فاصلة

حوارات

بيتر برادشو لـ«فاصلة»: الصحف والمجلات لا بُد أن تدافع عن النقد السينمائي

Reading Time: 5 minutes

شهدت الدورة الماضية من مهرجان «كان» السينمائي الدولي منح الكاتب بيتر برادشو كبير النقاد السينمائيين في صحفية الغارديان البريطانية جائزة «الإنجاز النقدي» لهذا العام من مركز السينما العربية، تقديرًا لمسيرته النقدية المستمرة على مدار نحو ثلاثة عقود.

«فاصلة» التقت الناقد البريطاني المخضرم، وحاورته عن قضايا النقد السينمائي المختلفة وعن الدورة الماضية من مهرجان «كان»، والانتقادات التي واجهها المهرجان الفرنسي وتفاصيل أخرى كثيرة بعضها مرتبط بصناعة السينما العربية والأعمال التي شاهدها.

السياسة فرضت نفسها على كانّ

بدأ الحوار عن الدورة المنتهية من مهرجان كان السينمائي الدولي، وما صاحبها من رغبة إدارة المهرجان الابتعاد عن السياسة، على الرغم من فرض السياسية نفسها على فعالياته المختلفة، ولم يخفِ الناقد البريطاني شعوره بأهمية انخراط المهرجان بالسياسة بشكل أكبر، خاصة وأن المهرجان شهد أحداثًا ذات رمزية سياسية واضحة، أبرزها تمكن المخرج الإيراني محمد رسولوف من الهرب من اعتقاله المنزلي ليغادر إيران ويحضر عرض فيلمه الجديد «بذرة التين المقدس»  The seed of the sacred fig في المهرجان، حاصدًا جائزة لجنة التحكيم الخاصة بعد عرضه ضمن المسابقة الرسمية.

محمد رسولوف

يشعر برادشو بالإحباط إلى حد ما»، لحصول الفيلم على جائزة «أقل مما يستحقها»، وهي وجهة النظر التي أيدها عديد من النقاد ممن شاهدوا أفلام المسابقة الرسمية لـ كان، فيما يرجع برادشو اختلاف آراء النقاد على نتائج لجان التحكيم في المهرجانات في كثير من الأحيان؛ إلى اختلاف الأماكن والثقافات التي يمثلها المحكمين، ولجوئهم إلى المواءمات في منح الجوائز المختلفة، ما يجعل بعض الأعمال يطالها الظلم من وجهة نظر نقاد، خاصة إن كانوا ذوي منظور مختلف في قراءة الأعمال المتنافسة.

وأضاف برادشو أن تجربة عضوية لجنة التحكيم «صعبة» بسبب الأعمال الكثيرة التي يتم عرضها وضرورة الانتقاء من بينها، وهو الأمر الذي أدركه بعد مشاركته في عضوية لجنة تحكيم من قبل.

بيتر برادشو

 ويعتبر برادشو فيلم «بذرة التين المقدس» واحدًا من الأعمال السينمائية التي تمس المشاعر، متذكرًا لحظة رؤية رسولوف في مهرجان كان بأنها كانت لحظة «للمشاعر المتدفقة» بعد تضارب الأنباء عن حقيقة خروجه من إيران في أعقاب صدور حكم حبسه، ورحلة انتقاله إلى تركيا ومنها إلى أوروبا، مع صعوبة التنبؤ بإمكانية وصوله في الوقت المناسب لمشاهدة فيلمه مع الجمهور. وأكد برادشو أن صناع السينما الإيرانيين بحاجة للدعم والتشجيع في ظل الصعوبات التي يواجهونها، وعدم قدرتهم على مغادرة بلادهم أو تصوير أعمالهم فيها بحرية.

بيتر برادشو

ويؤكد الناقد البريطاني إصابته بالإحباط من فعاليات كان، لم تكن منخرطة بالعالم والمشهد السياسي بشكل كبير، في وقت كان يفترض أن تكون فيه هذه الدورة أكثر اتساقًا مع ما يمر به العالم من أحداث. إلا أن هذا لم يؤثر في رأي الناقد البريطاني المخضرم في أهمية المهرجان وأثره، فعلى مدى 25 عامًا تابع فيها برادشو مهرجان كان وطائفة من المهرجانات الدولية الأخرى، لا يزال يجد أن مهرجان كان السينمائي الدولي «من أهم المهرجانات السينمائية العالمية التي تقدم أفلام متنوعة»، وهو ما يجعله يشعر بالرضا عن الدورة المنتهية للمهرجان والأفلام التي شاركت فيها، على الرغم من تعمد المهرجان تهميش السياسة.

«مندوب الليل» يستحق الإشادة

وبفضل مشاركة برادشو في عضوية لجنة تحكيم مركز السينما العربية، شاهد الناقد البريطاني عدة أفلام عربية منها فيلمي «إن شاء الله ولد» لأمجد الرشيد، و«باي باي طبريا» للمخرجة لينا سوالم، مشيدًا بمستوى العملين من الناحية الفنية بشكل كبير.

