فاصلة

مراجعات

«طائرة!» حطمت شباك التذاكر ودشّنت عصرًا كوميديًا جديدًا

Reading Time: 3 minutes

أثناء التحاقهم بـ «جامعة ويسكونسن» في ماديسون، أنشأ أصدقاء الطفولة جيم إبراهامز، وجيري وديفيد زوكر، فرقة كوميدية سمّوها «مسرح كنتاكي فرايد». كانوا مهووسين بالأفلام القديمة، وكلّما كانت تافهة، كلما كان ذلك أفضل. غالبًا ما يجتمعون لمشاهدتها بدون صوت بينما يرتجلون حوارهم الخاص العبثي ويضيفونه عليها. أحد تلك الأفلام كان «Zero Hour»، فيلم سخيف أُنتج عام 1957، من إخراج هال بارتليت حول رحلة تجارية أُصيب فيها طيّارو طائرة وركّابها بتسمّم غذائي، مما أجبر طيارًا عسكريًا سابقًا شارك في الحرب العالمية الثانية ويعاني من فوبيا الطيران بسبب الحرب، على قيادة الطائرة والهبوط بها وسط الضباب الكثيف.

 خلال مشاهدة الفيلم، أدرك الثلاثة فورًا (أصبحوا لاحقًا يعرفون باسم ZAZ بسبب الأحرف الأولى من أسمائهم الأخيرة) أنّ فكرة هذا الفيلم جاهزة لتكون محاكاة ساخرة. بعد كتابة سيناريو فيلم متواضع بعنوان «كنتاكي فرايد موفي» (1977) أخرجه جون لانديس، اشترى الثلاثة حقوق فيلم «Zero Hour!» ليتمكّنوا من العبث واللعب بالحبكة كما يشتهون. والنتيجة «طائرة!» «Airplane!»، الذي حطّم شباك التذاكر ودشّن عصرًا جديدًا في السينما الكوميدية. 

في هذه الأيام التي تبدو فيها الأفلام الكوميدية مهووسة جدًا بكونها معاصرة، وصريحة، وساخرة جدًا إلى درجة أنها تنسى أن تكون مضحكة، وفاقدة للجرأة لدرجة أن تكون مبتذلة؛ نعود إلى الكلاسيكيات، إلى الأفلام الكوميدية التي تصمد أمام اختبار الزمن، والأشخاص الذين صنعوا ثورة بتقديم أسلوب جديد من الفكاهة. وعلى رأس القائمة طبعًا «طائرة!»: فيلم كارثة يسخر من أفلام كوارث الطائرات التي شهدت صعودًا كبيرًا في السبعينيات. مزيج مثالي من الفكاهة والنقد الاجتماعي والسياسي الحاد، مع شلال لا يتوقف من النكات، نرغب بمشاهدتها وسماعها مرارًا وتكرارًا، وقد تجاوز الكثير منها ما كان يُعتبر مقبولًا اجتماعيًا. 

حبكة الفيلم مشابهة لفيلم «Zero Hour!»، فعلى متن طائرة متّجهة إلى شيكاغو، يمكن للركاب الاختيار بين تناول اللحم أو السمك. أولئك الذين يأكلون السمك، سيصابون بالتسمّم، بمن في ذلك الطيّار ومساعده ومهندس الطيران. لم يتبق سوى شخص واحد لديه فكرة بسيطة عن كيفية التعامل مع الطائرة، هو تيد (روبرت هايز) الطيار العسكري السابق، الذي صعد إلى الطائرة على الرغم من خوفه من الطيران، فقط ليحاول استعادة حبيبته المضيفة إيلين (جولي هاغرتي). يحاول الاثنان بمساعدة الطبيب روماك (العظيم ليزلي نيلسن) السيطرة على الموقف والهبوط بالطائرة.

