فاصلة

مقالات

قراءة تحليلية لأداء شباك التذاكر السعودي لعام 2024

Reading Time: 5 minutes

أصدرت هيئة الأفلام تقريرها السنوي عن أداء شباك التذاكر السعودي، والذي أظهر تراجع أرباح القطاع السينمائي في المملكة عام 2024، بالمقارنة بالعام السابق عليه، حيث سجل القطاع إيرادات كلية وصلت إلى 845.6 مليون ريال سعودي، مقابل بيع 17.5 مليون تذكرة مقابل 17.7 مليون تذكرة في 2023. أي أن المبيعات تراجعت بنسبة 1% تقريبًا. 

تراجع الأداء في 2024

ربما تبدو نسبة التراجع طفيفة، إذ أن الفارق في المبيعات لا يتخطى 200 ألف تذكرة مباعة، لكن هناك ظواهر إيجابية شهدها عام 2024، واستن بها قطاع السينما سنن حسنة في إنعاش السوق السعودي. 

فقد شهد عام 2024 مبادرة لخفض أسعار التذاكر أسهمت في تنشيط المبيعات وزيادة الإقبال على دور العرض، خصوصًا خارج المواسم المعروفة بالتزاحم على السينمات كمواسم الإجازات والأعياد. وكان لهيئة السينما دور كبير في تلك المبادرة إذ بادرت من جانبها لخفض رسوم تكلفة تشغيل دور العرض بنسب وصلت إلى 96% في بعض المناطق، وهو ما شكّل دعمًا مباشرًا للمشغلين، خصوصًا في المدن الأقل حظًا من حيث البنية التحتية. ما انعكس إيجابًا على أسعار التذاكر، وبالتالي، تنشيط الإقبال الجماهيري على دور العرض الآخذة في الانتشار بفضل تراجع تكلفة التشغيل. 

ولا بد أن نلفت إلى أنه على الرغم من انخفاض عدد التذاكر المباعة في 2024، إلا انه يظل أفضل كثيرًا من أعوام سابقة أخرى، اقربها عام 2022 الذي لم يزد فيه عدد التذاكر المباعة عن 14.8 مليون تذكرة. وكان 2022 بدوره أفضل من الأعوام السابقة عليه. 

قراءة تحليلية لأداء شباك التذاكر السعودي لعام 2024

وأتت مبادرة التحفيز الحكومية التي خفضت من أسعار التذاكر لتشكل استجابة لمشكلة شكى منها الجمهور السعودي. ففي يونيو 2022، كانت أسعار التذاكر في قطاع السينما بالسعودية تُعد من الأعلى عربيًا، بمتوسط يقارب 60 ريالًا. إلا أن الشركات المشغلة، وعددها سبع، استجابت للضغوط لتتراجع الأسعر إلى متوسط يتراوح بين 50 و55 ريالًا خلال عام 2024. 

كما حفزت حزمة الخصومات والعروض الموسمية -خصوصًا في مواسم الأعياد- إطلاق أسابيع نشطة وصلت فيها مبيعات التذاكر إلى مليون تذكرة أسبوعيًا، مما أسهم في إنعاش السوق المحلي ورفع معدل حضور الأفلام بشكل عام.

 وبرغم التراجع الظاهري للأرقام السابق ذكرها يظل الأداء العام متوازنًا ويعكس اتجاهات واضحة تستحق التوقف عندها:

أولًا: يوليو وأغسطس الأعلى إيرادًا

توزعت الإيرادات في 2024 على 504 فيلمًا، عُرضت خلال العام، وهو ما يمثل أعلى رقم على مدار 4 سنوات. وبلغ متوسط سعر التذكرة لتلك الأفلام 48.2 ريال سعودي، وتتفاوت أسعار التذاكر حسب دار العرض والفيلم وتجربة العرض.

وتصدر شهرا يوليو وأغسطس قائمة الأشهُر الأعلى دخلًا، في حين انخفضت الإيرادات بشكل ملحوظ خلال شهر رمضان، الأمر الذي يُعزى إلى طبيعة الشهر الكريم وطقوسه الاجتماعية والدينية، بالإضافة إلى ميل الجمهور خلاله إلى متابعة المسلسلات التلفزيونية بدلًا من ارتياد صالات السينما. حيث يُنعش الشهر الكريم صناعة الدراما على حساب الأفلام في الوطن العربي بشكل عام.

