يقف فيلم «أنا الاتحاد» لمخرجه حمزة طرزان على مسافة واحدة من كتابيّ (لماذا تلعب كرة القدم 11 ضد 11؟) للوثيانو برينيكى و (كرة القدم – الحياة على الطريقة البرازيلية) لأليكس بيلوس. ففي الكتاب الأول الذي يتناول قواعد اللعبة، نكتشف معه أهم أسباب نشوء مسابقة كأس العالم. أما الكتاب الثاني فيتحدث عن نجاح كرة القدم في محو الفروقات الاجتماعية وخلق حالة استثنائية في البرازيل. ويأتي فيلم «أنا الاتحاد» للمزج بين هذين العنصرين في ساعة ونصف الساعة لرواية قصة تأسيس أول نادٍ سعودي.
وللفيلم الذي قام ببطولته خالد الحربي وسناء بكر يونس وخالد يسلم وخالد الفراج أهمية عالية، إذ يحسب له السبق برواية قصة تأسيس نادي رياضي محلي بقالب درامي، ما أتاح له بجوار هذه الأولية، أن يقدم نموذجًا فريدًا وغير اعتيادي في توثيق جانب من التاريخ الشفهي عن مدينة جدة من جهة، ومن جهة أخرى عن تاريخ كرة القدم في شبه الجزيرة العربية، وذلك عبر السينما التي تعد وسيلة فاعلة في جانبي التأثير والديمومة، لما لها من قدرة سحرية في السفر عبر الحدود والعيش لعقود بذات الحيوية والدهشة الأولى.
ويحسب للفيلم الذي قامت إدارة النادي بتمويله ومراجعة مادته التاريخية، تقليص جانب توثيق الإنجازات والغوص في رصد الظواهر الرياضية والفكرية والاجتماعية. وكان لـ «أنا الاتحاد» أن ينحرف عن مساره لو اهتم بسرد بطولات الفريق منذ تأسيسه في 1927م حتى عام 2024م (سنة إنتاج الفيلم)، إذ سيتحول إلى مادة دعائية سرعان ما ستحفظ في الأدراج، وستكون في نطاق تداول محبي النادي الذين يقدرون بالملايين. فرغم هذه الأعداد الغفيرة إلا أنهم يصنفون بأنهم قلة وفي نطاق ضيق؛ لكون ما يجمع بينهم هو عنصر وحيد، ألا وهو حبهم لناديهم الرياضي. لذلك القيام بإنتاج مادة فلمية واسعة الاهتمامات ميزة دفعت المهتم بالفكر والتاريخ والسياسة وعلم الاجتماع، فضلاً عن محبي السينما، إلى مشاهدة الفيلم جنباً إلى جنب مع جماهير النادي الداعمين.
ومن أبرز الظواهر التي تم تسليط الضوء عليها في العمل هي قصة التأسيس، والتي لم تكن اعتيادية، تماماً كما هو الحال عند تأسيس أي منظومة، سواء أكانت رياضية أم خلاف ذلك. إذ يستحيل أن ينشئ أي تجمع بشري ويأخذ إطارًا تنظيميًا محددًا دون وجود رابط مشترك بين أفراده، فكان الرابط الذي جمع مؤسسي نادي الاتحاد هي ردة فعل على العنصرية التي قُوبل بها اللاعبون عند إبداء رغبتهم بالانضمام لأحد فرق الحارات آنذاك (فريق الحجاز)؛ بسبب لون بشرتهم أو طبقتهم الاجتماعية، فكان القرار أن يتم الانشقاق عن هذا الفريق وتشكيل فريق جديد، ويقوم على فكرة التصدي للعنصرية واحتواء كافة سكان المدينة المتنوعين في طبقاتهم الاجتماعية وخلفياتهم الثقافية وأصولهم العرقية للعب كرة القدم. المميز في سرد هذه الواقعة الشفهية (تم توثيقها في مقابلة مع المؤرخ أمين الساعاتي في جريدة الجزيرة – رقم العدد: 13903) بيان أن من قاد موجة الانعزال ورفض هؤلاء اللاعبين هم وجهاء جدة من التجار والمثقفين، ومن ضمنهم الأديبان المعروفان: حمزة شحاتة ومحمد حسن عواد، واللذان يتم ذكرهما دائما في كتب التاريخ باعتبارهما أحد رواد الحداثة والتنوير في المملكة!.
منحى آخر وضعه الفيلم على مسطرة التاريخ بكل رشاقة واقتدار، ألا وهو الأزمة الدائمة بين المركز والأطراف. إذ تم رصد مآلات وجود فريق يسعى إلى المنافسة وتحقيق البطولات بعيداً عن العاصمة، ما أوجد عدة تحديات إدارية وتنظيمية، بالإضافة إلى المكائد النابعة من الصلاحيات غير المقننة، ما تسبب في عرقلة المسيرة وصولاً إلى إغلاق أبواب النادي، والتهديد بشطبه من سجلات الرياضة المحلية. واستمراراً في الإلمام بتفاصيل حساسة ودقيقة في حقب سابقة، تم المرور على حقبة رئاسة يوسف الطويل صاحب المقولة الشهيرة «قدرة الله قوية.. والاتي غالي عليا»، والتي تحولت إلى أهزوجة يتردد صداها حتى الآن في مدرجات الاتحاد، الذي أطلق مبادرة إنشاء رابطة أهلية للأندية الرياضية في الحجاز، وخطوات أخرى لافتة، كان لها عواقب طالته شخصياً، وبالتأكيد مست الكيان الرياضي برمته.
أمام هذا الزخم التاريخي نجد أنفسنا أم فيلم مليء بالأخطاء الأدائية والإخراجية، فعلى الرغم من إمكانات المخرج التي لا يشكك في جودتها أحد، إلا أنه قَدَمَ أغلب المشاهد بشكل بسيط وباهت، وغلبت عليها الحوارات الطويلة والمملة، كما سقطت من بين يديه عدة مرات المهارات الأساسية في تصوير المشهد، حيث تم اللجوء إلى لقطات بعيدة وثابتة بدون أي دلالة أو توظيف، ما أظهر كافة الممثلين وهم يتناوبون على قول جملهم دون أداء تفاعلي يرتقي للقيمة التي يتكأ عليها الفيلم. بالإضافة إلى أن مواقع التصوير الداخلية كانت بلا حيوية من ناحية الديكور والألوان والإضاءة، فظهرت مناسبة أكثر لتصوير أعمال أقل تكلفة مادية وتميل إلى الاستسهال والبساطة غير المحبذةِ، وعلى العكس منها حملت المشاهد الخارجية شيئاً من الدهشة، وأتاحت للممثل والمخرج في نفس الآن إظهار إمكانياتهم الفنية بالشكل المرضي لهم ولنا كمهتمين بمجال صناعة الأفلام.
اقرأ أيضا: «ثقوب»… فيلم طموح أفسده التردد