فاصلة

حوارات

خالد منصور: رامبو كلب شارع بسيط يعبر عن مشاعر جيلي

Reading Time: 7 minutes

مثل نجوم السينما العالميين الذين خطوا قبله في الموضع نفسه، وبخيلاء مثير للإعجاب، سار الكلب البلدي المصري «رامبو» على سجادة فينيسيا الحمراء في بدلته الأنيقة جنبًا إلى جنب مع أبطال الفيلم المصري «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو» الذي شارك في قسم آفاق أبعد «أوريزونتي إكسترا» في الدورة الحادية والثمانين لمهرجان فينيسيا السينمائي الدولي، ليعيد رامبو والفيلم الذي يحمل اسمه السينما المصرية لأروقة المهرجان بعد غياب 12 عاماً منذ عرض فيلم «الشتا اللي فات» للمخرج إبراهيم البطوط في مسابقة أوريزونتي في عام 2012.

الكلب رامبو - البندقية 81
الكلب رامبو – البندقية 81

تعتبر تجربة صناعة رامبو هي تجربة الفيلم الروائي الطويل الأول لـ 99% من أعضاء فريق عمل الفيلم، بمن فيهم صاحب الفكرة ومخرج الفيلم خالد منصور والمنتجة رشا حسني والسيناريست محمد الحسيني وبطل الفيلم عصام عمر وشريكاه في البطولة الكلبان اللذان لعبا دور رامبو. امتدت رحلة صناعة الفيلم أكثر من ثماني سنوات، شارك خلالها مشروع الفيلم في عديد من معامل التطوير وحاز على جوائز دعم مختلفة، كما تبنى المنتج المعروف محمد حفظي مشروع الفيلم وانضم لإنتاجه من خلال شركته فيلم كلينك منذ ما يقرب من عام ونصف.  

كواليس تصوير «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو»
كواليس تصوير «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو»

قبل محطة الوصول إلى سجادة فينيسيا الحمراء، خاض الفيلم رحلة مليئة بالتحديات، أصر الثلاثي خالد منصور ومحمد الحسيني ورشا حسني على مواجهتها حتى النهاية، شرحتها رشا قائلة إن إصرارهم على خروج الفيلم للنور بالرؤية التي كانت في أذهانهم والتي تعبر عنهم كشباب، وعزمهم على ألا يحيدوا عنها لأي عقبات كانت، مثَّل تحديًا كبيرًا أمام عملهم، وتضيف: «عملت على الفيلم ليس فقط كمنتجة؛ وإنما على عدة أوجه أخرى، حيث عملت على تأمين ميزانية لتمويله وشاركت في رحلة البحث عن معامل لتطوير السيناريو، فنحن نؤمن أن الفيلم الجيد يبدأ بفكرة وسيناريو جيدين، لذلك شاركنا في عدد من الورش ومعامل التطوير في أنحاء العالم والتي ساهمت في تطوير قدرتنا على صناعته بالطريقة التي نريدها».

عصام عمر والكلب رامبو - «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو»
عصام عمر والكلب رامبو – «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو»

السيناريست محمد الحسيني يقول إنه تعلم الكثير خلال رحلة العمل على صناعة «السيد رامبو». موضحًا أن الفيلم جرى تطويره خلال مراحل مختلفة حتى وصل للصورة الأخيرة، والتي تمثل النسخة 13 من سيناريو الفيلم. يقول «النسخة الأولى لسيناريو الفيلم كانت مختلفة تمامًا عن النسخة الأخيرة التي سيراها الجمهور على الشاشة، الثابت فيها كان رحلة البطل حسن ومحاولاته لإنقاذ كلبه رامبو من مصير مؤلم، لكن التفاصيل والحكايات التي تحيط بهذا المسار وتعبر عن الشخصيات اختلفت تمامًا مع مراحل التطوير التي ساعدتنا على الوصول لأفضل طريقة للتعبير عما نريده بلغة ورؤية سينمائية بسيطة ومميزة، تؤثر في المتلقي وتدفعه لطرح تساؤلات».

الكلب رامبو- «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو»
الكلب رامبو- «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو»

أما المخرج خالد منصور، فيقول إن فكرة الفيلم بدأت بصورة في خياله لا يعرف سببها أو مصدرها الحقيقي، لكنها شغلته لفترة طويلة، حتى وقعت حادثة كلب شارع الأهرام الشهيرة في شبرا الخيمة عام 2015، وانتشار فيديو لعدد من الرجال قاموا بقتل كلب بعدة طعنات بعد ربطه في عمود بالشارع على مرأى ومسمع من الجميع بينما اختفي صاحبه تمامًا عن الأنظار.

