لفهم طموحاتهن وتطلعاتهن. كنت جِدَّ متأثر بطريقة كلامهن والشكل الذي يُعبِّرن به، وقد استلهمت هذا في فيلمي.»
اقرأ أيضا: «بذرة التين المقدس».. رسولوف سائرًا على الخط الرفيع بين الفن والسياسة