فاصلة

مراجعات

«ولاد رزق 3: القاضية»… اخدعني ثلاث مرات وأنا راضٍ

Reading Time: 5 minutes

لم يكن فيلم «ولاد رزق» (2015) من تأليف صلاح الجهيني وإخراج طارق العريان مجرد فيلم تجاري جيد لنجم محبوب، بل كان مفاجأة حقيقية على مستوى صناعة السينما المصرية. أغلب تفاصيل هذه الفيلم كانت في مستوى أعلى وأفضل من كل الأفلام المصرية الأخرى، مشاهد حركة ممتعة، ومطاردات سيارات متقنة في شوارع مصرية معروفة، وحبكة يمكن مشاهدتها عدة مرات والاستمتاع بها في كل مرة، بجانب تقديم نوع غير معتاد جدًا في السينما المصرية وهو أفلام السرقة (Heist films). هذه التفاصيل معًا قدمت فيلمًا يرفع راية التسلية بثقة، دون أن يغفل الإتقان.

مع هذا النجاح كان هناك إلحاح من الجمهور لصناعة جزء ثانِ، وزيارة ولاد رزق مرة أخرى، ليأتي الجزء الثاني بالفعل في 2019، ويمكن القول إنه اتبع المَثَل الأمريكي الشهير «If it ain’t broke don’t fix it» (إن لم يكن معطوبًا لا تحاول إصلاحه)، إذ سار صناع الفيلم على نفس خريطة الجزء الأول بحذافيرها تقريبًا، دون التضحية بالجودة. حقق الفيلم نجاحًا أكبر من سابقه، وكان هناك إشارة في نهاية الفيلم لوجود أفلام أخرى لشخصيات من نفس عالم ولاد رزق تبدأ مع شخصية الشايب (آسر ياسين)، وهو لم يحدث حتى الآن.

بعد غياب 5 سنوات، وارتفاع سقف الإنتاج في مصر، وظهور كثير من الأفلام التي تستخدم مفاجآت (Twists) في نهايتها، وتُفجِّر الكثير من السيارات في أحداثها، صار «ولاد رزق 3: القاضية» مطلوبًا منه ما هو أصعب لإرضاء الجمهور المتشوق.

زيارة جديدة لشخصيات مألوفة

تبدأ الأحداث بعد مرور بضع سنوات على نهاية أحداث الجزء الثاني، إذ شق كل من الأخوة طريقه في أعمال قانونية وابتعدوا تمامًا عن السرقة والنصب، لكن مواجهة مع عدوهم القديم صقر (سيد رجب) تدفعهم لتنفيذ عملية سرقة ضخمة لساعة يد نادرة تقدر قيمتها بعشرات الملايين من الدولارات ستُعرض في الرياض وعليهم سرقتها هناك.

لا يضيع سيناريو الفيلم وقتًا في تقديم الشخصيات أو حتى في الدخول في أحداث العملية الجديدة، بل يستفيد من كون المشاهد كون صداقة بالفعل مع ولاد رزق ويعلم من هم جيدًا، ويعرف أعداءهم أيضًا. نتعرف بشكل عابر على مصير رجب (أحمد الفيشاوي) الذي لا يظهر في هذا الجزء نتيجة وجوده في السجن في قضية مخدرات، بينما لا يرد ذكر لعاطف (أحمد داود)، التابع المخلص لأولاد رزق، والذي يحل محله تابع جديد هو الكوري (أداء شديد التميز من علي صبحي).

هكذا نجد أنفسنا منذ الدقائق الأولى في قلب الأحداث، وهو تحدٍ صعب لصناع الفيلم، إذ يدفعهم لإبقاء الإيقاع سريعًا ومتلاحقًا طوال مدته، دون أي فرصة للتمهل والتقاط الأنفاس عبر التمهيد الذي استخدم في الجزء الأول أو استخدم بشكل أقل نسبيًا في الجزء الثاني. وقد نجحوا بالفعل في تقديم الأحداث بتلك السرعة اللاهثة، بتوازن دقيق بين مشاهد الأكشن والتشويق وبعض الكوميديا، وحتى مشاهد الأكشن نفسها كان لها ميزانها الحساس، وهو ما سنذكره لاحقًا.

ولاد رزق 3: القاضية

الطريف أن صناع «ولاد رزق 3» يزيدون من درجة التحدي بجعل الفيلم منذ البداية يدور في قالب عملية واحدة كبيرة، عكس الجزئين السابقين اللذين ضما عدة عمليات قبل الوصول لعملية السرقة/النصب الرئيسية، لكن هذا التحدي هنا كان في محله، إذ يجعل أحداث الفيلم أكثر ترابطًا من الجزء الثاني. 