قراءة تحليلية لأداء شباك التذاكر السعودي لعام 2024

ثانيًا: الأفلام السعودية تنافس مع الأمريكية والمصرية

رغم عرض 18 فيلمًا سعوديًا فقط خلال 2024، إلا أنها حققت مبيعات تذاكر بلغت 56.8 مليون ريال، من خلال بيع 1.4 مليون تذكرة.

 وبرزت أفلام مثل «مندوب الليل» و«شباب البومب» ضمن قائمة الأكثر مبيعًا – مندوب الليل الخامس في قائمة الأعلى مبيعًا وشباب البومب السادس- ما يعكس تطورًا ملحوظًا في مستوى الإنتاج المحلي وقدرته على المنافسة. وإن كانت الحصة السوقية المحلية لا تزال متواضعة مقارنة بنظيرتيها الأمريكية والمصرية.

ولا يمكن هنا إغفال دور فيلم «شباب البومب» في تقديم محتوى عربي ملائم للفئة العمرية من 12 عامًا فما فوق، وهي فئة نادرًا ما تستهدفها الأفلام العربية تجاريًا. وقد استحوذ الفيلم على أكثر من 40% من إيرادات هذه الفئة التصنيفية، ما يؤكد نجاحه في ملء فجوة في السوق السينمائية من خلال طرح محتوى مناسب ومرح يجمع بين الترفيه والقيم الاجتماعية.

قراءة تحليلية لأداء شباك التذاكر السعودي لعام 2024

نظرة على الأفلام السعودية في 2024

جاء فيلم «مندوب الليل» في صدارة الأفلام السعودية من حيث الإيرادات، محققًا أكثر من 28.6 مليون ريال خلال 18 أسبوعًا، بمبيعات بلغت 620 ألف تذكرة. 

فيما جاء «شباب البومب» في المرتبة الثانية محليًا بإيرادات بلغت 26.6 مليون ريال خلال 23 أسبوعًا، بعدد تذاكر تجاوز 632 ألف. ومن بين الأفلام الأخرى اللافتة «أحلام العصر» الذي حقق مبيعات وصلت 3.8 مليون ريال، و«نورة» بمبيعات 1.9 مليون ريال، ومثله «تشيللو» الذي حقق رقم المبيعات نفسه.

وتفاوت أداء أفلام أخرى مثل «أنا الاتحاد» و«فيلا 54»، اللذان لم يحققا ارقامًا كبيرة، لكنهما لم يحققا خسائر أيضًا، بل استطاعا اجتذاب الجمهور وتحقيقات مبيعات وإن تفاوتت إلا أنها تعكس اهتمامًا متزايدًا من الجمهور السعودي بالمحتوى المحلي بمختلف أشكاله.

قراءة تحليلية لأداء شباك التذاكر السعودي لعام 2024

التوزيع الجغرافي للإيرادات

استحوذت مدينة الرياض على الحصة الأكبر من إيرادات شباك التذاكر، إذ بيع فيها ما بلغت حصيلته 391.1 مليون ريال. وتليها مكة المكرمة التي حققت السينمات فيها إيرادات وصلت 224.5 مليون ريال. أما المنطقة الشرقية التي أتت في المركز الثالث، فوصلت المبيعات فيها إلى ما قيمته 128.1 مليون ريال. في المقابل، جاءت مناطق مثل حائل وتبوك وجازان في ذيل القائمة، مما يشير إلى تفاوت واضح في تغطية الخدمات السينمائية والبنية التحتية بين المدن.

قراءة تحليلية لأداء شباك التذاكر السعودي لعام 2024

أنواع الأفلام وتفضيلات الجمهور

أظهرت بيانات تقرير هيئة الأفلام عن وضع الإنتاج والعرض السينمائي في 2024، أن أفلام الأكشن كانت الأكثر جذبًا للجمهور، مسجلة 39.5% من إجمالي الإيرادات.

وحصد فيلم “فتيان أشقياء” في جزئه الثالث الصادر تحت اسم Bad Boys Ride or Die، نصيب الأسد من تلك الإيرادات بمبيعات عادلت 26% من مداخيل أفلام الأكشن فيما تقاسم 114 فيلمًا آخر نسبة الـ 84% الباقية من إيرادات الأكشن.

