أُسدل الستار الأسبوع الفائت عن الدورة الخامسة لـ «مهرجان عمّان السينمائي الدولي – أول فيلم»، الذي يركز على الإنجازات الأولى في صناعة الأفلام.
تمحور المهرجان هذه السنة حول شعار «احكيلي…» المستوحى من الحاجة الملحة إلى رواية قصصنا واستعادة سردياتنا. هذا الشعار، بمعناه الواسع انعكس على الأفلام المشاركة، خصوصًا الأفلام الوثائقية التي جاء معظمها شخصيًا جدًا.
حصد «ق» للمخرجة اللبنانية الأميركية جود شهاب، جائزة «السوسنة السوداء» لأفضل فيلم وثائقي، مع تنويه خاص لمونتير الفيلم فهد أحمد لعمله الأول.
«ق»، حكاية ثلاثة أجيال من العائلة نفسها، صبغت حياتهن وعلاقتهن بالـ«القبيسيات»، الجماعة الدعوية النسائية الإسلامية. تروي جود في فيلمها علاقة جدتها مع هذه الجماعة، ثم والدتها هبة، التي أثرت بها الجماعة بشكل كبير بعدما تركتها، وتأثير كل هذا على جود نفسها. والدة جود هي العامود الفقري للفيلم، نراها تقريبًا في جميع المشاهد وهي تتحدث عن الجماعة، وتأثيرها على حياتها، تركها لهن، وعلاقتها بالدين والحياة وزوجها وأولادها. «ق» فيلم حميمي خاص جدًا، لا يمكن ألا يمسنا بحنيته، وروحانيته الصوفية. لم تحاول جود الحكم على عائلتها لارتباطها بهذه المجموعة، بل كان فيلمها عبارة عن أسئلة، تحاول من خلالها العثور على أجوبة، ومنها إخراج والدتها من المعضلة الدينية الوجودية التي وجدت نفسها فيها. «ق»، فيلم يجب الوقوف عنده، بسبب حساسيته الدينية الإسلامية، وكذلك بسبب رقته، وطريقة جود في طرح هذا الموضوع الحساس والشخصي.
كذلك، فاز وثائقي «حلوة يا أرضي»، للمخرجة الأردنية الأرمنية سارين هايربديان بجائزة لجنة التحكيم، وجائزة الجمهور، وجائزة «فبريسي» التي يقدمها الاتحاد الدولي للنقاد السينمائيين.
«حلوة يا أرضي» رحلة بلوغ سن الرشد تحت ستار فيلم طريق، حيث النضج وصل أبكر من المعتاد، بسبب الحرب والتهجير والإبادة. قصة الفيلم تدور أحداثها في جبال القوقاز، وتتتبّع صبيًا يبلغ 11 عامًا يدعى فريج، نشأ في آرتساخ (ناغورني قرة باغ)، تلك الجمهورية التي تنازع عليها كل من أرمينيا وأذربيجان، واندلعت فيها حرب ناغورني قرة باغ عام 2020.
يرصد الفيلم حياة فريج وقريته الخلابة المليئة بالألغام من حروب سابقة. تتخذ حياة فريج منعطفًا عندما تندلع الحرب، مما يجبره على الفرار مع عائلته، ويقضي أيامه في المنفى منتظرًا النصر، ولكن الأرمن يخسرون الحرب. عند عودته إلى قريته، يواجه الدمار وديناميكيات القوة الجديدة والتعليم الذي يعد الأطفال للمعارك المستقبلية. يجب أن يتعلم فريج القتال، وفي الوقت نفسه أن يعيش طفولته ويحقّق حلمه بأن يصبح طبيب اسنان. الفيلم شهادة عن شعب آرتساخ، الذي واجه الحروب التي شكلت وعيه وصموده عبر الأجيال.
فيلمان يحملان طابعًا سياسيًا حربيًا، لهما علاقة بالاحتلال الأميركي للعراق وأفغانستان. الأول هو فيلم «إخفاء صدام حسين» للمخرج النرويجي الكردي هلكوت مصطفى والثاني «بوابة هوليوود» للمصري نشأت نصار.