في قصة تحدث بالكامل داخل الطائرة، ستتوالى المواقف المفاجئة والفكاهية، التي تسمح للسرد بمعالجة ونقد الحالات الاجتماعية والكوارث من منظور كوميدي. لا يسمح لنا الفيلم بإزاحة أعيننا عن الشاشة. يغمرنا بالنكات والمواقف الكوميدية التي لا تعد ولا تحصى، وقد ظلّت إلى اليوم غير «لائقة سياسيًا» ولا «يقظة» Woke.

سنسمع أحاديث عن الانتحار، والعنصرية، والمرض، والأطفال، والجنس مع الدمى القابلة للنفخ، والمخدّرات، وغيرها من المواضيع الحساسة باستخفاف، مما يجعل المشاهد غير مرتاح، لكنّه يضحك رغم عدم ارتياحه بسبب الجدية التي تتصرّف بها الشخصيات في الفيلم. في هذا العالم الموازي، الذي يفلت من أي منطق أو حسّ سليم، تتحرك الشخصيات خارج شرائع الحياة الطبيعية، في مواقف غير واقعية ومضحكة.

يجمع الفيلم بين الفكاهة السخيفة والكوميديا السوداء ومعاني الكلمات المزدوجة، مع المحاكاة الساخرة لأفلام الكوارث أو أفلام أخرى مثل «مطار» Airport، و«الفك المفترس» Jaws، و«حمى ليلة سبت» «Saturday Night Fever» وغيرها. 

يحتوي الفيلم كذلك على طاقم ممثلين متمكّن على رأسهم ليزلي نيلسن بكل بهائه في دور الطبيب الذي لا يفعل شيئًا لمرضاه. ومن الشخصيات المهمة أيضًا لاعب كرة السلة كريم عبد الجبار بدور مساعد الطيار. سيدخل هذا العنصر في مكوّنات الموجة الكوميدية الجديدة في هوليوود، كما حدث مع لاعبي كرة السلة مايكل جوردان أو ليبرون جيمس عندما شاركا في أفلام كوميدية. فالكوميديا تنشأ من أشد المواقف مأساويةً، من موقف سوريالي نقفز إلى آخر، من دون أن نُمنح الوقت لاستيعاب ما حصل أو للانتهاء من ضحكتنا.

ساهم أسلوب الفيلم الجديد ومواضيعه الاجتماعية في صياغة ما أصبح لاحقًا «الكوميديا الأميركية الجديدة»، التي تتميّز بقدرة الممثلين الجادين على أداء الأدوار الكوميدية بشكل مباشر. بمعنى أنّه طوال الفيلم، كان الممثلون لا يتصرفون على أساس أنهم في فيلم كوميدي، فكل شيء جدي، حتى النكات تقال بطريقة رسمية جدًا. السيناريو قادر على تضمين الفكاهة في كل سطر من دون أن تترنّح القصة أو تخرج عن مسارها، والعديد من العبارات أصبحت أسطورية، حتى إنّ بعضهم يستخدمها في الحوارات اليومية، فالفيلم ترك أثره على السينما كلها، وليس فقط على نوع السينما الذي ينتمي إليها.

لقد رُسمت الشخصيات بما هو أبعد من الكليشيهات، وفي ذروة هذه المبالغة، هناك خفّة في كل شيء. تحمل الحوارات تلك اللمسة الميلودرامية المرهقة، تتخلّلها نكات لاذعة بمعان مزدوجة. وفي غالبية المشاهد، يوجد أمام أعيننا حالتان. في المقدمة تتطوّر الحبكة الجادة بينما في الخلفية موقف سخيف ومضحك يصرف انتباهنا. الأهم في النهاية أنّه رغم الفكاهة والسوريالية والضحك العالي وكل هذا الغباء العظيم، أخذنا القصة على محمل الجد، واهتممنا بما إذا كانت الطائرة ستهبط بسلام وما إذا كان تيد وإيلين سوف يعودان لبعضهما.

اقرأ أيضا: أفلام مبالغ في تقديرها

شارك هذا المنشور