فاصلة

حوارات

عبد الرحمن سيساكو: «شاي أسود» حكاية عن الحب والتعايُش ورفض العنصرية

Reading Time: 5 minutes

رحل الموريتاني الفرنسي عبد الرحمن سيساكو عن القارة الأفريقية، لكنه لم يتركها خلفه، يحملها على عاتقه ويحمل هموم ناسها في كل مكان، ويحاول من خلال أفلامه الكشف عن حكايات معاصرة عن أبنائها، سواء من لازالوا يعيشون على ارضها أو المهاجرين مثله إلى دول أخرى بأنحاء العالم. 

فاصلة التقت سيساكو على هامش مهرجان برلين السينمائي الدولي حيث أخذنا معه في فيلمه الجديد “شاي أسود” إلى أقصى الشرق، إلى مدينة غوانزو في جنوب الصين، والمعروفة أيضًا بمدينة الشوكولاتة، نسبة للمجتمع الكبير الذي يعيش فيها وتعود أصول سكانه إلى دول قارة أفريقيا.   

يعود سيساكو بهذا الفيلم الذي نافس على الدب الذهبي في مسابقة الدورة الـ 74 لمهرجان برلين السينمائي الدولي، بعد غياب دام 10 سنوات منذ أن قدم فيلمه الشهير “تمبكتو” الذي حقق نجاحًا كبيرًا في 2014، والذي حظي بعرضه العالمي الأول – وقتها- في مسابقة مهرجان كان السينمائي، وترشح لجائزة الأوسكار أفضل فيلم أجنبي، وفاز عنه سيساكو بجائزة سيزار الفرنسية لأفضل إخراج عام 2015.

تمبكتو

وجه آخر 

يتتبع الفيلم رحلة امرأة شابة من كوت ديفوار تدعى آية (نينا ميلو)، تتحدى الأعراف وترحل بفستان الزفاف بعد أن رفضت الزواج من رجل خائن، وننتقل معها الى مدينة غوانزو في حي للمهاجرين الأفارقة، حيث تتعلم ثقافة وتقاليد الشاي على يد صاحب المتجر الصيني كاي (تشانغ هان)، وتنشأ بينهما قصة حب غير مألوفة تجمع بين عالمين مختلفين، وتحتاج لمجتمع مثالي لاحتضانها.

يقول سيساكو في حواره مع فاصلة إنه يفكر في هذا الفيلم منذ أكثر من 15 عامًا، وأراد أن يقدم فيه وجهًا أخر لأفريقيا لا يراه الناس عادة، ولا تحده جغرافيا المكان. مشيرًا أن “النظرة الأوروبية السائدة لأفريقيا هي [أنها قارة من] البلدان الفقيرة التي يهجرها ناسها لأسباب اقتصادية فقط، ولكن هذه ليست الحقيقة الوحيدة، هناك أسباب أخرى”.

مؤكدًا أنه “كان من المهم بالنسبة لي تحدي النظرة الأوروبية التي لا ترى إلا كل ما هو أوروبي فقط، وتتجاهل الدول الأخرى. لذا وجب التأكيد على أن هذه الدول الأخرى وناسها هم جزء من العالم الذي نعيش فيه، وجزء من المستقبل. وهذا الفيلم يجمع بين عملاقين هما الصين وقارة أفريقيا، ويكشف عن مجتمع مختلف ومتنوع”.

يوتوبيا 

 في فيلمه الأحدث تقوم البطلة آية بالمبادرة، وتلعب دور البطلة الفاعلة التي تتخذ القرار وإن تحدت المجتمع المحيط بها مرارًا، وهو ما يعلق عليه سيساكو في حديثه مع فاصلة قائلًا: “قوة النساء من الركائز الأساسية التي اهتممت بتقديمها في الفيلم، ولا أعني بذلك النساء الأفريقيات فقط؛ وإنما قوة النساء بشكل عام، وسعيهن نحو الحرية وخوض التجارب”. مضيفًا أنه لا يعتبر قصة الحب التي تجمع بين آية الأفريقية وكاي الصيني حلم باليوتوبيا أو المدينة الفاضلة، بقدر ما هي أمنية بإمكانية التلاقي عالمي مختلفين والقدرة على التواصل والنمو معًا.

ويقول “الكوكب الذي نعيش عليه مكون من عدة قارات ومصنوع من تفاعلات ولقاءات دائمة بين أناس مختلفين يشكلون الجنس البشري، هكذا تأسست الإنسانية، وبالتأكيد في العصر الحالي نحن نعيش في عالم أكثر تطورا مما كان عليه في الماضي، ليس فقط في الغرب ولكن أيضا في أفريقيا وأسيا، لم تعد هناك فواصل وحدود واضحة المجتمعات أصبحت أكثر عالمية”.

