يسجل الفيلم الفلسطيني «ما بعد» للمخرجة مها حاج حضورًا مبكرًا في المهرجانات الدولية الكبرى، بعد اختياره للمنافسة في مسابقة الأفلام القصيرة لمهرجان لوكارنو السينمائي الدولي. ويعرض الفيلم بحضور مخرجته مها حاج المصرة دائمًا على التمسك بهويتها الفلسطينية وعرض أفلامها تحت علم فلسطين مهما تعددت جهات الإنتاج.
في فيلمها الجديد، اختارت حاج لبطولته عددًا من أهم ممثلي السينما الفلسطينية منهم الرائد محمد بكري الذي حصل على العديد من الجوائز عن أعماله، ويشاركه البطولة عرين العمري وعامر حليحل.
خلال مشاركتها في مهرجان لوكارنو، التقت فاصلة المخرجة الفلسطينية التي اشتهرت بتناولها غير التقليدي لآلام وأوجاع الفلسطينيين وكان لنا معها هذا الحوار
ما هو موضوع فيلمك الجديد «ما بعد»؟
الفيلم فيه حالة رمزية يمكن للمشاهد أن يلتقطها عند مشاهدته. أما الأحداث فتدور حول الزوجين المنعزلين سليمان ولبنى، يعيشان الثنائي في مزرعة منعزلة. يهتمان بالأشجار، ويُجريان مناقشات ساخنة ومستمرة حول خيارات حياة أطفالهما الخمسة. وفي أحد الأيام يصل شخص غريب منزلهما ليكشف لنا حقيقة مروعة. والفيلم فيه كثير من المفاجآت سيراها من يشاهده.
وكيف كانت مراحل العمل على الفيلم؟
كتبت الفيلم في يونيو 2023 وبدأت تصويره في يناير هذا العام، ووقتها بدأت في التجهيز لشخصياته، واخترنا الفنانين، وكانوا كلهم متحمسين الحمد لله. والتصوير انتهينا منه في خمسة أيام، ثم أنهينا كل التفاصيل الفنية الأخرى مع نهاية مارس.
وبخلاف ذلك معي فريق فني مميز، مدير التصوير أوغستين بونيه ومونتاج فيرونيك لانج وموسيقى منذر عودة وصوت محمد أبو حمد ومهندس الديكور ساهر دويري. والفيلم من إنتاج شركة أوغست للأفلام وهو إنتاج مشترك بين فلسطين، وإيطاليا وفرنسا للمنتجين حنا عطالله ورونزا كامل، ويعتبر هو ثاني إنتاجاتهم السينمائية.
كيف تصفين سنوات ما قبل إخراج فيلمك الأول ومتى شعرت بجاهزيتك للإخراج؟
الحقيقة اني بدأت طريقي كـ Art Director أو مصممة فنية، وعملت مع إيليا سليمان في فيلم «الزمن الباقي» في 2009، وبعدها عملت فيلم «الصدمة» لزياد دويري. ومن هذه التجارب المميزة اكتسبت خبرتي في السينما، ولكني لم أشعر في لحظة بعينها أني جاهزة، فحينما بدأت العمل على فيلمي وبدأ أول يوم تصوير، شعرت لوهلة أني غير جاهزة.
هناك طاقم كبير ينتظر توجيهي لهم، وقرارات كثيرة تنتظرني لآخذها، كان عندي خوف بطبيعة الحال، ولكني شعرت أنني بالمكان الصحيح وقادرة على هذا العمل، وبعدما عرض وجاءت ردود الأفعال الجيدة وكان للفيلم حظ للعرض في كان السينمائي، شعرت بالامتنان والسعادة.