 أتت الأفلام الكوميدية في المركز الثاني بمبيعات بلغت نسبة 22.5% من حصيلة شباك التذاكر السعودي في 2024، ثم الرسوم المتحركة بنسبة 13.7%، وربع إيرادات الرسوم المتحركة جاءت من فيلم واحد فقط هو Inside out في جزئه الثاني، بينما حصل 75 فيلمًا آخر من هذه الفئة على 75% من الإيرادات

ويعكس هذا التوزيع ميل الجمهور المحلي نحو الأنواع الترفيهية ذات الإيقاع السريع، ما يمكن أن يشكل مؤشرًا للمستثمرين والمنتجين في اختيار نوعية المشاريع المستقبلية.

قراءة تحليلية لأداء شباك التذاكر السعودي لعام 2024

أداء الأفلام جماهيريًا حسب التصنيف العمري

جاءت الأفلام المصنفة R18 (للكبار فقط) في مقدمة التصنيفات من حيث الإيرادات، بنسبة بلغت 37%، تليها R15 بنسبة 26%. ويُظهر هذا أن الفئة العمرية الأكبر تمثل الشريحة الأوسع من مرتادي السينما في السعودية، والأفلام العائلية هي أكبر الخاسرين في السوق السعودي، فالأفلام المطروحة وهي 19 فيلمًا في هذه الفئة تجاوزت 3.7% من إجمالي الأفلام المطروحة، بينما لم تتجاوز إيراداتها 1% من إجمالي الإيرادات.

أداء الأفلام حسب بلد الإنتاج

هيمنت الأفلام الأمريكية على السوق بنسبة 58.5% من إجمالي الإيرادات، تليها المصرية بنسبة25.1 %، ما يعادل مئتين وأحد عشر مليونًا وأربعمئة ألف ريال سعودي، (نحو مليارين وثمانمائة واثنين وستين مليون جنيه مصري).

 ومن اللافت أن عدد الأفلام المصرية المطروحة (45 فيلمًا) تمثل ربع عدد الأفلام الأمريكية المطروحة (118 فيلمًا) بما يقدر بـ(9%) من إجمالي الأفلام المطروحة، ولكنها استحوذت على (25%) من إجمالي الإيرادات، مقارنة بـ (58%) للأفلام الأمريكية.

 فيما جاءت الأفلام السعودية في المرتبة الثالثة بنسبة (7.8%). ويعكس هذا التوزيع استمرار الاعتماد على الإنتاجات العالمية، في وقت تسعى فيه المملكة إلى ترسيخ صناعة سينمائية محلية مستدامة.

قراءة تحليلية لأداء شباك التذاكر السعودي لعام 2024

التحديات والفرص

رغم النمو المتواصل في الإيرادات وعدد التذاكر المباعة، لا تزال هناك فجوة في التنوع الجغرافي وتوزيع دور العرض فوق الأراضي السعودية، بالإضافة إلى الحاجة لزيادة الإنتاج المحلي من حيث الكم والنوع. كما يشكل شهر رمضان تحديًا موسميًا أمام صالات السينما، ما قد يتطلب استراتيجيات تسويقية بديلة خلال هذه الفترة.

في المقابل، يشير حضور بعض الأفلام السعودية في قائمة الأعلى دخلًا إلى وجود جمهور داعم ومستعد للتفاعل مع المحتوى المحلي متى توفرت الجودة والمعالجة الجاذبة. كما يشير تنوع الأنواع السينمائية المفضلة إلى اتساع ذائقة الجمهور وإمكانية التجريب والابتكار.

ختامًا، يؤكد تقرير هيئة الأفلام عن وضع صناعة السينما السعودية في 2024، أن السينما السعودية تواصل مسيرتها نحو النضج، وسط منافسة قوية من الإنتاجات الأجنبية وتفاوت في الأداء بين المناطق. وبينما يظل التحدي قائمًا في ترسيخ مكانة السينما المحلية، فإن المؤشرات العامة تدل على سوق واعدة بحاجة إلى استثمار استراتيجي ومتنوع يستجيب لتطلعات الجمهور السعودي المتغير.

اقرأ أيضا: السينما السعودية: قراءة في تقرير هيئة الأفلام 2024 والتحولات الثقافية

شارك هذا المنشور

أضف تعليق