حققت رواية “حوجن” للكاتب السعودي إبراهيم عباس نجاحًا تجاريًا كبيرًا عند صدورها في العام 2013، وإن لم يستقبلها النقاد بالحفاوة نفسها. وغالب الظن أن الحال لن يتغير كثيرًا مع عرض الفيلم المأخوذ عنها ويحمل اسمها نفسه، الذي استقبلته صالات السينما السعودية هذا الشهر بعد عرضه الأول في الدورة الفائتة من مهرجان البحر الأحمر.
فيلم “حوجن” للمخرج ياسر الياسري، يأتي بعد انتظار طال من قراء الرواية المنتمين لفئة الشباب محبي روايات الرعب والخيال والإثارة، إذ يعيد الفيلم سرد أحداث الرواية التي تدور حول جني اسمه “حوجن” يعمل طبيبًا، يقع في حب فتاة من عالم البشر تسكن مع عائلتها نفس البيت الذي يسكنه ذلك الجني الطبيب وعائلته.
توقعات عالية وتنفيذ ضعيف
الأفلام التي تتصدى لعوالم الخيال وما وراء الطبيعة، ينتظر منها دومًا أن تقدم مستوى معين من الإبهار البصري لإقناع المشاهد أنه يتابع حكايات عن كائنات خرافية.
في فيلم “حوجن” نجح فريق العمل في أن يقدم عناصر بصرية مميزة من خلال التصوير والتصميم الإنتاجي production design ليتغلب بهما على تقليدية القصة وغياب المفاجآت فيها وتغافل السيناريو عن رسم الشخصيات وإعطائها عمقًا وثراءً. فنستطيع القول إن أقوى شيء بالفيلم هو التصوير السينمائي الذي تمكن من أن ينقل للمشاهدين ملامح هذا العالم الآخر، وخلق لدى المشاهد فضول لرؤية تفاصيل أكثر عن عالم الجن، خصوصًا في اللقطات الواسعة، ومثالًا على ذلك مشاهد الدفن وأرض حوجن واليتمة ومدينة الجن، التي قدم المخرج من خلالها أفضل اللقطات خلال الأحداث.
تتناقض جودة التصوير تمامًا مع حالة الإضاءة والألوان، فلم يعكس أي منهما ما نتصوره عن عالم الجن من ظلام وغموض، وكانت أغلب المشاهد ذات إضاءة مشرقة، عكس التصور السائد عن تلك العوالم، فبدت مشاهد عالم الجن كأنما صنعت لمشاهدين من الصغار، فاصطبغت بصبغة طفولية واضحة.
الفيلم أيضًا كان بخيلًا في التفاصيل، فلم يتعمق في رسم شخصيات عالم الجن وصفاته، واكتفى بالاعتماد على البناء البصري لذلك العالم، وترك كثير من خيوط السرد والتساؤلات معلقة بلا إجابة، من الصعب هنا أن نتبين إن كان ذلك لضعف في السيناريو أم تمهيدًا لجزء ثان من الفيلم.
أما عن شريط الصوت في الفيلم فلا يبدو أنه لقي العناية نفسها التي لاقاها التصوير، وربما لقي درجة الاهتمام المتواضعة التي عومل بها السيناريو والإضاءة، ليخرج شريط الصوت كارثيًا على عدة مستويات.
ففي بعض المشاهد يعاني المشاهدون لتبيُّن ما يقوله أبطاله الفيلم بسبب سوء “المكساج” أي مستويات الصوت المدمج الذي يجمع أصوات الممثلين مع الاصوات الخلفية للمشهد (صوت المكان) وصوت الموسيقى التصويرية المصاحبة، فنجد بعض المشاهد التي يغطي فيها صوت المكان على صوت الحوار وهكذا.
أما الموسيقى فهي أحد أبرز كوارث “حوجن”، ففي المشاهد الأولى كان يمكن تقبلها، وأضفت شعورًا كأننا في لعبة The Witcher 3، لكن تكرارها في كل المشاهد وأثناء كل لقطة وحوار بدا كأنه قرار بتعذيب المشاهدين.