ولكن كيف توصلت لقرارك بضرورة صناعة فيلمك الخاص؟
لم تكن مسألة شعور بـ «ضرورة» لصنع فيلم. فقط شعرت أني أصبحت جاهزة ولدي ما أقوله وأحكيه. لم أدرس السينما أو الإخراج أو كتابة السيناريو، بل الخبرة والحدس الشخصي هما ما جهزاني للعمل في السينما. وعن نفسي أؤمن أن السينما انعكاس لما يملكه المرء من ثقافة فردية شخصية، ومحصول ما يضعه من جهد في مشاهدة أفلام وقراءة كتب ومطالعة معارض الفن وغيرها من مصادر تنمية الوعي. وما أتذكره أنني من صغري لدي شغف وحب للسينما، كان عندي حلم، وهذا الحلم جاء متأخرًا بحياتي، حيث قدمت أول أفلامي الطويلة وأنا في الخامسة والأربعين. وذلك بعد أن كنت قد كتبت سيناريو فيلمي الأول «أمور شخصية» في 2014، ثم قررت أن أخوض مغامرة الإخراج رغم كل التردد والخوف الذي كنت أشعر به. وقبلها في 2009 كان لي فيلم قصير اسمه «برتقال» وشاركت به في مهرجان مونبلييه السينمائي.
لماذا قررت كتابة أفلامك بنفسك من البداية؟ ألا يعتبر دور المخرج أسهل في الصناعة إذا ما تفرغ للإخراج فقط؟
لم أفكر في الأسهل حينما فكرت في فيلمي الأول، لأن شغفي الأكبر كان بكتابة السيناريو، خاصة أني صاحبة الفكرة وأنا أفضل من يكتبها ويطورها ويبلورها.
أنا أفضل أن أكتب أفكاري بنفسي والكتابة تمنحني متعة من نوع خاص، فحينما أنتهي من تجهيز السيناريو، وأتلقى الثناء والمديح؛ أشعر بقيمة العمل. والكتابة هواية صعبة، ولكن النتيجة مرضية جدًا لأني شاهدت خطوات نمو هذا المشروع بنفسي. وانتهيت الى الشعور بالتحقق والانجاز لما أصبح عليه في النهاية.
يشيع بين العاملين بالصناعة أن المهرجانات العالمية تنتقي أفلامها طبقًا لدستور سياسي محدد، كيف تقرأين هذه الأجندة؟
أفلامي طبعًا فيها جانب سياسي لا يمكن تجاوزه، لكني أُبقي البعد السياسي دائمًا في الخلفية، لذا لا يمكن وصف أي فيلم من أفلامي بأنه «فيلم سياسي» وكفى.
أفلامي هي أفلام فلسطينية تهدف إلى زيادة الوعي العالمي بفلسطين وشعبها وقضيتها. وآخر فيلم تصل رسالته عبر حكاية أناس يعيشون تحت سيطرة الاحتلال، ولكن عندهم هواجس أخرى قد يشتركون فيها مع بقية العالم.
مثلا، في فيلم «حمى البحر المتوسط»، كانت الحكاية عن وليد، هذا الإنسان الفلسطيني الذي يعاني الاكتئاب. هذه الشخصية سيشعر بها أي شخص يعرف معنى الاكتئاب، وليس شرطًا أن تكون فلسطينيًا لكي تفهم مأساة وليد.
إذا استعرضنا افلامك كلها، ما هي الخطوط الأساسية التي تحرصين على وجودها في كل فيلم؟ وما الذي ضمن لأفلامك أن تكون بضاعة مرغوبة في المهرجانات العالمية؟
لا يمكنني أن أصف الفيلم بأنه بضاعة، وإذا تحدثت بشكل أكثر دقة عن عملي بالسينما؛ فأنا لا أقدم سينما تجارية، ولا أهدف أصلا إلى عمل فيلم بغرض البيع، ولا أنشغل بخلطة بعينها تضمن ان يحب هذا المهرجان أو ذاك فيلمي.
