يعالج الكاتب والمخرج الروماني بوجدان موريشانو في فيلمه الروائي الطويل الأول “العام الجديد الذي لم يأتِ أبداً” (2024) مرحلة سياسية مهمة من تاريخ بلده بأسلوب سينمائي يجمع بين التراجيديا والسخرية ومن خلالهما يقدم رؤيته للأحداث التي رافقت سقوط النظام الشيوعي في رومانيا. أحداث ساد فيها الخوف وكانت المفارقة الأعظم فيها كما يقول؛ أن هذا الخوف كان المحفز الأكبر للجماهير للمضي في ثورتها.
عن فيلمه المُتوج بجائزة الهرم الذهبي في الدورة ال45 (13 ـ 22 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024) لمهرجان القاهرة السينمائي، وذكرياته عن ثورة ديسمبر 1989 ضد الرئيس نيكولاي تشاوشيسكو يقول في حوار خاص ب”فاصلة”: “كنت في الخامسة عشرة من عمري آنذاك. أتذكر تلك الأيام جيداً. اِصطَحبتنا والدتي أنا وشقيقتي إلى الجامعة لمتابعة الأحداث. كانت شوارع العاصمة بوخارست مظلمة تماماً كما هو الحال دائماً في ظل النظام الشيوعي. الجو العام كان مشحوناً، والحشود صامتة لكنها متوترة، وكأنها تنتظر حدثاً عظيماً على وشك الوقوع. فجأة، بدأت الشرطة بإطلاق النار، شعرت بالرعب من أن تنتهي الاحتجاجات بالعنف، لكن الشعب قاوم، وكانت الثورة قد بدأت”.
شخصيات متعددة وواقع مأساوي
يتناول الفيلم قصصاً لعدد من الشخصيات المركزية؛ ممثلة، وضابط شرطة سرية، ووالدته، وصولاً إلى موظفين في التلفزيون العام، ومن خلالها يحاول تقديم صورة لمجتمع يعيش تحت وطأة القمع، صورة سينمائية تجمع بين المأساة والسخرية.
عن الشخصيات تلك وأي منها أكثر قرباً إليه يقول موريشانو: “الصبي الصغير يعكس الكثير مني، لكنني أشعر أيضاً بتواصل غريب مع شخصية المرأة العجوز. ربما لأن العالم الذي كانت تعرفه قارب على الانهيار، أو لأن الممثلة اِميليا دوبرين استطاعت تجسيدها بطريقة مؤثرة”.
اللاسيطرة والواقع المرير
يقارب النص السينمائي الإحساس بالعجز الذي عاشته شخصياته، حيث تبدو كل محاولاتها للتحرر محكومة بالفشل. يعلق موريشانو على ذلك الإحساس: “في ظل النظام الشيوعي، كانت رومانيا أشبه بسجن مفتوح. الشخصيات تعيش في متاهة من دون مَخْرج، وعندما جاءت الثورة، كانت بمثابة معجزة تحريرية غير متوقعة”.
الميثولوجيا اليونانية.. الملهم
يجمع الفيلم مأساة الواقع بسخرية القدر، مستلهماً ذلك الجمع الدرامي من وحي الأساطير اليونانية القديمة، وإليها يشير موريشانو: “الميثولوجيا اليونانية مليئة بقصص الأبطال الذين يحاربون الآلهة، ويتحدون مصائرهم المحكومة، وفي سبيلها يضحون بالكثير، لكن أبطال قصتي وفي نهاية المطاف، ليسوا بشجعان كما نظن، بل أن خوفهم هو من دفعهم للتمرد. هذه المفارقة هي التي تجعل الفيلم مأساوياً وكوميدياً في آنٍ واحد”.
الخوف كقوة تحررية
يختتم موريشانو حديثه بفلسفة لافتة في تَفردها: “في قصتي، الخوف هو البطل الحقيقي. الناس يضحكون خلال مشاهدة الفيلم بسبب هذه المفارقة، عندما يصبح الخوف في النهاية هو القوة المنقذة. هذا هو جوهر السخرية الإنسانية، وهو ما يجعل الفيلم عاكساً للحياة الحقيقية بكل تناقضاتها”.
اقرأ أيضا: نظرة على أبرز الأفلام العربية في «البحر الأحمر» السينمائي