فاصلة

حوارات

مخرجا «رفعت عيني للسما»: فيلمنا ينحاز للأحلام لكنه يلتزم الواقعية

Reading Time: 5 minutes

منذ ثمانية سنوات، وبصدفة بحتة، وُلدت فكرة «رفعت عيني للسما»، الذي عرض ضمن أفلام النسخة 63 من «أسبوع النقاد» بمهرجان كان السينمائي الدولي، وحصد جائزة العين الذهبية لأفضل فيلم تسجيلي بالمهرجان، ليصبح بذلك أول فيلم مصري يحصل عليها منذ تأسيسه.

الفيلم الذي يشكل تعاوناً جديداً بين المخرجين ندى رياض وأيمن الأمير، اللذان يتقاسمان إخراج الأفلام وعش الزوجية أيضًا، هو الثالث لهما معاً بعد فيلمي «الفخ»، وهو فيلم قصير شاركا به في كان عام 2019، وفيلمهما التسجيلي «نهايات سعيدة» الذي شاركا به عام 2016 بمهرجان أمستردام الدولي للأفلام التسجيلية.

«رفعت عيني للسما» الذي يحمل الاسم الإنجليزي The brink of dreams (حافة الأحلام) يحملنا إلى قرية البرشا، إحدى قرى محافظة المنيا في صعيد مصر. هناك، يتتبع المخرجان فرقة مسرحية شكلتها مجموعة فتيات يقدمن عروضًا مسرحية في الشارع، تناقشن فيها مشاكل تلامس حياتهن كإناث في مجتمع مغلق ومحافظ يحاصر النساء في أزمات تخلقها مفاهيمه، كتأخر الزواج أو الزواج المبكر واختيار شريك الحياة وغيرها. تلتقط عينا المخرجين بذكاء تفاصيل حياة هؤلاء الفتيات ومشروعهن الفني، ويعايشان تلك التفاصيل على مدار أربع سنوات نرى فيها تعقيدات حياة هؤلاء الفتيات وما يواجهنه وما يواجهه مشروعهن الفني في الفيلم الوثائقي «رفعت عيني للسما».

عن هذا الفيلم، تحدثت فاصلة للمخرجين ندى رياض وأيمن الأمير.

اختلاف عن المعتاد 

لا يتبع «رفعت عيني للسما» الطريقة المعتادة لبناء الأفلام الوثائقية الشبيهة في العالم العربي، فلا يقدم بضعة مشاهد راصدة تتخللها المقابلات المباشرة التي يتحدث فيها الشخص أو الأشخاص موضوع الفيلم إلى الكاميرا، بل اختار المخرجان ندى رياض وأيمن الأمير أن ينقل فيلمهما واقع بطلاته عبر المعايشة الدؤوبة الممتدة لمدة 4 سنوات، وهو ما يفسره الأمير في حديثه إلى فاصلة قائلاً: «اعتدنا أن الفيلم التسجيلي يجب أن يتضمن مقابلات وحوارات وتعليق صوتي وما إلى ذلك، لكن من وجهة نظري أن تلك الصيغة خبرية وليست فيلمًا وثائقيًّا إبداعيًّا، كما أردنا أن نخرجه».

يواصل: «وحتى نكون على مقربة من الشخصيات ونستطيع تصوير لحظاتهم الحميمية والخاصة جدًا، تطلب الأمر كل تلك السنوات للعمل على الفيلم، كنا نحتاج لأن تكون بيننا وبين الشخصيات وعائلاتهن، بل والقرى التي يسكنَّ بها مساحة مطمئنة من الثقة. وكذلك حتى يعتادوا على وجودنا ووجود الكاميرا فنصبح جزءًا من حياتهن اليومية ويتناسين وجودنا فنستطيع تسجيل حيواتهن بشكل طبيعي. كل تلك الأشياء حدثت على مدار 4 سنوات».

قصص المدن الصغيرة والقرى ثرية

يؤكد المخرجان في حديثهما لـ فاصلة، أنه كان من الصعب في البداية إقناع الفتيات وأسرهن بتصوير الفيلم، خاصة في البيئة الصعيدية المحافظة. 

وتشرح لنا ندى رياض كيف تعاملا مع الموضوع، فتقول: «في أغلب أنحاء العالم أكثر الأفلام تحدث في المدن الكبرى والعواصم، رغم أننا سنجد قصصًا كثيرة جدًا وثرية جدًا خارجها، سواء كان في صعيد مصر أو مناطق بعيدة أخرى، وكذلك الأمر في السعودية مثلًا. لذلك من المهم أن يخرج صناع الأفلام من منطقة الراحة ويفتحون أعينهم على مجتمعات أخرى يتواصلون معها ويحكون عنها». 

موضحة: «في النهاية تفهمت الفتيات وأهلهن ومجتمعهن سبب وجودنا في القرية لفترة طويلة، واستوعبوا جميعًا أننا نرغب في المعرفة أكثر عنهم ونريد الاستماع لما يروونه لنا وننقل حقيقة حياتهم».

تتابع: «هناك نقطة أخرى مهمة ساعدتنا؛ وهي أن الفتيات في الأصل فنانات ومؤديات يقدمن فنون المسرح والفًرجة في الشوارع، وهن من اقترحن عمل فيلم عنهن وليس نحن من طلبنا، فهن كن يقدمن مسرح شارع، وانبهرنا به عندما شاهدنا العروض، وهن كن مبهورات أيضًا بالسينما كأداة يرغبن في التعبير عن أنفسهن من خلالها».

