بعيداً عن عن ردود الفعل حول فيلمه الجديد «العيد عيدين» الذي استقبلته دور العرض الخليجية مؤخراً، ينهمك الممثل السعودي فهد البتيري بالتحضير لأحدث أفلامه السينمائية «سيف البطل» الذي يُعد أضخم إنتاج سينمائي سعودي مع المخرج محمد الملا، وهو الفيلم الذي رصدت له ميزانية تقدر بنحو 40 مليون دولار وتدور أحداثه في إطار من الفانتازيا التاريخية.
في حوار مع فاصلة، يتحدث البتيري عن عودته للسينما مع «العيد عيدين» ورؤيته لصناعة السينما السعودية وشباك التذاكر بجانب التطرق لمعايير اختيار أدواره وتحضيرات فيلمه القادم الذي يراهن عليه ليكون نقطة تحول بمسيرته الفنية، أمور متعددة في الحوار التالي …
*عدت للسينما بعد تجربة «الخلاط» لكن هذه المرة عودة من خلال فيلم خليجي وهو «العيد عيدين»، فما الذي جذبك لخوض تجربة البطولة في هذه التجربة والعودة سينمائياً من خلالها؟
– الفيلم ليس بطولتي بمفردي ولكن أشارك فيه مع ثلاثة من الأطفال الرائعين، وهم أبطال في الفيلم من بدايته لنهايته، وتجربة الفيلم إضافة كبيرة بالنسبة لي على المستوى الفني، جعلتني أقدم دور الأب على الشاشة وهو أمر كنت أتمنى تقديمه منذ فترة طويلة، وتجربة التعامل مع الأطفال خلال التصوير من التجارب المهمة والمؤثرة بالنسبة لي، فالفيلم تجربة عائلية تمزج الكوميديا بالدراما الاجتماعية، وهي تيمة من قليلة الوجود، بجانب كون الفيلم تجربة تعاون خليجية في السينما بين السعودية والإمارات من الأمور التي لم تجعلني أتردد بعد قراءة السيناريو الذي أعجبت بأحداثه وطريقة تناوله للأحداث، لأسباب عدة منها التعمق في الشخصيات والجوانب المختلفة التي يجري تناولها مع الحفاظ على الجانب الكوميدي في الأحداث، فالكوميديا لا تعني تقديم فيلم بشكل سطحي وبحبكة درامية ضعيفة.
*تتحدث عن الفيلم بحماس ودورك فيه بحماس شديد، وهو ما يدفعني لسؤالك عن معايير اختيارك للأدوار التي تقدمها؟
– أبحث دوماً في اختياراتي الفنية عن الأدوار التي أشعر فيها بوجود تحدي لي كممثل، وأنها ستساعدني في تطوير مهاراتي وأدواتي وليس مجرد دور أقدمه من دون أن يضيف لي، فمثلاً تجربتي في «الخلاط» كانت مختلفة عن الأدوار التي شاهدني فيها الجمهور لاعتماد الدور على تعبيرات الوجه والتفاعل اللحظي مع الأحداث، لذا تحمست لتقديمه، وبرأيي أن كل تحدي موجود في أي عمل أقدمه بمثابة فرصة تفتح لي أبواب في المستقبل، مع رغبتي في تقديم الأدوار بشكل غير نمطي.
وهنا أذكر أيضاً تجربتي في دور أبو وائل بمسلسل «ثانوية»، فهو من الأدوار التي وجدتها فرصة لي كممثل مع تجسيد دور عميق وغامض الأمر الذي اعتبرته تحدي بعيد عن الكوميديا وعن الأدوار التي شاهدني فيها الجمهور، فشخصية طلال كانت تحدي وردود الفعل عليها أسعدتني.