الفن بالنسبة لي ليس ثوبًا أخيطه وأفصله بمعايير كيانات وجهات أخرى، حتى ولو كانت هذه الجهات هي مهرجانات سينمائية كبيرة ومهمة. لكن في المقابل، أعمل ما أحب. أنفذ الأفلام التي أحب أن أراها كمشاهدة في المقام الأول. نعم صادف ذلك أن يلتقي هذا الفيلم بمعايير ذاك المهرجان، لكن بالتأكيد لم يكن هذا أمرًا مخططًا له، وعدم ذهاب أحد أفلامي لأي مهرجان هو أيضا صدفة، ولكني كمخرجة لا أتابع ما يحبه المهرجانات ولا اشغل بالي بذلك وهو آخر همي. نعم المخرج يهمه أن يصل فيلمه الى أهم المنصات والفعاليات العالمية، ولكن ليس هذا هو ما يحركه من البداية، فأنا حينما أصنع فيلم، أعيش فقط مع الفيلم، بقصته وموسيقاه وحواره وشخصياته وحبكته وكل مكوناته الفنية، ولا أفكر في المستقبل.
يرى بعض السينمائيين ضرورة للمباشرة في أعمالهم التي تحمل همًا أو قضية. هل فكرت أحيانًا في اللجوء إلى هذا الطريق؟
أنا لا أحب السينما المباشرة ولا أقدمها، ولا أحب تلقين الدروس. بل أحب أن يخرج المشاهد من الفيلم بعد أن يكون مر بتجربة فنية ذات زخم، هزته وأثرت فيه ودفعته للتفكير. وأن يكون قد اختبر مشاعر متباينة مثل أن ينتعش ويبكي ويضحك وغيرها. إنما تقديم دروس في التاريخ والجغرافيا فهذا ليس فنًا. قد يكون هذا لون من ألوان السينما، ولكنه بالنسبة لي ليس فنًا.
ولكن ألا ترين أن الحوار المباشر أحيانا هو الطريقة الوحيدة المفهومة في ظل الإصرار على غربلة الحقيقة من جانب الإعلام مثلًا؟
أتفهم أنه ربما يكون مطلوبًا في بعض الأوقات، ولكني لأني لازلت أتحدث هنا عن نفسي كمخرجة، فأنا لست المخرجة التي ستصنع هذا النوع من الفن، وسأقولها لك مجددًا مستحيل أن أصنع فيلم لا أتصور نفسي حاضرة له كمشاهدة، ما لا أحب مشاهدته، ببساطة لا أصنعه! وهناك مخرجين آخرين يحبون هذا الأسلوب، ولكني لست منهم.
لك تجربة مختلفة مع فيلمك الأول الذي شارك فيه إنتاج إسرائيلي. إلى أي حد ترين أن الاستفادة من مصادر وإمدادات سلطة الاحتلال، مفيدة أكثر من المقاطعة القاطعة؟
من تجربتي الشخصية وبدون أن أعمم أو أتطرق الى زملائي، أخذت تمويلًا من صندوق الدعم الاسرائيلي وقتها لأنه كان فيلمي الأول واسمي لم يكن معروفًا، وكان من الصعب أن أجد إنتاجًا يراهن عليّ. ووقتها حاولت التواصل مع منتجين من فرنسا وألمانيا وبعض الدول العربية ولكن لم يكن أحد يرغب في المشاركة في الإنتاج، كانت الردود كلها تنطلق من كوني غير معروفة وبالتالي صعب الرهان على المشروع، ولم أجد بدًا من اللجوء لدعم صندوق الفيلم الإسرائيلي، وكنت أعرف من وقت مبكر أن ذلك لن يعجب الكثيرين، وأنه لن يلق دعما من الدول العربية، ولكني بنفس الوقت كنت محاصرة بين خيارين واضحين؛ إما أن أصنع فيلمي بهذا الدعم الاسرائيلي أو ألا أقدم فيلمي الأول أبدا، ولا أية أفلام أخرى حتى بعده، فقررت أن أختار التمويل وخضت في رحلة مع الفيلم صرت فيها أذهب لكل فعالية أوروبية لأشرح أبعاد الموضوع خاصة أن قانون 2014 يشترط بتعريف الفيلم بأنه إسرائيلي لو كانت جهة إنتاجه إسرائيلية، وذلك بغض النظر عن صناعه أو مؤلفه أو مخرجه أو طاقمه، هكذا خاض الفيلم رحلته، ولحسن الحظ حصل على تقييمات فنية جيدة، خدمت فيما بعد الفيلم الثاني الذي كانت له فرص جيدة وقت إنتاجه بدخول تمويلات مختلفة، بخلاف الحظ الأفضل لاحقًا في البيع والتوزيع وأيضا تم تعريف الفيلم بأنه فيلم فلسطيني وهو شيء كان مهمًا جدًا بالنسبة لي. وقتها شعرت أنني تخطيت هذه المرحلة ولست مضطرة للعودة اليها أبدًا، لست مضطرة لقبول أي تمويل من إسرائيل لأنه أصبح لي اسمي والطريق أمامي مفتوح.
