فاصلة

مراجعات

فيلم «Bird».. لا نهاية سعيدة للفقراء

Reading Time: 3 minutes

تتميّز أفلام المخرجة الإنكليزية أندريا أرنولد بطاقة مثيرة ومميزة، وحشية وغير متوقعة، واقعية بشكل لا يصدق. تدرك المخرجة الرغبة الإنسانية العميقة في الانتماء إلى عالم نشعر فيه كأنه ملكنا. تكتب شخصيات مكسورة، من بيئات فقيرة مهمشة، محاصرة من قبل المجتمع، في نظام يسجن مستقبلها ويعيق آمالها، ويغلق جميع الأبواب التي فتحها الآخرون لها منذ الولادة. 

جديدها «بيرد» (Bird) لا يختلف كثيرًا بواقعيته عن أفلامها السابقة («حوض السمك» Fish Tank، و«عسل أميركي» American Honey). تلتقط المخرجة ببراعة الأجواء الخانقة التي تنشأ فيها مراهقة تشعر بالضياع في مجتمع يبدو أنه يفتقر إلى مكان لها. يرتبط توتر الفيلم ارتباطًا وثيقًا بالعواطف الخام لهذه المراهقة التي تسعى إلى تأكيد نفسها كشخص في عالم تشعر فيه أنّ صوتها غير مسموع، حيث تقع كلماتها على آذان صماء. ولكن في «بيرد»، لا تترك أرنولد شخوصها لواقعهم، بل تنقذهم بواقعية سحرية جديدة عليها وعليهم. إذ يندرج «بيرد» ضمن فئة قصص الابطال الخارقين المنقحة («بيردمان» Birdman-2014 لإيناريتو).

أندريا أرنول
Bird (2024)

في غرافسيند، إحدى ضواحي جنوب شرق لندن على ضفاف نهر التايمز، تعيش بيلي (نيكيا آدامز، في أول ظهور لها في السينما)، البالغة 12 عاماً. فتاة جامحة ومتمردة، ولكنها في الوقت نفسه ناضجة ومسؤولة بشكل مدهش. تعيش مع والدها باغ (باري كوغان)، الذي يبلغ 28 عاماً، وشقيقها هانتر (جايسن بودا) في مبنى سكني متهالك وفوضوي. ينامون على مراتب بلا ملايات، ليس لديهم الكثير من الأثاث، ويركبون سكوترًا كهربائيًا. باغ على وشك الزواج من امرأة التقى بها منذ ثلاثة أشهر، ويحاول تأمين تكاليف الزفاف من خلال مادة مخدرة يفرزها ضفدع! والدة بيلي لديها أيضًا ثلاثة أطفال صغار آخرين، يعيشون في ظروف مروعة مماثلة، مع صديقها العنيف. هنتر عضو في عصابة من الأطفال يعملون كمنفذين للعدالة «بدلًا من الشرطة»، يساعدون الضعفاء ويلقّنون المعتدين درسًا.

 بعد أحد هذه الأفعال، التي شهدتها بيلي، لا تتمكن الفتاة من العودة إلى المنزل بسبب الصدمة. عند شروق الشمس، في الحقل التي قضت فيه بيلي ليلتها، تلتقي ببيرد (فرانز روغووسكي). مظهره وحركات جسده غير العادية يهددان بيلي، لكن بيرد ليس من بيئة بيلي القاسية والعنيفة. يتحدث بهدوء وحساسية، وقبل أي شيء، يبدو متيقظاً لمن حوله. على عكس الرجال المحليين الذين يجدون صعوبةً في التعبير عن مشاعرهم وأفكارهم، فإنّ بيرد يقترب من العالم باهتمام رقيق. تنشأ صداقة غريبة وقصيرة الأمد بين بيلي وبيرد، وتحافظ المخرجة على عدم اليقين المحيط بشخصية بيرد: من هو؟ ومن أين أتى؟ هل هو موجود حقًا أم أنّه مجرد خيال؟

أندريا أرنول
Bird (2024)

يتبع الفيلم أحداث أسبوع واحد. وكما تعودنا من المخرجة، فإنّ المشاهد ليست مسرودة بشكل مفرط، على الرغم من أن الكثير يحدث في الفيلم. هناك الكثير من المعلومات في كل لقطة، والكثير من التوتر والتفاعل بين الحوارات والضوضاء وأغنيات البوب روك، بحيث يكون الشعور هو الفوضى والفتنة. تتفاعل الشخصيات التي تعرضت للضرب والجرح والتهميش، في قدرتها على المقاومة، وحبّ بعضها البعض بطريقتها الخاصة وإيجاد متعة في الرقص والغناء كترياق لكلّ شرور هذا العالم.

تتبنى أرنولد في الفيلم أشكالًا سينمائية من خليط غير متجانس (مثل الماء والزيت)، وتمنح بيرد قوة خارقة للطبيعة داخل واقعيتها بشكل مثير ومزعج. هناك حوار صاخب مستمر بين هذه الواقعية والخارق للطبيعة في الفيلم، لكنه لا يصرف الانتباه ولا يطغى على نقطة الاهتمام الحقيقية للفيلم، أي الدراما التي تعشيها بيلي. هذا التساؤل حول وجهة النظر التي يروى منها الفيلم، لا يثقل إلى حد ما الشريط، بل يجري بحرية على الشاشة، من دون أي نوع من القيود. حوارات الفيلم مرتجلة إلى حد ما، إذ تفضل أرنولد ترك البيئة تتحدث، ولا يحاول عالمها المرئي اتباع فكرة مدروسة بدقة، فهنالك الكثير من المجال للمصادفات. كما أنّ كاميرتها المحمولة ديناميكية، تشرك المشاهد أكثر وتجعله ينتبه عن كثب. تقترب كاميرا أرنولد أحياناً بشكل مزعج تقريباً من الشخصيات، فنحن نراها دائماً على مستوى العين، وهو مؤشر إلى أنّ أرنولد لا تحكم على شخصياتها أبدًا. 

Bird (2024)
Bird (2024)

«بيرد»، ليس الفيلم الأكثر لفتًا للانتباه لأندريا أرنولد، إذ تفتقر النهاية إلى التفاؤل المبهج، لأن أرنولد لا تنكر أنّ الجوهر والواقع لا يزالان من دون تغيير. هذه النهاية تلطف إلى حد كبير مشاكل المجتمع التي رأيناها طوال الفيلم. لذلك، فإن الاستمتاع بالفيلم يعتمد على موقفنا إزاء تجربة اللحظات الجميلة التي تُمنح لنا طوال مدة الشريط.

اقرأ أيضا: «رأس الممحاة»… عندما تصنع فيلمًا من الكوابيس

شارك هذا المنشور

أضف تعليق