*نعود إلى السينما وأود هنا التطرق معك للسوق السعودي وما يشهده من تغيرات في السنوات الأخيرة؟
– السوق السينمائي السعودي هو سوق شاب بالدرجة الأولى نتيجة إقبال الشباب على السينما بشكل أكبر، ويبدو توجهه الرئيسي نحو الشباب في العشرينات والثلاثينات، وهي فئة لديها القوة الشرائية الأكبر في شباك التذاكر، فالفئات العمرية الأكبر سناً والأطفال أقل إقبالاً على السينما، باستثناء بعض الأعمال مثل «شباب البومب» الذي نجح بفضل كونه «براند» ثابت بجمهور كبير على مدار 12 موسم، والذي نقل قاعدته للسينما مع طلب الأطفال مشاهدته في السينما، الأمر الذي لم يقتصر على السينما السعودية فقط ولكن امتد أيضاً للسينما الخليجية.
معظم الأعمال التي تحقق أرقام جيدة في شباك التذاكر هي الأعمال التي تقدم تجربة سينمائية مميزة، وليس فقط تلك التي تقدم تسلية خفيفة، على سبيل المثال، أفلام مثل «دون» و«أوبنهايمر» و«الجوكر» تقدم تجربة بصرية غنية، وهذا ما يجعل الجمهور يتوجه لها، وأعتقد أن هذا الأمر سيستمر، فالجمهور يبحث عن متعة بصرية وأكشن مثير، والتحدي بالنسبة للفيلم السعودي هو تقديم مثل هذه التجارب السينمائية الغنية والمميزة التي تجذب الجمهور وتحقق نجاحًا في شباك التذاكر.
*حماس وترقب كبير تجاه فيلم «سيف البطل» الذي يُعد أضخم إنتاج سينمائي عربي وسعودي؟
– أشعر بحماس كبير لهذا الفيلم، فعلى الرغم من أن الإعلان عنه جرى قبل أسابيع فقط، إلا أن تجهيزاته وتحضيراته الفعلية بدأت منذ فترة طويلة، وهو أمر ارتبط بقيامي بتمارين وتدريبات رياضية من أجل تقديم الفيلم بالصورة المناسبة ولكي أكون جاهزاً على المستوى الجسدي لتقديم مشاهده المختلفة، لاسيما وأنها تشكل أمراً محورياً في الأحداث، لذا ستلاحظ نشري العديد من مقاطع الفيديو أثناء التمارين التي هي بالأساس جزء من تحضيرات العمل، بجانب مشاركتي بشكل فعال مع فريق تطوير كتابة الفيلم من البداية لكي أكون مطلعاً على مختلف التفاصيل.
الفيلم أتعاون فيه مع المخرج محمد الملا الذي حصد في مسيرته العديد من الجوائز رغم قصر مدة نشاطه السينمائي، وهو شخص لديه القدرة على إبراز ثقافة الجزيرة العربية بشكل خاص والعالم العربي بشكل عام وهي الفكرة التي تقوم عليها فكرة الفيلم، وكان لدي رغبة في العمل معه مع إعجابي بكثير من الأعمال التي قدمها ومنها على سبيل المثال لا الحصر إعلان «موسم الرياض» وإعلان «شهداء الوطن» الذي تأثرت كثيراً به وببساطته وعمق فكرته التي خاطبت العواطف، وأعتقد أن الفيلم سيكون فرصته لإثبات نفسه بشكل أكبر كمخرج ليس فقط على مستوى السعودية ولكن على مستوى العالم العربي.
*كيف ترى صندوق «بيج تايم» والمبادرات التي يقوم بها المستشار تركي آل الشيخ رئيس هيئة الترفيه من أجل دعم الأفلام السعودية، واستهداف إنتاج أفلام تجارية للسوق السعودي تنافس الأفلام الأجنبية والمصرية؟
– الإنتاج السينمائي في المملكة، مثل أي مجال آخر، يعتمد على العوائد، إذا كنت أصنع منتجًا، سواء كان أطعمة خفيفة أو بلاستيك أو مواد بناء، فلا قيمة له إذا لم يستمتع به إلا أنا ومن حولي. لذا، التركيز يجب أن يكون على التوجه الجماهيري أكثر من الفني وأفلام المهرجانات، والهدف هو صنع محتوى يستمتع به الجمهور ويقبل عليه، فعندما يقبل الجمهور على فيلم معين، سيدفع ثمن التذكرة، وهذا ينعكس إيجابيًا على أرقام شباك التذاكر وإيرادات الفيلم، وبالتالي على أرباح المنتج، وعندما يرى المنتجون الآخرون هذه الأرباح، سيتشجعون للاستثمار في الأعمال السينمائية، مما يفتح المجال لإنتاج أفلام أخرى.