كان إلقاء القبض على الرئيس العراقي السابق صدام حسين على يد القوات الأميركية في ديسمبر 2003 بعد مطاردة استمرت تسعة أشهر، قصة حدثت على مرأى ومسمع من العالم أجمع. وحقيقة العثور عليه مختبئًا في حفرة صغيرة في مزرعة على بعد تسعة أميال خارج مسقط رأسه في تكريت، زادت من الانبهار العالمي. بعد عقدين من الزمن، يقدم هلكوت مصطفى قصة هذه المطاردة والاختباء، من وجهة نظر مزارع عراقي يدعى علاء، آوى صدام حسين لمدة 235 يومًا. يشرح علاء كيف ولماذا اخفى صدام حسين كل هذه المدة، من خلال اعترافات مباشرة على الشاشة. ومن خلال الاعتراف المباشر للكاميرا وتمثيل الأحداث ولقطات ارشيفية، صنع هلكوت مصطفى فيلمًا مقيدًا، يفتقد للإثارة على الرغم من أهمية القصة المروية. «إخفاء صدام حسين»، فيلم بليد نوعًا ما، اختار فيه المخرج الطريق السهل لنقل قصة لعبت دورًا في تشكيل تاريخ المنطقة. إن الشيء الوحيد المثير في هذه الحكاية والوثائقي، هي اعتراف علاء بأسباب حماية الرئيس العراقي رغم الكلفة المحتملة والمكافأة المالية المرصودة للقبض عليه والبالغة 25 مليون دولار. إن إكرام الضيف والضيافة العربية والعلاقة بين الضيف والمستضيف وتميز العرب بإكرام الضيف، لعبت دورًا كبيرًا في هذا الإخفاء.
الفيلم السياسي الحربي الثاني، هو فيلم المخرج المصري إبراهيم نشأت «بوابة هوليوود». في اليوم التالي للانسحاب الأميركي من أفغانستان، تحركت حركة طالبان على الفور لاحتلال مجمع بوابة هوليوود، وهي قاعدة سابقة لوكالة المخابرات المركزية الأميركية في كابول. في هذه القاعدة، تجد حركة طالبان تركة الجيش الأكثر تقدمًا من الناحية التكنولوجية التي خلفها وراءه؛ طائرات وأسلحة ومعدات عسكرية قيمة. يأمر ملاوي منصور، قائد القوات الجوية المعين حديثًا، جنوده بجرد وإصلاح كل ما في وسعهم، بينما يصل مختار، الذي كان متحمسًا لغزو العالم يومًا ما، إلى بوابة هوليوود بهدف بناء مهنة عسكرية رفيعة المستوى.
بينما يركز ملاوي منصور ومختار على تحقيق أقصى قدر من أهدافهما الشخصية، يواصل رفاقهما إصلاح الأسلحة التي تركها الأميركيون وراءهم. في الوثائقي، نرى الأسلحة التي استخدمتها أميركا وحلف الشمال الأطلسي ذات يوم، وقد أصبحت في أيدي طالبان. وعلى مدار عام، نشاهد تحول طالبان إلى نظام عسكري بأدوات ومعدات عسكرية كبيرة.
فيلم لبناني ثانٍ، شارك في مسابقة الأفلام الوثائقي العربية، هو «واصلة» لرين رزوق. فيلم شخصي جدًا، تحاور فيه رين صديقتها وابنة خالتها نيكول، التي تفصح فيه عن علاقتها بإدمان المخدرات منذ أن كانت في الثالثة عشر من عمرها، وصولًا إلى علاقتها بعائلتها ومنطقتها، ورحلة علاجها من هذا الإدمان. ومن جهة ثانية، تروي رين علاقتها مع هذا الوثائقي، الذي استغرق منها تقريبًا 11 سنة لتصويره. في «واصلة»، حكاية شابتين، اخذتهما الحياة في طريقين مختلفين، اجتمعتا لترويا لنا حياتهما وعلاقتهما بالحياة، والعائلة، والجنس، في وطن لا تزال فيه آثار الحرب الأهلية تؤثر على جيل لم يعشها.
المخرجة القطرية حميدة عيسى، قدمت فيلم «مكاين الروح»، وهو رحلة استكشافية بيئية إلى القارة القطبية الجنوبية. بينما تتعمق حميدة في عالم ماضيها الموروث من أشرطة فيديو والدتها، تنطلق حميدة في رحلة بحثًا عن هويتها في طبيعة قطر وتراثها، بينما يعرض الوثائقي، تقابلًا بين اثنين من المناظر الطبيعية المتباينة، صحراء انتاركتيكا الثلجية وصحراء قطر الرملية. «مكاين الروح»، هو تباين بين العصرية والتقاليد وبين الطبيعة والحضارة، فيما يعتبر أيضًا بمثابة رسالة حب إلى والدة المخرجة ووطنها والطبيعة الأم.
اقرأ أيضا: «الثلث الخالي»… من يملك السلطة؟ المال أم الصحراء؟