شاي أسود

مدينة الشوكولاتة 

العلاقة بين الصين وأفريقيا تمتد لسنوات طويلة لكنها تعتبر موضوعا غير مطروح، ولم يسبق تناولها في أفلام سينمائية من قبل، ويشير سيساكو إلى أنه قام بزيارات مكثفة للصين على مدار 3 سنوات للتعرف بشكل أعمق على المجتمع المتنوع لمدينة غوانزو ومن يعيشون فيه من مهاجرين أفارقة، بل أنه كان يميل في البداية لاختيار امرأة شابة من هذه المدينة تجيد التحدث بالصينية لأداء دور آية، لكنه فضل في النهاية الاستعانة بممثلة محترفة ولها خبرة مثل نينا ميلو تستطيع تحمل مسؤولية تجسيد الشخصية، حتى لو كانت لا تعرف اللغة، فخبرتها ساعدتها على تعلم النص وحفظ طريقة النطق.

ويضيف سيساكو أن اختيار ممثلة محترفة ساعده أيضًا كمخرج في ألا يتورط في فخ التوثيق “هذا فخ كان يمكن أن يقع فيه الفيلم لأن مدينة الشوكولاتة مدينة حقيقية وكذلك المجتمعات التي يتناولها الفيلم موجودة في الحقيقة، لكني أردت من الفيلم يغوص في الجانب الخيالي، وأردت لقصة هذه الشخصيات في إطار تجسيد هذا الواقع”.

ينشغل سيساكو طويلًا بالحديث عن غوانزو، المدينة الصينية التي تدور فيها أحداث الفيلم، ويصفها بأنها “مصنع العالم”، ويواصل: “فيها يدور جزء كبير من التجارة العالمية، ولا تضم المجتمع الأفريقي فقط؛ وإنما هناك أيضًا بعض من أمريكا الجنوبية ومن الشرق الأوسط، والعالم العربي حاضر بقوة، بينما يغيب عنها الأوروبيين. وهي عبارة عن منطقة مكون من مجموعة تجار ومحلات يأتي إليها تجار من دول مختلفة لشراء أشياء صغيرة بكميات كبيرة، يديروا بها عملياتهم التجارية الصغيرة”. 

ويؤكد أنها مدينة جميلة “مجتمعها حي جدًا، ولها هوية ثقافية وإنسانية خاصة جدًا، فهي تجمع بين أنواع مختلفة من البشر، ونرى فيها التشابه بين الأفارقة والصينيين في هذا الإطار”، ويضيف “كل هذا من الممكن أن يتراجع مع الوقت. وكما جاء بالفيلم على لسان إحدى الشخصيات مدينة الشوكولاتة قد تختفي، لأن الصينين يذهبون بأنفسهم الآن إلى أفريقيا للتجارة ولم يعودوا بحاجة لتواجد الأفارقة في الصين”.

تايوان 

تدور أحداث الفيلم في مدينة صينية، لكن التصوير تم في تايوان، وعن هذا يقول سيساكو أنه لا يعتبرها مشكلة على الإطلاق، لأن “السينما خيال، وحتى لو كانت تجسد عالمًا حقيقيًّا تظل خيالًا، والأهم هو القصة التي يرويها الفيلم والتعبير عن المشاعر، وليس المكان الذي تدور فيه الأحداث”.

أما عن السبب وراء عدم التصوير في الأماكن الحقيقية فيقول إن الصين رفض التصوير هناك، وبعد 9 أشهر من الانتظار ورفض طلبه في عام 2019، قرر اللجوء إلى تايوان كخيار ثان، وكان عليه بالطبع التكيف مع واقع المكان في تايوان.

عبد الرحمن سيساكو

 العنصرية

يشير الفيلم إلى العنصرية الصينية ضد الأفارقة خاصة بين الأجيال الأكبر سنًا ومقارنتهم أحيانًا بالحيوانات وهو تصرف مرفوض تمامًا كما يعكس سيساكو في فيلمه: “العنصرية تعني رفض الآخر، والخوف من الناس وعدم الرغبة في التعرف عليهم عن قرب. وهي موجودة في كل مكان وفي كل بلدان العالم، وليس فقط في الدول الأوروبية التي تستقبل أناس من دول أخرى”. هذه العنصرية التي توجد أيضًا في بعض من دول العالم العربي ليست قدرًا حسبما يقول سيساكو: “الأمل كما رأينا في الفيلم، الجيل الجديد له عقل منفتح يتقبل الآخر، كما واجه الشاب لي بانج الشاب جده ورفض خطابه العنصري”.

عبد الرحمن سيساكو

ويضيف سيساكو أن الصين بلد ظلت منغلقة على نفسها لعدة قرون، “لكنها الآن تتطور، مثلها مثل كل المجتمعات التي لم تعد قادرة على الانغلاق”، مشيرًا إلى أن تايوان على العكس، “مجتمعها مبهر، والأفارقة سعداء بالحياة فيها لأنه مجتمع منفتح تمامًا خالي من العنصرية وأهلها لطفاء”. 

اقرأ أيضا: «شاي أسود»… عودة سيساكو بلا طعم ولا رائحة

شارك هذا المنشور