وسط مشهد سينمائي عالمي يتغير بوتيرة متسارعة، وتحديات جديدة يخلقها الذكاء الاصطناعي على المهن الإبداعية، جاءت كلمات المخرج الهونغ كونغي المخضرم «جوني تو» لتؤكد أن ما يصنع الفارق الحقيقي ليس التكنولوجيا ولا الإمكانيات الضخمة، بل الشغف، والقدرة على التكيّف، والرغبة المستمرة في التطوّر.
جوني تو، الذي يمتد رصيده الإبداعي لأكثر من خمسين فيلمًا ويُعدّ من الأسماء الأكثر تأثيرًا في آسيا، أطلّ على جمهور ملتقى قمرة 2025، في ندوة خاصة ضمن فعاليات الملتقى السينمائي الذي تنظمه مؤسسة الدوحة للأفلام، حيث شارك عصارة تجربته، مشددًا على أهمية كسر الحواجز الجغرافية والتفكير بعقلية عالمية.

وقال تو: «كل زمان يحمل فرصه الخاصة، وعلى المخرجين أن يكونوا مستعدين لاحتضان التغيير.»
وفي حديثه عن التحولات الرقمية، دعا تو الجيل الجديد من المخرجين إلى عدم الخوف من الذكاء الاصطناعي، قائلًا: «المبدعون الحقيقيون سيبقون. التكنولوجيا لن تلغي الحاجة إلى البصمة الإنسانية، بل ستفتح آفاقًا جديدة لمن يملكون الرؤية والخيال.»
واستعاد تو بداياته بتأمل عميق، مشيرًا إلى أن دخوله عالم السينما لم يكن نتيجة دراسة أكاديمية بل ثمرة شغف منذ الطفولة، عندما كان يراقب الأفلام من خلف شاشة دار عرض قرب مكان عمل والده. وأكد أن شغفه كان دافعه الوحيد، حتى عندما بدأ مراسلًا بسيطًا في قناة تلفزيونية، واضعًا هدفًا واضحًا بأن يصبح مساعد مخرج في غضون خمس سنوات.
ولم يكن ذلك الطموح مجرد حلم عابر، بل تحقّق بالفعل، ومعه انطلقت مسيرته التي حملت الكثير من التجريب والجرأة. وأسس لاحقًا شركته «ميلكي واي إيميج» مع واي كا-فاي، وكرّس إنتاجها لأفلام تحمل هوية فريدة، قائلًا: «اشترطنا منذ البداية أن كل فيلم ننتجه يجب أن يكون أصليًا. وهذا ما لا زلنا نؤمن به حتى اليوم.»

وفيما يخص أسلوبه الإخراجي، وصف جوني تو نفسه بأنه مخرج «يعمل بالبديهة»، لا يعتمد على سيناريو مكتمل، بل يكتب ويتصوّر خلال التصوير، مشيرًا إلى أن اكتمال السيناريو قبل التصوير يُشعره بأن الفيلم قد انتهى قبل أن يبدأ.
وقدّم تو خلال الندوة لمحة عن طريقته الدقيقة في تصوير مشاهد الحركة، حيث شرح كيف يُدرّب الممثلين لأيام قبل دخول الكاميرا الحقيقية إلى موقع التصوير، حرصًا على أن تنفذ كل حركة بانسجام تام، دون أدنى هامش للخطأ.
واختتم تو حديثه بالإشارة إلى علاقته الوثيقة بفريقه التمثيلي، مؤكدًا أن العمل المتكرر مع نفس الممثلين ليس صدفة، بل نتيجة تفاهم عميق يُغني عن الشرح والتفصيل، ويتيح له الحفاظ على طاقته الإبداعية: «هم شركائي الصامتون… يفهمونني دون كلام.»