فاصلة

مراجعات

«سيكو سيكو».. فيلم لا يبيع الفنكوش

Reading Time: 3 minutes

في فيلم «واحدة بواحدة» (1984) للمخرج نادر جلال، ينظّم صلاح (عادل إمام) حملة دعائية للترويج لمنتج خيالي لا يعرف أحد – ولا صلاح نفسه- ماهيته، ويُطلق عليه اسم «الفنكوش». منذ ذلك الوقت يستخدم المصريون كلمة «الفنكوش» لوصف كل ما هو زائف أو غير حقيقي. 

تذكرت «الفنكوش» أثناء مشاهدة فيلم «سيكو سيكو»، إذ أن العنوان مستوحى أيضًا من كلمة شائعة في مصر، وتستخدم عادة لوصف كل ما هو محظور أو مسكوت عنه، أو حتى غير قانوني. يستغل فيلم «سيكو سيكو» المصطلح الذي لا يأتي عادة في سياق جيد، للترويج بشكل كوميدي لنفسه، لكنه فيلم لا يبيع لنا الفنكوش، بل يفي بما يعِد به وأكثر.

الفيلم هو العمل الطويل الأول لمخرجه عمر المهندس، الذي قدم لنا قبل عامين أحد أفضل المسلسلات الكوميدية “بالطو”، وكان أيضًا من بطولة عصام عمر الذي يشارك في بطولة الفيلم مع طه دسوقي. بينما كتب السيناريو والحوار محمد الدباح الذي حقق فيلمه السابق «بيت الروبي» نجاحًا كبيرًا، وإن كان «سيكو سيكو» هو فيلمه الأول الذي يمكن أن نصفه بالكوميدي تمامًا.

تدور الأحداث حول ابني العم يحيى (عصام عمر) وسليم (طه دسوقي) اللذان يكره كل منهما الآخر، وعندما يموت عمهما ويترك لهما ميراثًا عبارة عن كمية ضخمة من مخدر الحشيش، يضطران للتعاون معًا حتى يحصلا على مقابل تلك التركة الكارثية.

سيكو سيكو (2025)
سيكو سيكو (2025)

إن كان هناك ما يميز هذا الفيلم فعلًا؛ فهو احترامه لنوع الكوميديا. لا يوجد موسم سينمائي في مصر يخلو من فيلم كوميدي واحد على الأقل، ومن النادر أن تخلو قائمة الأفلام الأكثر تحقيقًا للإيرادات سنويًا من الأفلام الكوميدية، ولكن المشكلة التي باتت موجودة بكثرة هي عدم احترام أن الفيلم الكوميدي هو فيلم بالأساس، يجب أن يضم جميع العناصر الفنية المطلوبة في أي فيلم، وليس عنصر الضحك فقط. «سيكو سيكو» يحترم صنفه السينمائي بداية من السيناريو؛ لن تجد نفسك تتوقف أثناء المشاهدة لتسأل «لماذا فعلوا هذا؟» أو «ما الدافع لهذه الشخصية؟». 

ينقسم سيناريو الفيلم إلى خمسة فصول تظهر بعناوين فرعية على الشاشة، ويُفسح في الفصل الأول مساحة جيدة للتأسيس لبطليه. هما شخصيتان متناقضتان إلى حد كبير: يحيى عصبي وغير مُلتزم، يتنقل بين الوظائف سريعًا بسبب طباعه الشخصية، بينما سليم على النقيض شاب مسالم ويسعى للزواج من حبيبته، ويبحث عن عمل في مجال تطوير ألعاب الفيديو. كان يمكن أن يفسح لقاء الشخصيتين مجالًا للعديد من المفارقات الكوميدية، لكن السيناريو لا يهتم بذلك، بل يركز في أغلب المشاهد على صناعة الضحك من قلب المواقف التي تُضيف إلى الحبكة، أو حتى استخدام الشخصيات الجادة للإضحاك مثلما يفعل مع شخصية اللواء وائل (باسم سمرة) الذي لا يبتسم طوال الأحداث لكن جديته في مقابل هزلية المواقف نفسها هي ما يصنع الضحك.

سيكو سيكو (2025)
سيكو سيكو (2025)

الالتزام الواضح من باسم سمرة بشخصيته ليس استثناءً؛ بل قاعدة. فعصام عمر قدم الكوميديا من قبل، لكنه يدرك أن مساحة الكوميديا الممنوحة للشخصية هنا تختلف عن تلك في مسلسل «بالطو» على سبيل المثال، وهكذا فهو يقدم شكلًا من الكوميديا من خلال حدة طباعه وردود أفعاله على المواقف المحيطة، وهو ما يختلف عما يفعله طه دسوقي، الذي تأتي كوميديا شخصيته من خلال سذاجته وعدم خبرته في الحياة.

يعدد المؤلف أشكال الكوميديا من خلال الاهتمام برسم الشخصيات، وهو ما يمتد أيضًا إلى الشخصيات المساعدة التي لا يتوقف دورها على مساندة البطلين في إلقاء الجمل المضحكة، بل تشارك في صناعتها، فيتجاوز دورها مفهوم «السنيد» الشائع في الأفلام الكوميدية لتصبح شخصيات فاعلة في الدراما.

وربما كان الاستثناء الوحيد في طرافة الشخصيات ينطبق على الشخصيتين النسائيتين في الفيلم داليا (تارا عماد) وغادة (ديانا هشام) واللتان كان وجودهما مهمًا في الأحداث وإن كانت نهاية خطيهما بالذات داليا ليست بالتأثير المطلوب.

سيكو سيكو (2025)
سيكو سيكو (2025)

وأخيرًا تأتي أهمية المخرج عمر المهندس الذي يعي تمامًا أنه لا يجب أن يكون الفيلم عبارة عن وصلة ضحك طويلة ممتدة من البداية وحتى النهاية، ولكنه يدرك أنه يقدم فيلمًا مسليًا يجب أن يُبقي المشاهد منتبهًا طوال الوقت، وهو ما نجح فيه حتى في المشاهد الحوارية التي تكشف بعض المعلومات، والتي صورها عند كوبري قصر النيل بشكل أضاف حيوية للمشهد؛ بينما عندما يكون المشهد كوميديًا فإنه يسخّر كل العناصر، حتى الصوت، لخدمة الكوميديا، وهو ما نشاهده في اتفاق بطلي الفيلم مع تاجر المخدرات تاكس (علي صبحي) وهم يجلسان في مقهى شعبي، بينما تجلس سيدة عجوز تغني بصوت شديد الرداءة أغنية لأم كلثوم. ربما كان يمكن الاستغناء عن هذه السيدة، ولكن هذا كان سيقلل من فاعلية المشهد، ولكننا أيضًا لا نجد أن المساحة التي تأخذها هذه السيدة تتجاوز المطلوب منها.

«سيكو سيكو» فيلم شاب جدًا، سيحدث تأثيرًا واضحًا في شباك التذاكر وهو ما بدأ بالفعل خلال يومي عرضه، ولكنه واحد من تلك الأفلام التي تحدث بوجودها ونجاحها تأثيرًا في شكل صناعة الكوميدا أيضًا.

اقرأ أيضا: أحمد زكي بعد 20 عامًا… التمثيل كملاذ نهائي

شارك هذا المنشور

أضف تعليق