إذن فكرتِ بشكل براغماتي فيما يمكن أن يحدث لصالحك كصانعة أفلام، حتى ولو كانت الإمدادات من العدو نفسه؟
الحقيقة أن الحصول على تمويل من إسرائيل أمر هين وسهل، ولو كنت أرغب في الطريق السهل والسريع لكنت واصلت الحصول على هذه التمويلات، بل إن ذلك كان سيسهل عليّ الحصول على إنتاج مشترك من عشرات الجهات الأوروبية التي تفضل الإنتاج المشترك مع إسرائيل، ولكني اخترت الطريق الأصعب. وبالمناسبة هذا الطريق الذي اخترته في البداية، لم اختره وحدي، بل هناك صناع سينما فلسطينيين آخرين لجأوا لنفس الحل، والكل يدرك أن تجميع مصادر التمويل هي مرحلة شاقة ومضنية وقد تستغرق أحيانًا خمس وست سنوات، ولكني اخترت لاحقًا أن ابتعد عن التمويل السهل، لأنه مهم بالنسبة لي أن يتم تعريف فيلمي على أنه فيلم فلسطيني، وأن يكن متاحًا للمشاهدة بالعالم العربي كله ولا يتعرض للمقاطعة بسبب تمويله. وبالطبع هذا شيء يعود لكل مخرج، وأنا لا أفرض رأيي على أحد ولا أنصح أحد، ولا حتى أنظر على أحد أو أخوِّنه، كل إنسان وقراره.
بخصوص هذا الموضوع؛ كيف كانت شعورك تجاه معاقبة المهرجانات العربية لك ومقاطعة فيلمك وقتها؟
تضايقت طبعًا، لأني عربية فلسطينية وكنت أتمنى أن يكون هناك امتداد لهذا الشعور بيننا كعرب، ولكن وقتها مهرجان بيروت رأوه مُنتج اسرائيلي، ولم آخذ موقفًا منهم لأني أفهم وجهة نظرهم، ولكني أيضًا لم تكن أمامي أي طريقة أخرى لبدء مسيرتي السينمائية إلا بقبول هذا التمويل، أو في المقابل عدم تقديم أفلام بالمرة.
وبالطبع لم يكن في صالحك عدم تقديم أية أفلام بالمرة؟
هناك سينمائيين قالوا لي هذا! أنه كان من الأفضل ألا أقدم أية أفلام؛ وذلك مقابل عدم قبول هذا التمويل، ولكني كنت أريد المضي كمخرجة، كنت أريد التحرك للأمام، وأنا أخذت المخاطرة وأنا أعرف عواقبها، ولا يمكنني أن أقول إني غاضبة من مقاطعة الدول العربية لفيلمي الأول، لأن هناك حسابات كثيرة تحكم تقديراتهم، حسابات لم تر أن الفيلم فيه رسالة فنية ومضمون فلسطيني، ولكن هذا ما صار على أي حال.
