فاصلة

مقالات

كومبارس اللحظة بطل الحياة.. النظر إلى مفهوم البطولة من زاويةٍ حادة

Reading Time: 4 minutes

هل يمر بك شعورٌ من وقت لآخر بأنّ دورك هامشيٌّ في عملك/ مع عائلتك/ مع من هم في محيط علاقاتك؟  هل تختبر الحالة التي يراودك خلالها ذاك الإحساس المقيت بأنك غير مرئي، أو شفاف كشبح كاسبر، الأمر الذي يودي بك لتصنيف نفسك «كومبارس اللحظة». 

أنا لا أستطيع هنا إنقاذك من ذلك الشعور، لكني سأتجاوز ذلك إلى النظر في عمق هذا المفهوم نفسه برغبة عميقة في نفيه، والمنطق يؤكد ذلك: ففي جهتك من الحياة، أنت البطل المطلق، وكل التفاصيل المحيطة بك تراها من (زاويتك الخاصة | Point Of View camera) وفعلك أو عدمه عبر المواقف المختلفة هما محركا الأحداث، وإن هزمك شعورك.

عبر الأدبيات الشعرية وقصص المخيال الشعبي تحضر البطولات بشكل مضخّم ومثير، لأسباب منطقية، تتعلق بوسيط القص الشفوي الذي يتطلّب جذب الانتباه والاستماع والإمعان في الوصف التصويري الذي يوسّع المخيلة، وهو أمر ليس سهلاً على الحاكي والمستمع، عبر التاريخ وصلنا من البطولات القتالية في أبيات المعلّقات، وحكايا السيرة الهلالية، وأساطير صراعات الإنس والجن، وغيرها.

فيلم stranger than fiction 

بطولة إجبارية

في السينما الأمر نسبي كما أزعم -إذا ما تجاوزنا توجهات أفلام الأبطال الخارقين ومنقذي العالم من نهايات محتومة-. مثلًا قد تجد نفسك البطل المطلق قسرًا، كما حصل مع شخصية مايكل كورليوني (آل باتشينو) في فيلم «العراب» (The Godfather)، في البداية نراه شاب طموح ونزيه، بعيد عن نشاطات عائلته الإجرامية، بطل عائد منتصرًا من الحرب العالمية الثانية، ورجل يطمح لحياة مستقلة ومشروعة بعيدًا عن تأثيرات عائلته، ولكن بعد محاولة اغتيال والده فيتو، يجد مايكل نفسه مضطرًا للدخول في عالم الجريمة لحماية عائلته.

the godfather

هذا القرار يغير مسار حياته بشكل جذري، فيتخذ قرارات حاسمة، مثل قتل خصوم عائلته، بما في ذلك قادة عائلات مافيا، وضابط فاسد (ماككلوسكي)، وينزلق تدريجيًا إلى عالم الجريمة، رغم محاولاته السابقة للابتعاد عنه. ومع مرور الوقت، يصبح مايكل أكثر عزلة وفقدانًا لبراءته الأصلية. يتحول من شاب بريء إلى زعيم مافيا قاسٍ ومتعطش للسلطة.

إنّ البطولة التي يكتسبها مايكل كورليوني في «العراب» ليست بطولة نمطية، لم يسعَ إليها بأي شكل، بل وجد نفسه مجبرًا عليها لحماية من يحب. هذا التحول يقدم نظرة عميقة على تأثيرات السلطة والواجب العائلي على الأفراد، ويُظهر كيف يمكن للبطولة أن تكون عبئًا ثقيلًا، ومصدرًا للألم والعزلة.

لا رفض للبطولة 

في أحيان ما قد نرفض البطولة، برغم التصاقها بنا كجلدنا، حين تصنفنا الحياة مسؤولين، فنقاتل هذا الدور إلى أن نستسلم. 

فيلم «إخوة ليلى (Leila’s Brothers)» فيلم دراما إيراني من تأليف وإخراج سعيد روستايي، عُرض لأول مرة في مهرجان كان السينمائي لعام 2022. 

يحكي الفيلم قصة ليلى، امرأة تبلغ من العمر 40 عامًا، أمضت حياتها في رعاية والديها وإخوتها الأربعة، وسط عائلة تعاني من الضغوط المالية المتراكمة. وفيما تتيقن ليلى أن عائلتها محطمة اقتصاديًا، وأفرادها غارقون في البطالة والديون، تقاتل وحيدة شعورها الثقيل بأنهم عبؤها. 

في المشهد الأول لليلى، تظهر في مركز متواضع لخدمات التدليك، حيث مدلكة تحاول مساعدتها في الاسترخاء والتخلص من آلام ظهرها التي تبدو جلية للمشاهد عبر خطوط الدموع المذروفة بصمت. ليلى كما يشي عنوان الفيلم هي البطلة، لكن كل الإرهاصات التي تحملها تجعلها في مواضع متفرقة في الفيلم تتبنى بطولة مضاعفة للتخلص من دور بطولتها العائلي! حيث تحتال مرات، وتستضعف في أخرى، وتغضب في مرات أكثر، في إبراز ٍلدور ٍنوعي من نفور البطل من دوره.