المعنى الحقيقي للسلسلة

ما الذي يجعل سلسلة «Mission: Impossible» (المهمة المستحيلة) تختلف عن سلسلة جيمس بوند؟ بسهولة سنجد لكل منهما جيناته الخاصة، مثل اعتماد الأولى على الفريق وعلى وجود مهمة اختراق لإحدى الجهات ذات التأمين العالي، بينما تعتمد الثانية على المهارات الفردية والقتالية لشخص واحد.

ورغم تعدد أجزاء كلا السلسلتين فإن المشاهد ينتظر تفاصيل بعينها في كل فيلم، لن يصبح دونها هذا الفيلم مخلصًا لسلسلته أو لجمهوره.

يمكن القول إن صناع «ولاد رزق» نجحوا في صناعة «جينات» خاصة بالسلسلة بالفعل، سيبحث أي مشاهد عنها بمجرد بدء الفيلم، خاصة في الجزء الثالث، قد تكون أبسط هذه التفاصيل هي التعليقات الكوميدية المليئة بإشارات جنسية، لكن على جانب أكبر وأعقد، هناك طريقة سرد الأحداث التي تعتمد على الفلاش باك من منظور إحدى الشخصيات في كل مرة، أمام الشخصية الشريرة الرئيسية، وهو ما نجده مستمرًا هنا أيضًا. وبالتأكيد لدينا الخدعة الكبرى التي يعدها الأشقاء للوصول إلى هدفهم، والتي كانت على قدر شديد من الطرافة والذكاء في هذا الجزء.

تجدر الإشارة إلى صعوبة الأمر في ثالث الأجزاء، إذ بينما لم نكن ننتظر شيئًا في الجزء الأول، فإن صناعة «تويست» في الأحداث تصبح أمرًا إضافيًا ممتعًا، وبينما انتظرناها دون عشم كبير في الجزء الثاني فإن المفاجأة نفسها كانت شبيهة إلى حد كبير بالجزء الأول، مما يجعل المشاهد متحفزًا جدًا في الجزء الثالث لمحاولة اكتشاف أو توقع ما سيفعله ولاد رزق، ولكن سيناريو صلاح الجهيني كان متفوقًا في ذكائه هذه المرة.

ولاد رزق في موسم الرياض

عند الحديث عن مخرج مثل طارق العريان، فنحن أمام واحد من أكثر المخرجين الناجحين في تقديم زيارات جديدة للأماكن التي شاهدناها أو نعرفها. فرغم مرور عدة سنوات على فيلم «الباشا» (1992)، فإنه لا يزال صامدًا في تقديمه للمقطم، ومطاردات السيارات هناك بصورة لم نشاهد مثلها كثيرًا حتى اليوم. 

في «القاضية»، يحافظ العريان على زيارة بعض الأماكن التي اعتدناها والتي تميز السلسلة بالفعل، مثل شقة الأشقاء في عين الصيرة، والمكان الذي يجتمعون فيه لوضع خططهم. لكنه ينتقل لمسرح جديد كليًا وهو مدينة الرياض. 

هنا يمكن أن نلاحظ قدرة المخرج على توظيف الميزانية والمكان في خدمة فيلمه، وليس أن يكون ظهور الرياض مقحمًا على الأحداث. بالتأكيد يعد ما قدمه العريان دعاية بصرية ممتازة لمدينة الرياض، ولكنه يدرك أنه يقدم فيلمًا كبيرًا وليس إعلانًا دعائيًا للمدينة. هكذا يختار المخرج أن يكون كل مكان يصور فيه في الرياض بمثابة محطة محددة لمشاهد الحركة. فهنا ستكون مطاردة السيارات، وهنا القتال بالأيدي، وهكذا، ليضم الفصل الثاني من الفيلم تتابعات حركة طويلة، ولكنها ممتعة ومتنوعة. بل ويُستخدم المونتاج لمتابعة أكثر من خط في وقت واحد لمضاعفة حالة التشويق.

في الحقيقة أهم ما حافظ عليه «ولاد رزق 3: القاضية» هو الإخلاص للمتعة والتسلية مع الإتقان، إذ يضيف هذا الفيلم إلى متعة وتميز الأجزاء السابقة، ويقف بقوة كعمل مميز في نوعه (الحركة والجريمة) في السينما المصرية. لا يخلو بالتأكيد من بعض المآخذ البسيطة، التي يمكن أن تطرح كتساؤلات في الحبكة قرب النهاية، لكنها لا تنتقص على الإطلاق من تميز الفيلم.

اقرأ أيضا: كومبارس اللحظة بطل الحياة.. النظر إلى مفهوم البطولة من زاويةٍ حادة

شارك هذا المنشور