وأيضًا الأغاني، كانت بعيدة كل البعد عن روح العمل، فاختيار موسيقى تقليدية وكلمات ركيكة للأغاني لم يكن أبدًا ملائمًا لقدر الرواية التي كانت ضمن الأكثر مبيعًا في الأسواق، فمن الصعب أن تتذكر جملة واحدة من أي أغنية في العمل بعد انتهائه.
جائزة الأسوأ تذهب إلى أداء الممثلين
هذا العنوان ليس مبالغًا فيه، ففعليًا لولا أن فيلم “The Room” قد اتفق النقاد على وضعه في ذلك التصنيف كأسوأ أداء وتمثيل في تاريخ السينما، لكان “حوجن” أولى به، فلا نستطيع أن نقول أن الممثلين كانوا يؤدون أدوارهم، فما شاهدناه كان قراءة طاولة للنص أمام الكاميرا. لتأتي تجربة مشاهدة ذلك الأداء مع الموسيقى أشبه بلعبة SkyRim والشخصيات عبارة عن NPCs (شخصيات ثانوية لا أهمية لها) يمكننا تخطي حواراتهم لاستكمال اللعب.
وأستثني من ذلك نايف الظفيري، فهو أكثر شخص اجتهد في دوره وحاول تقديم أداء جيد، لكنه حصر نفسه في “نسخة كليشيه” من دور الشرير “السايكو” في السينما، أما الدور الأفضل كان لصالح منصور آش، الذي كان قريبًا من الواقعية والإتقان.
لحظات مؤثرة لم تؤثر فينا
خلال متابعتي للعمل انتظرت أن أتأثر بأي مشهد، ولكن لم يحدث ذلك، حتى في أكثر الخيوط الدرامية التي من المفترض أن تؤثر على الجمهور، مثل معرفة البطلة “سوسن” بإصابتها بسرطان في الدماغ، فلقد مر وكأنها اكتشفت إصابتها بدور “زكام”.
وأيضًا مشهد تخلِّي “حوجن” عن “سوسن” وقراره الزواج من ابنة عمه كان ضعيفًا، ولم يؤثر بالشكل الكافي، ومثله مشهد معرفة “حوجن” لسره من جده.
من حق المخرج التمرد على الرواية ولكن!
هل يجب للعمل الفني أن يطابق الرواية الأصلية؟ يحضر هذا السؤال بقوة في حالة فيلم “حوجن”، فكثير من الأفلام السينمائية المبنية على أعمال أدبية ناجحة، يقرر صناعها إعادة صياغة حكاياتها الأصلية بما يتماشى مع وجهة نظرهم ورؤيتهم لها، وقد نجح كثيرون في خلق روح لأعمالهم أضفت على الرواية مزيدًا من النجاح، وحدث العكس أيضًا.
يضع اقتباس الرواية أمام صناع السينما تحديًا كبيرًا، فالرواية مع تعدد صفحاتها تتيح لكاتبها رسم وتعميق شخصياته، وإضافة تاريخ وتفاصيل وخلفيات للأشخاص والأحداث لا يتسع لها وقت الشريط السينمائي، لذا علينا أن نسلم أن السينما مهما كانت متقنة لن تستطيع نقل عالم الرواية بأمانة واكتمال، لكن عليها على الأقل أن تحافظ على التشويق وسرد الأحداث بنفس القدر من الإثارة، وهو لم ينجح فيه “حوجن” أبدًا.
يُقال أن النص الجيد سيجعل أي فيلم مهما كان سيئًا؛ يغدو مقبولًا. للأسف “حوجن” لم يكن يحتوي لا على النص الجيد ولا الإخراج الجيد، وابتعد تمامًا عن الرواية التي تسببت في ضجة كبيرة وحققت نجاحًا مذهلًا وقت صدورها. قرأت الرواية وأنا في مرحلة المراهقة وأثناء دراستي الثانوية، ولامست الصدى المنتشر عنها بين طلاب المدارس والشوارع والمنصات كيف كان شاسعًا وصاخبًا، وأعرف الآن أن الفيلم لم يكن على مستوى خيال من قرأوها.
اقرأ أيضا: عن أفلامنا التي تمثلنا… “ناقة” نموذجا ً