فاصلة

مراجعات

«قاتل مأجور» يليق بـ ريتشارد لينكلاتر

Reading Time: 4 minutes

في التاريخ الطويل لأفلام القتلة المأجورين، كانت هناك طرق مختلفة للتعامل مع هذا النوع من الموضوعات والشخصيات، منها فلسفية ومنهجية، مثل فيلم ديفيد فينشر «القاتل The Killer» 2003، وطائفة الأفلام التي سبقته بداية من فيلم جان بيار ملفيل «الساموراي Le Samourai» 1976، إلى شخصية توم كروز في فيلم مايكل مان «كولاتيرال Collateral» 2004. وهناك أفلام بوليسية كثيرة بكل متغيراتها وخصائصها.

وهناك أيضًا الأفلام الكوميدية الساخرة، حيث يتم النظر إلى هذا النوع وهذه الشخصيات من منظور فكاهي. في «قاتل مأجور Hit Man» 2003، الفيلم الجديد للمخرج الأميركي ريتشارد لينكلاتر، تم الجمع بين هذه الأنواع بطريقة أو بأخرى. إنه فيلم كوميدي خفيف وفيلم بوليسي وفيلم فلسفي، بكل الفلسفة التي يطعم فيها لينكلاتر أفلامه.

لا يوجد قتلة مأجورون في فيلم «قاتل مأجور»، ولا في العالم الحقيقي. بعد دقائق من البداية، يصرّح لنا الفيلم أن «القتلة المأجورين غير موجودين في الواقع»، وأنهم صنع الثقافة الشعبية، من روايات وأفلام، لكن هذا لا يمنع الأشخاص الذين شاهدوهم في الأفلام وقرأوهم في الروايات من محاولة توظيف أحدهم. في الفيلم، تُستخدم شخصية القاتل المأجور، كلعبة وفكرة واستعارة. وربما يكون هذا الاختلاف الكبير، أو نقطة البداية للنظر إلى الفيلم بطريقة مختلفة. تلعب الحبكة بفكرة القاتل المأجور وما يثيره في العالم الحقيقي. وعلى الرغم من أن الفيلم مستند إلى «قصة حقيقية إلى حد ما»، كما أُعلن في بداية الشريط، ولكن يتم استخدام الشخصية غير الموجودة في العالم، للسماح لبطل الفيلم باكتشاف طبيعة الحقيقة.

قاتل مأجو
فيلم قاتل مأجو

البطل هو غاري جونسون (غلين باول)، أستاذ فلسفة وعلم نفس جامعي، يعمل أيضًا مستشارًا في قسم شرطة المدينة. مطلق، مهذب، يعيش مع قطتين، ويقود سيارة هوندا سيفيك. وحيد طوال الوقت، وليس لديه حياة اجتماعية تقريبًا. يرتدي ملابس أقل من عادية، ويعيش حياته كرجل متحفظ، بلا طموحات أو عواطف واضحة. ويقنعنا غاري – الراوي- أنه بخير على هذا النحو، وأنه لا يحتاج إلى أي شيء آخر ليكون سعيدًا. في أحد الأيام، سيتعين عليه بالمصادفة أن يتظاهر بأنه قاتل مأجور في منتصف عملية للشرطة للقبض على شخص يحاول توظيفه. تتضمن المهمة انتحال شخصية أحد هؤلاء المجرمين، وترتيب لقاء مع الشخص الذي استدعاهم، وتسجيل طلبه تنفيذ الجريمة ودفعه مقابل المهمة. لا أحد يصدق أن غاري يمكنه القيام بذلك بشكل جيد – حتى هو نفسه – لكن الرجل ممثل جيد بشكل مدهش ويتمكن من القبض على العشرات من الأشخاص الذين يريدون التخلص من شخص ما لأي سبب كان. إنه يحب هذه الذات الأخرى كثيرًا إلى درجة أنه يبدأ بدراسة «عملائه» المحتملين ويقدم نفسه لهم بمظهر وشخصيات مختلفة.

في أحد الأيام، يواجه أكبر تحدٍ له، امرأة تدعى ماديسون (أدريا أرغونا)، تريد توظيفه لقتل زوجها. يصل بشخصية مغايرة، وباسم مستعار، هو رون الرجل الجذاب الوسيم. هناك انجذاب من النظرة الأولى، ومع معرفة تاريخ الفتاة، يشفق غاري/رون عليها ويقنعها بعدم توظيفه. يقعان في الحب، تتوالى الأحداث والأكاذيب والجرائم، بينما يجب عليه منع الشرطة من اكتشاف هذه اللعبة المزدوجة التي يلعبها بالتواطؤ مع المرأة.

