هل سمعت عن الرجل الذي قفز من ناطحة سحاب، وفي طريقه إلى أسفل وبعد مروره من كل طابق، ظل يقول ليُطمئن نفسه: “حتى الآن.. الأمر على ما يرام، حتى الآن.. الأمر على ما يرام، حتى الآن.. الأمر على ما يرام”… “لا يهم كيف تسقط، المهم هو الطريقة التي تهبط بها”.
«الكراهية» La Haine، فيلم من كتابة وإخراج ماثيو كاسوفيتز، المخرج الذي استخدم منصته، ليروي قصة حقيقية مستوحاة من أحداث جرت من حوله، أراد أن يعرض واقع فرنسا ويقلب الطاولة على باريس، صاحبة السمعة بأنها مدينة الحب. كما قال بنفسه: “يعتقد الناس أن باريس هي مدينة الحب، مدينة النور، لكن من حيث وجدت الحب تجد الكراهية، وأين ما وُجد النور وُجد الظلام”.
في «الكراهية» يتم إلقاء الضوء على ثقافة الشباب، من خلال تصوير يوم لثلاثة شبان يعيشون في الضواحي الباريسية، أحدهم غافل أن هذا هو يومه الأخير، ويركز تمثيل باريس بشكل كبير على تجربة المهاجرين في الضواحي خلال فترة التسعينيات، الشخصيات (فينس وهيوبرت وسعيد)، هي أكثر شيء مثير للاهتمام، وربما هي الشيء الوحيد الذي يتم تصويره حقا، في «الكراهية».
أولا، لدينا “فينس”، وهو رجل يهودي متهور يشجع على العنف ومتأثر جدا بشخصية “ترافيس بيكل” من فيلم “سائق تاكسي” ١٩٧٦ حتى أنه يقتبس بعضا من جمله المشهورة، ويمثل فينس خطر الكبرياء، والذي يتم اختصاره من خلال القصة التي يخبرها رجل غريب في حمامات عامة للثلاثي عندما يكونون في باريس، قد تحتار في البداية بشأن سبب روايته لها، ولكن عندما تنظر إليها، تجدها تعكس حقًا قصة حياة “فينس”.
تحكي القصة عن رجلين تم إرسالهما إلى معسكر خلال الحرب العالمية الثانية عن طريق قطار، وفي قليل من الأحيان كان القطار يتوقف لينزل الركاب ويذهبون إلى قضاء حاجتهم، ولكن أحد الرجال كان خجولا ولم يرغب في الذهاب لقضاء حاجته بالقرب من الجميع، لذا فقد ذهب بعيدا عنهم، في النهاية يبدأ القطار في التحرك فجأة، لذا عليه أن يركض للحاق به، ويمد راوي القصة يده لمساعدة الرجل. لكن كلما اقترب لكي يصل إلى يد راوي القصة يسقط بنطاله، فيرفعه ويبدأ بالركض. يتكرر الأمر حتى يصبح القطار بعيدا جدا في النهاية، ليترك في البرد القارس ويتجمد إلى الموت، يمثل هيوبرت اليد التي تصل لمساعدة فينس في التخلص من ميوله الغاضبة، ولكن في كل مرة عندما يقترب هيوبرت لإنقاذه، يصبح “فينس” متهورا مرة أخرى، وهذا ما يعيقهم، فبسبب كبريائه لن يتمكن “هيوبرت” من إنقاذه ومساعدته.
بالحديث عن “هيوبرت”، هيوبرت هو رجل فرنسي من أصل أفريقي وهو من دعاة السلام، شخصية “هيوبرت” تمثل الأحلام، وبشكل أكثر تحديدا حلم الابتعاد عن هذا المكان للابتعاد عن الوحشية. هذا الحلم يعوقه “فينس” وميوله الغاضبة وكبريائه الطاغي.
أخيرا، “سعيد” وهو فرنسي من أصل عربي ويمثل المقاومة، سعيد يقضي معظم وقته في العمل ضد القوى التي قمعته في القيام بأشياء غير جسدية، مثل الكتابة على الجدران وعلى سيارات الشرطة، وغالبا ما يكون على الهامش حول أي من أصدقائه يقف إلى جانبه، وأي طريقة للتعامل مع السلطة العليا هي الأفضل؟ بعنف مثل “فينس” أو سلميا مثل “هيوبرت”.
يتم تصوير الفيلم بالأبيض والأسود لأسباب جمالية واضحة ولكن قد يكون هذا اختيارا رمزيًا وربما يخبرنا أن العالم يرى شخصياتنا الرئيسية الثلاثة (فينس، وهيوبرت، وسعيد)، كأبيض وأسود فقط. وهذا أمر حتمي لسرد الفيلم الشعور السلطة بالاحتقار تجاههم كأفراد والمجتمع ككل.
هذه اللقطة تتميز على وجه الخصوص لسبب ما في فيلم مليء باللقطات المذهلة تبرز هذه اللقطة بسبب شكلها وما تمثله في الفيلم، يتم استخدام الكاميرا للتكبير بالعدسة والتحرك للخلف لخلق التأثير الذي تراه في المشهد. ولكنه يحمل أيضا معنى في سياق القصة. فشخصياتنا تعيش في الضواحي الباريسية عندما يكونون في بيئتهم الخاصة، خلال النصف الأول من الفيلم يستخدم الفيلم لقطات واسعة الزاوية، حتى يذهبوا إلى باريس في النصف الثاني من الفيلم وتكون هذه اللقطة هي الانتقال إلى باريس. و بعد ذلك يتم تصويره بتركيز أكثر، وهي طريقة أكثر شيوعا في أفلام القصص الخيالية مما يوضح أنهم لم يعودوا موجودين في بيئتهم الخاصة بعد الآن. فواقع الشخصيات الرئيسية هو الضواحي المتهالكة وليست باريس، والكاميرا تظهر لك ذلك.
الطريقة التي يبني بها هذا الفيلم الكثير من التوتر في كيفية إجبارنا على مشاهدة الوقت يمر كفاصل بين الأحداث الرئيسية، مما يجعلنا نقول لأنفسنا ” حتى الآن، الأمر على ما يرام. حتى نسقط بقوة في نهاية الفيلم, لأن الأمر كله يتعلق بالسقوط بطريقة ما, يبدأ وينتهي الفيلم بمشهد مشابه مما يخلق حلقة توضح أن السقوط لا ينتهي أبدا. فعادة تبدأ الأفلام بحالة توازن ثم هناك أزمة تكسر هذا السلام والتوازن (والتي تسمى الاضطراب) وتنطلق الشخصيات في رحلة (وهي طفرة الفيلم) تقودهم إلى استعادة التوازن في نهاية الفيلم أو القصة.
لكن في «الكراهية»، يبدأ الفيلم بالأزمة، ثم في النهاية لا نحصل على السلام والتوازن، بل تصبح أسوأ فأسوأ وبدلاً من العثور على حل لاستعادة التوازن، تواجهنا أزمة أخرى. مستشهدًا بالمقولة الشهيرة في الفيلم “لا يهم كيف تسقط المهم هي الطريقة التي ستهبط بها.”