بعد ثلاثة أجزاء سابقة وسنوات من التوقف، تعود سلسلة أفلام «فتيان أشقياء» المشهورة باسمها الإنجليزي “باد بويز Bad Boys” إلى صالات السينما، لكنها لا تزال غير قادرة على تقديم أكثر من الخلطة ذاتها المحمومة بالأكشن والنكات، مع أقل القليل من الأفكار الجديدة.
حققت الأفلام الثلاثة الأولى أكثر من 840 مليون دولار، وهو ما يمكن تفسيره باسمين: ويل سميث ومارتن لورانس. كما سيصادف العام المقبل مرور ثلاثة عقود على إصدار أول أفلام السلسلة الذي حمل توقيع المخرج مايكل باي.
وقت صدور الفيلم الأول كان مارتن لورانس يبلغ من العمر 30 عاماً، وويل سميث بالكاد 27 عاماً. كنا نعتقد أن لا أحد يحتاج إلى رؤية هذا الثنائي الذي يبلغ اليوم ستين عاماً تقريباً، وهما يطلقان النكات حول التقدم في العمر، والرصاص في كل مكان، خصوصاً بعد حادثة صفع ويل سميث لزميله كريس روك في احتفال جوائز الأوسكار عام 2022. لكن الأرقام تحكم، والمنتج جيري بروكهايمر عصر كل قطرة عرق وكل رصاصة من أفلام الأصدقاء «الأشقياء»، وفي هذا السياق، طُرح الجزء الرابع الذي حمل توقيع البلجيكيين من أصل مغربي عادل العربي وبلال فلاح اللذين أنجزا الجزء الثالث أيضاً.
مع «باد بويز 4» (Bad Boys: Ride or Die)، يعود الشرطيان الصديقان اللذان نعرفهما منذ وقت طويل. في الفيلم الجديد؛ ماركوس بورنيت (مارتن لورانس)، يعيش تجربة الاقتراب من الموت، ومايك لاوري (ويل سميث)، يواجه آثار الأبوة المفاجئة (كما اكتشفنا في الجزء الثالث)، بالإضافة إلى بعض الحبكات الفرعية، وطبعاً بعض الأشرار الجدد.
تبدأ القصة برؤية العازب الأبدي مايك (سميث) وهو يتزوج، بينما يتعيّن على ماركوس أن يقلق أكثر بشأن صحته بعد نوبة قلبية كادت أن تودي بحياته. قد تبدو هذه الأمور نموذجيةً لأشخاص على وشك التقاعد، لكنّ الأمور تتوتر وتتطور عندما يُتهم الكابتن هاورد (جو بانتوليانو) بالفساد بعد موته في الجزء الثالث. عندما لا يجرؤ أحد على الدفاع عن شرف الكابتن، يستمر مايك وماركوس حتى النهاية للعثور على الحقيقة، لكنّ هذا سيضعهما في دائرة الشك أيضاً ليصبحا مطاردين من الشرطة والأشرار. هذه هي الفكرة المحورية في الحبكة والتي تتطور من خلالها القصة بنفس أسلوب الأفلام السابقة، بين الأكشن والفكاهة الثقيلة للصديقين. كما تتطور شخصية أرماندو (جاكوب سكيبيو)، ابن مايك الذي التقينا به في الفيلم السابق، ويعود ريغي (دينيس غرين ــ الولد الذي التقينا به في الجزء الثاني، وهو اليوم زوج ابنة ماركوس)، بمشهد مفاجئ يثير الضحك ويسعد كل عشاق السلسلة.
من المسلّم به أنّ فيلم «باد بويز 4» لم يكن مدرجاً في قائمتي لإصدارات السينما المنتظرة بشدة لعام 2024، لكنني ما زلت سعيداً برؤية الفيلم على الشاشة الكبيرة.
يحمل العمل ديناميكية بطليه، ولا يزال مارك وماركوس، يدعمان ويضايقان بعضهما في جميع المواقف، ولا يزال الشريران ساذجين إلى حد ما، لكنّ الفيلم يسجّل ظهور ضيف أو ضيفين سوف يجعلان الجمهور يضحك، إلى جانب عودة مايكل باي لثوانٍ (لنرى من سيلاحظ ظهوره، كما فعل في الجزء الثاني). نعرف أن الفيلم لا يستطيع أن يقدم أكثر القصص بلاغة، لكنه يعتمد على كاريزما أبطاله، ومشاهد الأكشن. لذلك، اختر مشروبك المفضل، وأكبر دلو من الفشار، وسوف تستمتع بالترفيه الجيد.
وبالنظر إلى النجاح التجاري لفيلم «باد بويز 3» (Bad Boys for Life)، والحاجة الملحّة لويل سميث إلى الاندماج مجدداً في هوليوود، كان متوقعاً أن يجتمع مرة أخرى مع مارتن لورانس، لمواصلة عملهما كشرطيين في ميامي. وهذا ليس الشيء الوحيد الذي يمكن التنبؤ به في الفيلم، إذ يعدّ الشريط رحلة حنين إلى أفلام الحركة، وبسيطاً جداً بحيث لا نحتاج أبداً إلى استخدام عقولنا. لكن ما لم نكن نتوقعه، هو عدد الصفعات التي أكلها سميث من لورانس في الفيلم، كأنّ كريس روك كلّفه بالانتقام!
طبعاً، لا يوجد هنا عمق نفسي، أو خفايا شخصية، أو قصص معقدة، فالفيلم عبارة عن قيادة بأقصى سرعة، وطيران، وإطلاق نار، وتفجير كل شيء، واحتضان الكليشيهات القديمة بكل فخر. للمرة الرابعة، يعد هيكل الفيلم هو ذاته: مقطع كوميدي، ثم مشهد أكشن، ثم صراع عاطفي، هكذا حتى النهاية. لكن إذا كان هناك أي شيء يمكن أن يقال، فهو أنّ عادل وبلال، ضربا المسار وتفوقا حيث يجب؛ مشاهد الأكشن تسبّب الدوار، خصوصاً أنّها مستوحاة من جماليات العاب فيديو من خلال منظور الشخص الأول (First- Person Shooter)، وهو أمر مذهل.
مع «باد بويز 4»، رفع عادل وبلال مستوى الأداء الحركي مقارنة بالفيلم السابق، لكنهما ظلا أكثر تواضعاً مما كان عليه مايكل باي. كانا مقنعين ببعض الأفكار البصرية، كما تمكّنا من إحياء السلسلة وإحضارها إلى عصرنا. وبالنظر إلى النجاح التجاري الذي بدأنا نشاهده اليوم، وعدم ذكر كلمة تقاعد طوال الفيلم، أعتقد بأنّ الجزء الخامس لن يكون بعيداً. في النهاية، يمكن القول براحة ضمير إنّ «باد بويز 4» تجربة مرحة بقدر ما هي ممتعة.
اقرأ ايضا: «أرماند»… فيلم الكاميرا الذهبية بين المبالغة والتخبط