رفعت عيني للسما

الوضوح بداية رحلة الإقناع

وفي نفس السياق أوضح الأمير أن الإجابة على أسئلتهن كانت بداية طريق الإقناع، يقول: «كنا نذهب لمنازلهن من أجل التصوير وكن يوجهن إلينا كثير من الأسئلة لفهم ما ننوي تقديمه، فكانت أول خطوة في تلك الرحلة هي الإجابة على أسئلتهن وبناء الثقة معهن، وعندما تكونت علاقة الثقة أصبح كل شيء سهلًا بعد ذلك».

واستطرد: «هذا الأمر كان يحدث كل فترة لأن الفيلم كان يتغير، ورحلة الفتيات كانت تتغير، فكانت رحلة النقاش مستمرة، وهذا ما جعل الناس تشعر بالراحة معنا. وأظن أننا عندما انتهينا من العمل الناس كانت لا ترغب في أن ننتهي منه لأنهم اعتادوا على وجودنا، لافتًا إلى أنه وندى بدآ تصوير الفيلم في نهاية عام 2018 أو أوائل 2019، قبل فترة تفشي فيروس كورونا».

رفعت عيني للسما

اختيار الشخصيات التحدي الأصعب

وعن كيفية اختزال 400 ساعة تم تصويرها مع الفتيات لتصير إلى ما أصبحت عليه في مدة الفيلم القصيرة، قال أيمن الأمير: «الفيلم يرتكز على قصص ثلاث فتيات بشكل أساسي، ولكننا صورنا 6 قصص لتتبع رحلة 6 شخصيات، لذا واجهنا تحديًا صعبًا في اختيار قلب الفيلم والشخصيات التي تعبر عما نريد تقديمه على الشاشة». للوصول إلى البناء المرغوب فيه للفيلم، استعان المخرجان بآراء فناني المونتاج «نظرًا لأنهم لم يتواصلوا مع الفتيات ولم تولد بينهم وبينهن عشرة أو علاقة شخصية مثلنا، لذلك كانوا خير دليل ومساعد لنا في التصوير».

تقديم شخصيات «لا ذكورية» كان ضروريًا

وإجابة على سؤال ما إذا كان العمل على فيلمهما جعلهما يرصدان انتشارًا واسعًا للذكورية في المجتمع الصعيدي الذي صور فيه الفيلم، قالت ندى رياض، إنهما – وشريكها المخرج أيمن الأمير- كانا مهتمين بأن يقدم الفيلم شخصيات متنوعة ومختلفة، حتى إن كانوا رجالًا، تابعت: «على سبيل المثال شخصية والد هايدي هو شخص قد يكون متفتحًا جدًا ومؤمن بابنته ويرغب في حصولها على حريتها وفرصها في الحياة، على عكس الصورة النمطية للرجل الشرقي بأنه منغلق فكريًّا ويفضل أن تقر النساء في بيوتهن خاصة، لو كان من بيئة صعيدية».

نهاية العمل حالمة

ويرفض المخرج أيمن الأمير ما رآه البعض إحباطًا في نهاية الفيلم، مؤكدًا أنه «على العكس تمامًا، أراها مليئة بالأمل لأن المجتمع خانق، وذلك شيء لا يجب إنكاره، والقول عكس ذلك ادعاء». متابعًا: «إذا هربنا من مواجهة الحقيقة سنظهر كأننا نتبنى وجهة نظر المجتمع الذكوري بأن كل شيء جيد، لذلك لا نستطيع إغفال الأمر، فهناك بعض المشاكل التي يجب تسليط الضوء عليها، ومع ذلك فنهاية العمل فيها جزء حالم وآمل لا نستطيع إغفاله».

قصصنا فريدة

واختلف المخرجان حول أكثر ما واجهاه من صعوبات في العمل، حيث رأى أيمن الأمير أنه «المونتاج» بينما ندى رياض كان ردها ضاحكة: «إنه ثاني عمل نقدمه ونحن متزوجين».

وعن مشاركة فيلمهما في مهرجان كان، قال الأمير إنها ليست المرة الأولى لهما، ففي عام 2019، شاركا بفيلم «فخ» وهو الفيلم الأول في تاريخ مصر، الذي يشارك في مسابقة بالمهرجان.

وأضاف: «أرى أن فكرة مشاركة الفيلم مع جمهور عالمي، تثبت أهمية رواية قصصنا الخاصة، أن نحكي مشاكلنا والأمور الخاصة بنا. فتقديم عمل له علاقة بالقرى والصعيد في مصر؛ أمر أصيل ومتفرد ويمكن أن يصل للناس، وأن يشاركها الأشخاص على المستوى الإنساني».

موضحًا أن المشكلات التي تعاني منها شخصيات الفيلم ليست مشكلات مصرية فقط، وإنما هي مشكلات يمكن أن تواجه العديد من الناس في بلدان وقرى عديدة. «كما أن الأمر يثير لدينا فكرة الوعي بتلك النوعية من الأفلام التي تستعرض المشكلات وكيف نعالجها ونقدمها، ودور الفن في التنوير بها، وهو نفس الأمر الذي تراه الفتيات في الفيلم فهن يرغبن في تغيير واقعهن من خلال الفن».

عمل روائي منتظر في البرشا

في سياق آخر، قال المخرج إنه لم يواجه تحديات أمام عرض الفيلم، فهو ليس به أي شيء يمنعه رقابيًا، وتابع: «في النهاية العمل عن فكرة تمكين المرأة وإتاحة الحرية والمساواة بين الجنسين وأهمية التعليم والزواج المبكر، وكل تلك الأمور تتبناها جميع الدول».

وفي ختام حديثه، قال أيمن الأمير، أنه وندى يستعدان للعمل على مشروعين لفيلمين روائيين جديدين، أحدهما عمل تدور أحداثه في نفس القرية «البرشا».

اقرأ أيضا: «رفعت عيني للسما»: أن تجعل الشارع مسرحا لأحلامك

شارك هذا المنشور