بعض هذه الأفلام قد ينجح وبعضها قد لا ينجح، لكن بمجرد أن يبدأ المنتجون في معرفة الأنواع التي تنجح، سيركزون عليها أكثر، وهذا يزيد من جاذبية السوق ويجذب المزيد من الأشخاص للاستثمار في الإنتاج السينمائي، فزيادة عدد الأفلام المنتجة تؤدي إلى توسيع السوق السينمائي، وتوفير فرص عمل جديدة، مما يدعم الاقتصاد المحلي، فالسينما صناعة وهناك الكثير ممن يبحثون عن فرصة للعمل والاستفادة من هذه الصناعة.
*بمناسبة الحديث عن السينما السعودية، كممثل وكاتب كيف ترى تقديم بعض الأعمال لفئات عمرية أعلى ووضع تصنيف عمري عليها +16 و+18 كما شاهدنا في أكثر من عمل سعودي على غرار «مندوب الليل» و«أحلام العصر» وغيرها من الأفلام ؟
– تأتي الجرأة من صناع الأفلام السعودية رغبة في اختبار حدود جديدة وتقديم تجارب مختلفة، فصناع الأفلام التي ذكرتها وغيرها حاولوا التعبير عن أفكارهم بجرأة أكبر، وهي أعمال اختبرت رد فعل الجمهور، فرغم طبيعة المجتمع السعودي المحافظ إلا أن هناك حاجة لتجربة واستكشاف موضوعات جديدة، فالأفلام التي تحمل طابع الجرأة تجذب الانتباه، ولكن هناك حد معين يجب عدم تجاوزه حتى لا ينفر منها الجمهور، ونجاح أفلام مثل «الهامور» يؤكد أن بالإمكان تحقيق توازن بين الجرأة وكسب الجمهور، أيضاً نجاح فيلم «ناقة» على نتفليكس، ورغم الجدل حوله يثبت أن الاستفزاز يمكن أن يجذب الانتباه ويحقق مشاهدات كبيرة.
* محاولة استفزاز الجمهور تجاه العمل السينمائي مسألة إيجابية؟
– أعتبر محاولة الاستفزاز الذوقية وليست الأخلاقية مهمة وصحية في هذه الفترة، لأن السينما السعودية تمر بمرحلة تشكيل الذوق السينمائي العام، والتحدي الأكبر من وجهة نظري مرتبط بتقديم محتوى جريء يحافظ على احترام ذوق الجمهور والقيم المجتمعية، فالأفلام السعودية الجمهور يتعامل معها بعقلية مختلفة ويتوقع منها أشياء مختلفة، وهي معاملة تختلف عن الأفلام المصرية والأفلام الأجنبية التي تعرض بالصالات، لذا برأيي أننا في مرحلة تشكيل الذوق والجمهور يختار ما يناسبه ويعبر عن توجهاته، فإذا كنا جميعاً كصناع سينما سنقدم نفس المضمون كيف سنعلم اتجاهات الجمهور؟.
*تنوع كبير في الأفلام السعودية مابين الذهاب لصالات السينما أو المنصات ؟
– أنماط الاستهلاك في السينما تختلف عن المنصات، في بعض الأحيان، الأفلام التي قد لا تنجح في شباك التذاكر تجد حياة جديدة ونجاحًا كبيرًا على المنصات الرقمية، فالجمهور يتعامل مع المحتوى على المنصات بشكل مختلف بسبب اختلاف أنماط المشاهدة، حيث يفضلون مشاهدة الأفلام في وقتهم الخاص وضمن بيئتهم المريحة، هذا النمط يعود جذوره إلى أيام مشاهدة الأفلام الأجنبية بعرضها الأول على شاشات التليفزيون.