هل ندمت على هذا القرار لاحقًا؟
لا، لم أشعر بالندم لأنه كما قلت لك لولا هذه المرة الأولى، لما كان سيصير أية إمكانيات لكل ما تلاها من خطوات ومشروعات سينمائية. وبالمناسبة الدول العربية كانت في كل الحالات لن تدعمني بسبب جواز سفري (تحمل حاج جواز سفر إسرائيلي كونها تنحدر من أسرة فلسطينية بقيت داخل الأراضي المحتلة ولم تغادرها)، والمكان الذي كنت أقف فيه وقتها لم يجعل في يدي وفرة من الخيارات، فالإجابة هي: لا! لا أشعر بندم، لكني لا أخفيك أيضا أنني أشعر بغصة، لأني في قلبي كنت أتمنى أن يتم تعريف الفيلم الأول رسميا على أنه فلسطيني.
اختياراتك كلها تتحدث عن ميلك الشخصي للمغامرة، بداية من قبول إنتاج إسرائيلي، ثم تحيتك لشيرين أبو عاقلة على مسرح كان السينمائي. هل هناك مغامرات أقدمتِ عليها وراجعت نفسك بعدها؟
أبدًا، ولا مرة شعرت بالندم أو راجعت نفسي، حتى حينما تمر سنوات واكتشف أن هناك قرار قديم غير سليم، لا أندم. كل تجربة حتى إن كانت غير موفقة؛ فيها درس أتعلمه. ووقت التحية إلى روح شيرين شعرت بما قلته بشكل عفوي دون التفكير في أية عواقب. وقتها كان لدي شعور بالغضب والحزن والاستنكار، وإعجابي بها وشعوري بالمسؤولية تجاه تكريمها، ووجودي على منصة مضيئة، كل هذا أشعرني أنه يجب عليّ ذكر اسم شيرين، ولا يهمني ما كان سيحدث غدا.
هل ترين أنه يمكن لصانع السينما العربي أن يغير النظرة النمطية للعرب في المجتمعات الغربية؟ وهل حاولت ذلك من خلال أفلامك؟
حينما أكتب لا أفكر فيما يفكر فيه الجمهور الذي سيحضر الفيلم، ولا تشغلني قضية تغيير فكرتهم أو وجهة نظرهم عنا. أفكر فقط في القصة، وإخلاصي كله للسيناريو والشخصيات التي ألاحقها بكل مشاعري وبكل الهواجس التي بداخلي، بخلاف أننا لو نظرنا إلى «الكليشيهات» في أفكارهم عنا، سنجدها كلها صور تعكس جهل، وأنا لا أستهدف الجهلاء بفني وأفلامي. وحينما أحكي قصة في فيلم لا أحاول إقناع المشاهد الغربي بأننا «بني آدمين» مثلهم، ذلك لا يعنيني! بخلاف اننا كعرب لسنا أصلا في حاجة لأن نقنع الغرب بأننا منفتحين ومتعلمين ومثقفين، فنحن عندنا كل الطوائف والتصنيفات. العالم العربي ليس قرية، العالم العربي مثله مثل كل مكان في العالم فيه شيء من كل شيء، وأنا كسينمائية لا أرى أنه جزء من واجباتي أن أصحح الأفكار المغلوطة، أفلامي تعرض الحقيقة فقط.
وفي سياق متصل أنا لا أرى أننا نشبه الغرب، بل نحن مختلفون، لدينا أصالتنا ومقوماتنا وملامحنا وتراثنا وأخلاقنا. لا نحاول أن نكون مثلهم ولا هدفي أن أريهم أننا مثلهم.
حينما تحدثت عن أزمة البحث عن انتاج لفيلم «حمى البحر المتوسط»، قلت إن بعض الجهات التي عرضت الفيلم عليها رفضته لأنه «لم يكن فيلمًا فلسطينيًا كما توقعوا». ما النمط الذي يتوقعه الغرب من الفيلم الفلسطيني؟
صناديق السينما الأوروبية عادة حينما أخبرهم أنه فيلم فلسطيني، فإنهم يفكرون مباشرة أن الفيلم لا بد أن يكون فيه حواجز وسور فاصل وجنود يضربون ويعذبون وقصف ومخيمات وقنابل، هذا بالنسبة لهم هو الفيلم الفلسطيني، ولو كان لا يعكس هذه الصور، لا يمكنهم فهمه، ويرون أن هوية المخرج كفلسطيني هو شيء لا يكفي ليمنح الفيلم أيضًا هويته كفيلم فلسطيني، وما حدث مع «حمى البحر المتوسط»، أنه في مرة قرأته إحدى الجهات وشاهدوا أن القصة حول انسان مكتئب، فقالوا لي إن هذه المشاعر والتجارب موجودة في أفلام غربية وسألوني ما الذي في الفيلم يجعله فلسطينيا؟ ولم يهتموا بدعمه لهذا السبب. وعلى ناحية أخرى كان هناك آخرين مهتمين.
