لا يمكن لأحد أن يتهم جاك أوديار بأنه مخرج يكرّر نفسه، أو أنه غير قادر على تنويع أشكاله السينمائية. الفرنسي الذي بدأ مشواره السينمائي في الثمانينيات ككاتب سيناريو، قادر على تغيير نغمة أفلامه من البداية إلى النهاية، وهذا ما فعله في فيلمه الجديد «إميليا بيريز»، الذي عُرض ضمن المسابقة الرسمية لـ «مهرجان كان »، والمرشح القوي لنيل السعفة الذهبية.
جديد أوديار فيلم غنائي، من مفاجآت هذا المهرجان الكثيرة، تلعب فيه زوي سالدانا، دور محامية مفلسة تتقاضى أجراً زهيداً في مكسيكو سيتي، وفي بداية الفيلم تبدأ بالغناء حول غياب العدالة في بلدها. ثم تتلقى مكالمة هاتفية من تاجر مخدّرات لا يرحم، يخبرها بأنّه يريد أن يحوّل جنسه إلى امرأة. ويريدها أن تنظم له الأمور كلها مقابل مبلغ كبير من المال. ثم تأتي إميليا بيريز (كارلا صوفيا غاسكون)، الاسم الذي اتخذه رئيس الكارتيل السابق، لتبدأ حياتها من جديد، وتكون بمثابة فرصة للتكفير عن الجرائم الشنيعة التي ارتكبتها في جسد رجل. لكن مع تغيير الجنس، تبدأ المشاكل خصوصاً مع زوجته جيسي (سيلينا غوميز).
«إميليا بيريز» فيلم كبير بقدر ما هو متمرد، هبط فيه المخرج الفرنسي على الكوازيت وفاجأ الجميع، هو الذي حصل على السعفة الذهبية بفيلمه «Dheepan» عام 2015، يضع عينيه على سعفة ذهبية ثانية مستحقة. لم تكن هناك موسيقى في المهرجان مثل موسيقى الفيلم، الذي يتحرك على إيقاع النغمات، ويرتقي عندما يستسلم لروح موسيقى البوب المعاصرة. وفي الوقت نفسه، كان أوديار يمسك فيلمه ويغيّر الأنواع من الميلودراما إلى الفكاهة إلى التشويق والرومانسية بالكثير من الحساسية. هناك شيء مثير للاهتمام في عناصر روح العصر التي تجتمع معاً في «إميليا بيريز»، بدءاً من قضية المتحولين جنسياً وصولاً إلى دراما العنف ضد المرأة، مروراً بتفكك الميثاق الاجتماعي المكسيكي على أيدي كارتيلات المخدرات.
لا يتناول الفيلم الاجرام والفداء فحسب، بل يتطرق أيضاً إلى الجوانب الواقعية الاجتماعية في المكسيك، محققاً توازناً سردياً يبلغ ذروته في لحظات التوتر الشديد والمأساة. «إميليا بيريز» هو عمل رائد يتحدى التوقعات ويقدم استكشافاً غنياً ومتعدد الأوجه للهوية والتحول. فيلم جاك أوديار ليس فقط شهادة على قوة السينما في سرد القصص المعقدة، لكنه أيضاً تذكير بأهمية التمثيل الأصيل على الشاشة، والأفلام الغنائية التي بدأت تنقرض في أيامنا هذه.
يسير المونتاج والموسيقى والقصة جنباً إلى جنب لتكوين تلاعب بالألوان والأشكال التي يصبح جمالها في هذه اللحظة طاغياً، مما يجعل «إميليا بيريز» يترك احساساً لا يمكن تصوّره. سواء أخذ أوديار السعفة الذهبية أو لم يحصل على أي جائزة (وهذا مستبعد)، يظل فيلمه انتصاراً سينمائياً، حقق فيه المخرج السبعيني هدفه، بتقديم كل ما هو مختلف في مسابقة المهرجان هذه السنة.
اقرأ أيضا: «المتدرب»… سيرة ترامب كما يرويها علي عباسي