يقع «قيمة عاطفية Sentimental Value» هناك في مكان ما بين الدراما العائلية التقليدية، وبين قصة أكثر تعقيداً وتفصيلاً عن الآباء والابناء والصدمات العاطفية التي تنتقل من جيل إلى جيل.
الفيلم الذي يُعد واحدًا من أجمل أفلام المسابقة الرسمية والمرشح بقوة لنيل السعفة الذهبية لـ كان 78، يستخدم ثيمة ارتباط منزل واحد وأجيال عديدة من العائلة عبر التاريخ ومن خلال السينما. «قيمة عاطفية» هو بلا شك الفيلم الأنضج للنيرويجي يواكيم ترير، مخرج فيلم «اسوأ شخص في العالمThe Worst person in the world».
نرى في الفيلم الممثلة نورا (ريناتي رينسف) وشقيقتها المؤرخة أغنيس (إنجا بسدوتر ليلياس) تنعيان والدتهما الحبيبة. وفي العزاء يظهر والدهما المخرج السينمائي غوستاف (ستيلان سكارسغارد)، فجأة، بعد فترة من الانفصال. في اليوم التالي يقدم غوستاف لنورا سيناريو فيلم من نوع السيرة الذاتية يركز على حياة والدته، جدة نورا، وانتحارها المبكر، ويريد منها أن تلعب دور البطولة. ترفض الابنة العرض، مما يدفعه لاختيار نجمة هوليوودية (إيلي فانينغ) بشكل غير متوقع. وتجد نورا نفسها في تلك اللحظة التي يتعين عليها فيها أن تُقرر إلى أي مدى يجب أن تُحافظ على غضبها من والدها، أو إن كان هناك مجال للمصالحة، في تلك اللحظة التي تتشابه فيها السينما والحياة. يبدأ التحضير للفيلم في بيت العائلة الكبير، لتبدأ معها قصة هذه العائلة التي تواجه صعوبات في التواصل، سواء في الحياة أو في الفنّ.

في مشاهد قصيرة، يروي ترير قصة عن أجيال مختلفة عاشت في البيت النيرويجي الكبير نفسه، في فيلم مدمّر ومضحك عن العائلة وصناعة الأفلام وعبث التمسك بالألم في مواجهة الخسارة الفادحة. لا يروي ترير قصة العائلة كما هي في الوقت الحاضر فحسب، بل يستخدم المنزل الذي عاشوا فيه كوسيلة للنظر إلى جميع الطرق التي واجهت فيها هذه العائلة المعناة الشديدة بالحبّ.
المنزل كائن حي، وسيلة لمشاركة الأسرار والأفراح والأحزان، وأكثر من ذلك بكثير. يلتقط ترير الكثير بينما لا يقول سوى القليل، إنه أول فيلم للمخرج يُقدم صورة شاملة لعائلة بدلاً من التركيز بشكل فردي على تجربة شخص واحد. هناك تاريخ هنا يمكنك الشعور به عميقًا في عظامك.
الفيلم مليء بالسراب والمحاكاة، نهج ملهم وصادق للغاية للطريقة التي يميل بها البشر لبناء واقع من الأوهام والرغبات، وكيف تُصنع الذاكرة عبر الانتقاء المختلط بمجموعة من القصص الخيالية.

في «قيمة عاطفية» الأفكار والعواطف تتحرك بطلاقة، ونشهد صدى للحياة التي تتعايش فيها الدراما والكوميديا بشكل متناغم.
هذا فيلم عن العائلة وسحر السينما في الوقت نفسه. فيلم عن الشخصيات التي يؤديها الممثلون، وتأثيرها عليهم. فإن كان الممثلون لا يستطيعون قول الحقيقة، لأنها قريبة جدا من الخيال ولا يمكن تمييزها عن الواقع، وإذا كانت الكتابة لا تريد قولها أيضًا. وإن كان المخرج مهتما بالتعاطف فقط مع شخصياته؛ فهنا ليس لدينا سوى السينما، هي التي تخبرنا الحقيقة حتى عندما ينكرها جميع الفاعلين فيها.
اقرأ أيضا: «الحياة بعد سهام».. أمي وأبي وأنا