وقال برادشو، أعجبتني لينا سويلم مخرجة فيلم «باي باي طبريا» وهي بنت الفلسطينية هيام عباس الممثلة المعروفة عند المشاهد الأمريكي والبريطاني، منذ مشاركتها في مسلسل «الخلافة»، ووصف فيلم «سويلم» الوثائقي بـ«الرائع».

وتطرق في حديثه للفيلم المغربي «عصابات» للمخرج كمال لزرق، الذي ينوي كتابة مقالًا في صحيفة «الجارديان»، وعن العمل قال إنه ممتع للغاية وتكمن متعته في كونه متأثرًا بالعالم الغربي مع لمسة خاصة ويعد دراما قاسية لكنه وجده جيدا جدا.

وعن الأعمال السعودية التي شاهدها، ذكر الناقد البريطاني أنه لم يشاهد كثير من الأفلام؛ لكنه شاهد فيلم «مندوب الليل» للمخرج علي الكلثمي مشيدًا بمستواه الفني وأداء بطله محمد الدوخي.

مندوب الليل

تساؤلات حول السينما السعودية

وعلى الرغم من أن الناقد البريطاني لم يحضر بعد أي من فعاليات مهرجان البحر الأحمر السينمائي في جدة، والذي دعم إنتاج الأفلام العربية التي شاهدها؛ إلا أن ما نقله إليه صديق له حضر المهرجان، يجعله يشعر أن المهرجان سيكون له دورًا مهمًا مع صناع الأفلام السعوديين «لأنهم سيجدون دعمًا لمسيرتهم المهنية والفنية» بما يجعلهم قادرين على تقديم مشاريعهم السينمائية المختلفة.

وأضاف أن هناك عديد من التساؤلات التي تطرح باستمرار بشأن السينما السعودية، وما إذ كانت الأفلام التي تقدمها المرأة السعودية ستحظى بنفس الدعم الذي تتلقاه الأفلام التي يقدمها صناع السينما من الرجال، إضافة إلى كيفية انخراط السعوديين بصناعة السينما.

لا ضير من ظاهرة مراجعات الأفلام على اليوتيوب

أما عن ظهور نقاد السينما عبر منصات إلكترونية مثل «يوتيوب»، ومشاركة المدونين والمؤثرين لآرائهم الفنية في الأفلام عبر تلك المنصات وجذبهم لقطاعات من الجمهور على الرغم من كون نقدهم غير احترافي؛ لا يجد الناقد البريطاني غضاضة في ذلك ولا مدعاة لقلق السينمائيين المحترفين، معلقًا بأن هذا مفهوم في إطار ظهور وسائل الإعلام الجديدة، وهو ما دفعه للظهور عبر اليوتيوب من منزله للتعليق على الأفلام، ويجد أن على النقاد المختصين أن يبادروا للتواصل مع الجمهور عبر تلك القنوات الجديدة بشكل أكبر، مع ضرورة أن تدافع المجلات والصحف عن فكرة النقد السينمائي مع تخصيص مساحات لها.

وأضاف أن وسائل الإعلام الجديدة فرضت على النقاد التواجد عبر طرق جديدة منها «البودكاست» وغيره، وهو الأمر الذي بات مرتبطًا بالتطورات التكنولوجية في وسائل الإعلام المختلفة.

ويرصد برادشو وجود اختلافات عدة بين الأجيال الجديدة من النقاد التي يراها تهتم بانطباعات الجمهور والتركيز على أمور عدة، وبين جيله الذي انخرط في كثير من التفاصيل بمراحل العشرينات والثلاثينات من عمره واستفادوا منها في كتاباتهم وبناء ثقافتهم.

ولا يفضل الناقد البريطاني الكتابة عن الأعمال السيئة، خاصة وأن طبيعة عمله تحتم عليه كتابة ما بين 5 إلى 6 مقالات بشكل أسبوعي عن الأعمال السينمائية المختلفة. مُرجعًا جزء من تفضيله للكتابة عن الأفلام الجيدة بسبب النظرة الشائعة عن النقاد باعتبارهم «متوحشين» تجاه الأفلام، وهو أمر خاطئ من وجهة نظره.

بيتر برادشو

وأضاف أن الناقد عندما يكتب عن فيلم باعتباره «سيئًا» يكون عليه الاستعداد لتحمل نتيجة مقاله والمخاطرة بانتقاد جمهور الفيلم وصناعه له، سواء بشكل مباشر أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي مؤكدًا على ضرورة أن يتفهم صناع الفيلم وجهة نظر الناقد بالعمل حتى مع شعورهم بالضيق مما كتبه.

اقرأ أيضا: «بذرة التين المقدس».. رسولوف سائرًا على الخط الرفيع بين الفن والسياسة

شارك هذا المنشور