*هل تقصد أن هناك أفلام لا يفكر الجمهور في مشاهدتها بدور العرض وينتظر عرضها على المنصات؟
– أتذكر عندما كنا في «الخبر» في زمن مضى ونذهب لمشاهدة الأفلام في البحرين، وكانت هناك أفلام معينة ننتظر عرضها على شاشات التليفزيون، ولا نفكر في مشاهدتها بالسينما على العكس من أفلام أخرى على غرار «The Dark Knight» الذي اعتبرناه تجربة تستحق الرحلة للسينما لمشاهدته من دون أن نقرأ أي معلومات عنه أو نشاهد التريلر الدعائي الخاص به، لذا أضع هذه التجربة في ذاكرتي وأعتبرها بمثابة إبراز لكيفية تأثير بعض الأفلام في الذوق الفني على مر السنين.
أمر آخر مرتبط بالسينما التي يبحث الجمهور فيها عن تجربة بصرية وصوتية مميزة مما يعزز من فرص نجاح بعض الأفلام بتقنية صوتية ثلاثية الأبعاد على شاشات IMAX، وهو أمر يفسر نجاح تجارب بعض أفلام الأكشن مثل «Bad Boys»، فالتحدي الحقيقي يكمن في تقديم تجارب سينمائية متميزة تجذب الجمهور إلى السينما بينما تكون تلبية تفضيلاتهم على المنصات الرقمية.
*بحكم متابعتك للصناعة في الفترة الأخيرة، من لفت نظرك من المخرجين أو الممثلين في الفترة الأخيرة؟
– لدينا مخرجون يقدمون أفلاماً قصيرة وإعلانات مميزة وتقول بأن لديهم إمكانيات واعدة في المستقبل، ولفت نظري المخرج الشاب عبد الرحمن الجندل الذي قدم أحدث أفلامه «شارع 105» بشكل مختلف في طريقة الأكشن، وقدم بعده تجربة مميزة في «ثانوية النسيم». أيضاً المخرج مشاري المزيد أتوقع له النجاح الكبير حيث يعمل الآن على مسلسل مختلف أتوقع أن يكون تجربة مهمة بالنسبة له كمخرج. وبشكل عام أعتقد أننا بحاجة إلى مزيد من المخرجين والممثلين في السوق لأن العدد الموجود اليوم غير كافٍ ولا يعكس التنوع المطلوب وجوده في صناعة الفن.
*عرفك الجمهور من خلال عروض «ستاند أب» كوميدي واليوتيوب ، واليوم تنخرط بشكل أكبر في الكتابة والتمثيل، هل يمكن أن تدخل تجربة الإخراج قريباً؟
– استفدت من انخراطي في الكتابة كممثل، لكونها وسعت من مداركي فيما يتعلق بفهم الشخصيات بشكل أعمق عن قراءتها كممثل وأبعادها على مختلف الجوانب مع وإدراك البناء الدرامي للأعمال الفنية، وهو الأمر الذي ساعدني كثيراً حتى في فهم ما يريده المؤلف من الدور وبما زاد من ثقتي كممثل عند النقاش مع صناع الأعمال التي أشارك فيها.
أما تجربة الإخراج، فرغم أن هناك بعض الأصدقاء والمعنيين بالصناعة يرون أن لدي إمكانيات للدخول فيها إلا أن قناعتي الشخصية حالياً أن الوقت لا يزال مبكراً على خوض هذه الخطوة، فليس لدي الخبرة الكافية لخوضها بجانب الكتابة والتأليف، بجانب قناعتي بعدم الحماس لفكرة أن يقوم نفس الشخص بأدوار عدة في نفس العمل كممثل ومؤلف ومخرج ربما يكون التمثيل وحده غير كاف أحياناً.
اقرأ أيضا: أسماء المدير: الوثائقي لا يعني أن أُجلِس شخصيات أفلامي على الكراسي لأطرح عليهم الأسئلة!