قاتل مأجو
مشهد من فيلم قاتل مأجو

هذه الحبكة الملتوية التي تتضمن تقلبات عدة، توضح لنا أننا أمام فيلم لا يمكن وضعه في خانة واضحة، بل غنه يستدعي كذلك تيمتين رئيستين ومتلازمتين في أفلام النوار، وهما تيمة المرأة القاتلة Femme fatal، والخيانة، والجمع بين الجنس والموت. ولكن أيضًا يوجد الرومانسية والإثارة، وقبل أي شيء، الكوميديا السخيفة. وتحت كل هذه الخفة الظاهرة، هناك فلسفة نيتشه وأفكار فرويد النفسية وذلك التأمل في الهوية الفردية والجماعية.

يدعونا مخرج فيلم «صِبا Boyhood» 2014، وثلاثية «بيفور Before»، إلى الضحك من دون التخلي عن السحر السينمائي، في فيلم فائق التطور يتغير ويغير الأقنعة تمامًا مثل بطله. يعزف لينكلاتر لحنًا مألوفًا له: الخفة اللطيفة، ونضوج السينما الذكية والمضحكة. يحتوي الفيلم على ارتباك الهوية والخداع والفكاهة السوداء والحسية وأيضًا القدرة على عدم أخذ كل شيء على محمل الجد. إنه مختلف تمامًا عن السينما الحالية إلى درجة أننا لا نستغرق سوى دقائق لمعرفة أننا أمام فيلم جيدًا جدًا.

مشهد من فيلم قاتل مأجو
مشهد من فيلم قاتل مأجو

من بين المهارات العظيمة التي يتمتع بها لينكلاتر، قدرته على اقتراح تأملات حول أفكار كبيرة وعميقة من خلال أشكال سردية خفيفة. وهنا يقترح أن هوية المرء يمكن تعديلها بقوة الإرادة والممارسة، وبالتالي، فإن لدينا واجب تغييرها للأفضل. ويسأل: هل يمكن للمرء أن يغيّر هويته؟ أم يفترض نفسه بطريقة معينة و«يحكم» على نفسه بالعيش بهذه الطريقة إلى الأبد؟ ويتحول الفيلم بشكل غير مباشر إلى انعكاس شبه مدرسي لعلم النفس بين الهو، والأنا، والأنا العليا. وهي المفاهيم التي يطرحها الأستاذ على طلابه بينما هو في الواقع يطرحها على نفسه. 

إن شخصيات الفيلم المصممة بدقة، هي انعكاس للسلوك البشري، وكيفية تصميم الذات التي نظهرها للشخص والموقف. ويوضح الفيلم أنه يمكننا أن نفعل ذلك من خلال إخراج ثقتنا الذاتية المتأصلة إلى السطح، وأن نصبح حازمين وواعين بأنفسنا، حتى لو كنا خجولين ومنعزلين وغير واثقين من أنفسنا من قبل.

يعرف لينكلاتر كيف يصنع فيلمًا عميقًا بدون جدية، ولا يحاول التحكم طوال الوقت، ويؤمن بقوة السينما والخيال أكثر من أي شيء آخر. ولقد أظهر مرارًا أنه يعرف كيف يفعل هذا وهنا ينجح. ما يبدو في البداية كأنه كوميديا لطيفة، يتحول تحت إشراف لينكلاتر إلى كوميديا غريبة فلسفية ممتعة حول كذبة تذهب إلى حد أنها تكاد تصبح حقيقة. يتمتع بعض صناع الأفلام بشخصية قوية إلى الحد الذي يجعلنا غير منزعجين من الإملاءات المحددة للقصص التي يروونها، وهذا يفسر لماذا، على الرغم من تركيزه على الجريمة والفساد وعلم النفس والفلسفة، فإن فيلم ريتشارد لينكلاتر الجديد خفيف الظل ومريح للغاية، وأحد أكثر أفلام الكوميديا السوداء إشراقًا على الإطلاق.

اقرأ أبضا: الأعراض الجانبية للمشاهدة الاستعادية

شارك هذا المنشور