هل أنتِ البطلة؟

في فيلم الدراما المصري «ريش» (Feathers) الصادر عام 2021 من إخراج عمر الزهيري، تحضر بطولة ملتبسة، حيث يقدم الفيلم قصة عائلة مصرية فقيرة يتغير مسار حياتها بشكل غير متوقع عندما يتحول الأب إلى دجاجة بعد خطأ في أحد عروض السحر، فتضطر الأم إلى تحمل مسؤولية الأسرة بالكامل، بما في ذلك البحث عن وسيلة لكسب العيش، والتعامل مع المجتمع المحيط، والتحديات الاقتصادية الكبيرة بينما تعتني بأطفالها. 

فيلم ريش

إن البطولة الملتبسة التي أتحدث عنها هو اضطرار الزوجة (التي لعبت دورها دميانة نصار) أن تكون بطلة البيت والعائلة، قبل أن تقهرها الحياة في مواقف اقتصادية واجتماعية مختلفة. مع التأكيد على أن تأثير الوجوم الدائم التي ظهرت فيه، مع لقطات بسيطة جدًا من التعبير، هو الذي يعزز شعورًا مربكًا لدى المشاهد حول حقيقة البطولة والتباس مفاهيمها عند الإمعان في الدور من منظور المراقب، ويجعلك تتساءل كما لو أنك تبحث عن شخص: هل أنتِ البطلة؟ والغريب أن دميانة ستنظر لك بوجوم وشبه حياد، وستعرف يقينًا بأنها كذلك.

الوعي بالبطولة

في فيلم الأنمي الياباني « «Spirited Away الصادر عام 2001 من إخراج الأسطورة هاياو ميازاكي، نتابع قصة فتاة صغيرة تدعى تشيهيرو، تذهب مع أبويها في رحلة للانتقال إلى منزل جديد، لكنهم يتوقفون عند متنزه ترفيهي مهجور، يتحول فيه والدا تشيهيرو إلى خنزيران بعد تناولهما طعامًا مسحورًا. 

تجد تشيهيرو نفسها في عالم سحري مليء بالأرواح والآلهة الغرائبية، وتضطر للعمل في منتجع خاص للأرواح تحت إدارة ساحرة تدعى يوبابا؛ كي تجد طريقة لإنقاذ والديها والعودة إلى عالمها الحقيقي. بالطبع وجدت أنّ الفيلم يحمل العديد من الرسائل العميقة والرمزية، خاصة في التركيز على تصوير التوازن بين البشر والطبيعة، ولكني في مواضع متفرقة كنت أتساءل عن وعي تشيهيرو بذاتها كبطلة؟

بمعنى؛ هل كان ميازاكي مخاتلًا في إظهار بطولتها بشكل يعكس عمرها الغرير كطفلة تصطدم بعالمِ سحري؟ حيث أننا كمشاهدين نجد أنّ وسائلها وغاياتها تتوارى لحساب أحداثٍ أخرى، وكأنما يقف أحدهم أمامها بريموت خافض للصوت في مواضع ويرفعه في أخرى. ولكن، هل أثّر ذلك على جودة الفيلم؟ بالتأكيد لا. وقد أراهن أنه أحد أسباب نجاحه.

إنّ أبرز السمات المشتركة التي ميّزت أساطير الأبطال عبر العصور كانت الشجاعة الفائقة: في مواجهة الأعداء أو التحديات الكبيرة. والإيثار والتضحية: فالأبطال غالبًا ما يضحون بكل غال وثمين، بما في ذلك حياتهم، من أجل الصالح العام أو لحماية أحبائهم. والقوى الخارقة -سواء كانت جسدية أو عقلية-، ومثالية الأخلاق بمعايير عالية، تجعلهم قدوة يحتذى بها. والصمود والمثابرة التي تعكس قوة الإرادة والعزم. والرؤية الواضحة لمستقبل أفضل، أو أمل بعيد. كذلك التأثير الكبير على الآخرين إلهامًا وتحفيزًا بأثرٍ يمتد إلى ما هو أبعد من أفعالهم الفردية.

قد تفكر بعد هذه الأوصاف بشخصية جلجامش، وهرقل، وجون سنو، ومولان كذلك، لكني شخصيًا أفكر بالفيلم الذي تعيشه أنت بشكل يومي معافرًا فيه الحياة.

أمر أخير، بحسب تعداد سكان العالم وصلنا اليوم إلى ما يزيد عن 8,114,172,551 نسمة، لكلٍّ منّا في هذه اللحظة فيلم من بطولة مطلقة يحدث الآن.

اقرأ أيضا: «باد بويز»… ولو في الستّين!

شارك هذا المنشور