يقول منصور «كنت أرى في خيالي صورة لشاب يجلس على جانب الطريق في شارع مظلم ومتسخ محتضنا كلبًا بقوة، ولا أعرف من أين جاءت هذه الصورة، ولم أكن أعرف حتى كيف استخدمها، وبعد مشاهدتي للفيديو البشع لقتل كلب الأهرام، استفزني الحادث جدًا، ولم أستطع النوم لعدة أيام، فهو تصرف غير إنساني ووضيع جدًا من كل الأطراف بما فيه صاحب الكلب نفسه الذي تركه لهذا المصير».

قتل كلب أو أي كائن حي ضعيف بهذا الشكل البشع هو جريمة بالطبع، ولكن هذه الواقعة فجرت في نفس خالد تساؤلات أخري عن البشر الذين شاركوا فيها كان نتيجتها صناعة الفيلم، ويقول «ما شغلني أكثر من الواقعة نفسها، هو كيف يفكر هؤلاء البشر وما الذي دفعهم للقيام بمثل هذا التصرف؟ ومن هنا حدث دمج بين الصورة التي كانت في خيالي وهذا الحادث، وقررت صناعة فيلم عن القصة وملابساتها، ولكن على العكس؛ يرفض بطل فيلمنا تسليم كلبه لهذا المصير ويبحث له عن منفذ لإنقاذه». 

أحمد بهاء - «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو»
أحمد بهاء – «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو»

اتفق الثلاثي خالد ورشا والحسيني على صناعة فيلم يجمع بين مواصفات أفلام الآرت هاوس التي تحمل بصمة فنية مميزة والفيلم التجاري الممتع للجمهور العادي، وهو ما صعب فكرة البحث عن مصادر لتمويل وإنتاج الفيلم، يقول خالد: «لم أكن أريد تقديم فيلم تجاري من نوعية أفلام التسلية التي ينتهى تأثيرها بعد لحظات من مغادرة صالة السينما، ولا فيلم آرت هاوس يشاهده حفنة صغيرة من الأصدقاء والسينمائيين المقدرين لهذا النوع من الفن، أردت صناعة فيلم يمزج بين الحالتين، يحمل قيمة حقيقية ويعبر عني وعن جيلي والبشر والمخلوقات الذين يعيشون حولنا في القاهرة، وفي الوقت نفسه يحبه الجمهور العادي».

وأضاف أن بعض المنتجين رفضوا الفيلم بحجة أنه تجاري أكثر من اللازم أو انه آرت هاوس أكثر من اللازم، لأنهم لم يدركوا طبيعته واتجاهه في البداية عندما كان مجرد فكرة وسيناريو على الورق. 

عصام عمر وسماء إبراهيم - «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو»
عصام عمر وسماء إبراهيم – «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو»

قام منصور بتصوير أغلب مشاهد الفيلم في شوارع القاهرة وبين مناطقها الشعبية مثل حي السيدة زينب وبجوار سور مجرى العيون وفي مناطق راقية أيضًا مثل حي الزمالك، وعبر بالكاميرا عما أسماه بعلاقة حب وكراهية بينه وبين مدينته القاهرة، ويقول «التصوير في الشارع دائما كارثي وشاق جدًا، لأننا دائمًا نواجه الزحام الشديد وفضول المارة ورغبتهم في الظهور في الكاميرا وأصواتهم المرتفعة، أغلبهم لا يعرف ما يحدث بالتحديد لكنهم يرغبون في المشاهدة، بالإضافة إلى أننا نحتاج للكثير من التصاريح للقيام بذلك». 

عصام عمر والكلب رامبو - «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو»
عصام عمر والكلب رامبو – «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو»

قام بدور رامبو في الفيلم كلبان بلديان من الشارع، استعان بهما فريق الفيلم بعد رحلة بحث طويلة امتدت أكثر من شهرين ويتحدث عنهما منصور قائلاً: «كلاهما كلبان وديعان ولطيفان جدًا يحبان اللعب ويقع في غرامهما كل من يراهما. وهما شقيقان ومتطابقان في الشكل تبادلا تصوير المشاهد لأنه من الصعب التصوير بواحد فقط لأنه من الممكن أن يشعر بالملل أو الإجهاد، ورامبو الذي رافقنا إلى فينيسيا هو من قام بتصوير 80 % تقريبًا من المشاهد».

وأضاف أن التحدي الأكبر كان في العثور عليه وتدريبه، لأنه كان لا بد أن يكون كلبًا بلديًا وليس أية فصيلة أخرى لأن شخصية الفيلم تتطلب ذلك. والكلاب البلدية رغم ذكائها الشديد هي كلاب غير مدربة على التفكير المنطقي أو تنفيذ أوامر متتالية، على عكس كلاب الجيرمان مثلا المؤهلة جينيًا للتدرب بشكل أسرع وأكثر فعالية. مشيرًا إلى أن الكلب البلدي ذكي جدًا لكنه عشوائي نوعًا ما، وتدريبه على التمثيل وتنفيذ التعليمات والمهمام المتتالية أصعب، ولم يجرب من قبل.