وصفت نفسك من قبل أنك مخرجة «ميلانكولية» (ذات مزاج سودوي). هل تعجبك أفلام تيم بيرتون وبيرغمان وهاينيكي؟
نعم، أحب هذه الأفلام وأفلام كروننبرغ وغيره. لا أستطيع حصر أسماء بعينها، والسوداوية التي أميل لها في السينما ليست سوداوية بالمعنى المباشر، بل أميل لروح الفكاهة أيضًا، فإذا كنت متشائمة ولا أرى نورًا في نهاية النفق، فلا يزال لدي حس الفكاهة لأن الكوميديا هي ما تنقذنا من الواقع، والسخرية عموما صفة من صفات الشعب الفلسطيني.
لكن ألا ترين أن صناعة أفلام سوداوية تحرمها من الانتشار الجماهيري؟
ربما، ولكني لا يهمني هذا، حينما أكتب، لا أفكر إلا بالقصة وكيف أحكيها وكيف يصل شغفي للناس، ولا أفكر من هو الجمهور أو كم اعمارهم أو ما هي حالتهم النفسية والاقتصادية، لا أفكر أيضًا فيمن سيشاهد الفيلم إن كانوا نقادًا أو جمهور عادي، وفيلمي الأخير كان رد الفعل عليه كله إيجابي حتى وهو يدور عن انسان مكتئب.
بماذا تحلمين اليوم؟
أحلم اول شيء بوقف العدوان على غزة وأن يعاد تعميرها وأن يقف كل الظلم، والشر ينتهي على كل فلسطيني مهجر في مخيمات اللاجئين. أحلم بالسلام للعالم. أما سينمائيا فعندي فيلم جديد أحلم بتصويره العام القادم. وفي يدي فيلم آخر اكتبه أريد التحضير له قريبًا.
فيلمك القادم أيضًا عن فلسطين؟
أتخيل أنه صعب علي كفلسطينية أن أعمل أي فيلم ليس عن فلسطين، أو بمنأى عن القضية، لا أعرف حتى ان احكي قصة حب إلا إذا كان في خلفيتها فلسطين.
فلسطين بالقلب، ولا أستطيع فصل هويتي عن القصص التي أرويها، لا يمكنني استثنائها أبدًا مما أرويه.
عن مها حاج
مها حاج ولدت في الناصرة وتخرجت من الجامعة العبرية في القدس وتخصصت في الآداب الإنجليزية والعربية.
كتبت وأخرجت الفيلم القصير «برتقال» عام 2009 والذي فاز بجائزة الجمهور بمهرجان مونبلييه بفرنسا والفيلم الوثائقي «خلف هذه الجدران» عام 2010.
وفي 2016 أخرجت فيلمها الروائي الأول «أمور شخصية» والذي ترشح لجائزة نظرة ما بمهرجان كان السينمائي الدولي، وفاز بجائزة آرتشي لأفضل فيلم طويل في مهرجان فيلادلفيا السينمائي وجائزة النقاد في مونبلييه لسينما البحر المتوسط.
فاز فيلمها الأشهر «حمى البحر المتوسط» بجائزة أفضل سيناريو
بمهرجان كان السينمائي الدولي بقسم نظرة ما، إضافة إلى العديد من الجوائز العالمية الأخرى كما رشحته دولة فلسطين لتمثيلها في جوائز الأوسكار.
اقرأ أيضا: هيام عباس: هويتي السينمائية عالمية لكني لا أنسى جذوري الفلسطينية