الكلب رامبو من فيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو»
الكلب رامبو – «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو»

وأضاف أن فريق العمل استعان بأكاديمية خاصة قام مدربوها بعملية البحث لمدة شهرين وكانت عملية شاقة حتى وجدوا كلبين متطابقين وملائمين سلوكيًا لفكرة التدريب، واستمر برنامج تدريبهما الأول لمدة شهر وتضمن تغذية وتمرينات لياقة وجري لأنهما جاءا من الشارع في حالة يرثي لها، ثم بدأت مرحلة التدريب على المشاهد ومع الممثلين التي استمرت ستة أشهر، مع ترك مساحة أيضًا لأشياء تلقائية كان من الممكن أن تحدث خلال التصوير، حيث اتفق مع عصام عمر على أن يتجاوب مع تصرفات رامبو بشكل ارتجالي خلال التصوير اذا قام بحركة عفوية وخرجت بعض المشاهد تلقائية وعفوية بهذا الشكل.

عصام عمر والكلب رامبو من فيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو»
عصام عمر والكلب رامبو – «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو»

بينما بدأت رحلة عصام عمر مع الفيلم منذ عامين ونصف تقريبًا، بعد حوار بينه وبين خالد منصور وقراءته للسيناريو الذي شعر معه لأول مرة أنه أمام فيلم حقيقي يحب مشاهدته وليس فقط التمثيل فيه، وبدأ من وقتها العمل على فهم أبعاد شخصية حسن ومشاعره ودوافع تصرفاته، وتدرب مع رامبو في الأكاديمية لمدة ستة أشهر تقريبًا، مشيرًا إلى أنه يعتبر تدريب رامبو من أصعب مراحل الفيلم لأنه كلب شارع وتطلب الأمر الكثير من الوقت والجهد لتدريبه، ثم انضم إليه هو في مرحلة لاحقة لبناء علاقة بينهما وحتى يتعلم رامبو تلقي الأوامر منه والاستجابة له أثناء التصوير، ويقول «كثيرا ما كنت أذهب إلى الأكاديمية فقط للعب معه وبناء علاقة تشبه علاقة حسن ورامبو في الفيلم، حتى أننا وصلنا لمرحلة كان يستمع فيها لأوامري ولا يستجيب للمدرب وهو خطأ كان لا بد من تداركه لأن المدرب لا بد أن يكون له اليد العليا حتى يتمكن من التحكم فيه خلال التصوير».

وأشار عمر إلى أن مفتاح شخصية حسن بالنسبة له كان في فكرة التخلي، حيث تخلى عنه والده في مرحلة الطفولة وهو لا يريد التخلي عن رامبو كما حدث معه، فهو يشعر أنه ورامبو شخص واحد، مضيفًا أن مفتاح الشخصية ليس في الجانب الظاهر منها أو في الحوار الذي يدور بينه وبين شخصيات أخرى مثل الأم أو الجار العصبي كارم الذي يرغب في طردهم ويطارد كلبه، «فأهم ما يميز هذا الفيلم ويميز الشخصية، هو الطبقات المتعددة والمعاني الخفية وراء الكلمات».

يوضح: «حسن يعيش مع تروما غياب الأب الذي لا يعرف عنه أي شيء، ومحمل بطاقة سلبية تجاهه بسبب الأم، والآن عليه اتخاذ القرار؛ إما أن يتخلى عن رامبو كما فعل والده، أو يحميه وينقذه من مصير مؤلم، ولذلك تعتبر جملة (رامبو متخافش مش هسيبك) تيمة ثابتة ومهمة في الفيلم، تخلى الاب يؤثر على الأطفال في الكبر، يصبحون أشخاصًا بلا حماس وقليلي الكلام مثل حسن الذي يشعر أنه نشأ بلا ظهر يستند عليه، لذلك هو منزوي وانطوائي، ولا يتحدث كثيرًا وانفعالاته داخليه فقط لا توجد أية انفعالات خارجية كبيرة».

«رحلة البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو» بطولة عصام عمر، وركين سعد، وأحمد بهاء، وسماء إبراهيم وأحمد السلكاوي وفهد إبراهيم وضيوف الشرف بسمة ويسرا اللوزي، والكلبان رامبو، موسيقى أحمد مصطفي زكي ومدير التصوير أحمد طارق بيومي، وتصميم الملابس ناردين إيهاب، ومونتاج أحمد الجندي، وتصميم الصوت محمد صلاح، وتصميم فني وديكور مارك وجيه وسيناريو محمد الحسيني وخالد منصور وإخراج خالد منصور وإنتاج رشا حسني ومحمد حفظي، ومن المرجح أن يشارك الفيلم في مسابقة مهرجان البحر الأحمر السينمائي باعتباره من الأفلام الحائزة على جوائز دعم إنتاج من المهرجان.

اقرأ أيضا: «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو».. النضج كمأساة وجودية

شارك هذا المنشور

أضف تعليق