فاصلة

مقالات

استديو «غيبلي» في «كان»… احتفاء بمصنع الأحلام

Reading Time: 3 minutes

توتورو سيحصل على السعفة الذهبية، وأيضًا سيتا وستيسوكو، ومورو، والساحرة الصغيرة كيكي، وباركو روسو، وطبعًا شيهيرو. ستُمنح جميع شخصيات استديو «غيبلي» سعفة ذهبية فخرية في «مهرجان كان» في دورته الـ 77 (14- 25 مايو 2024). وسيكون الاستديو أول كيان جماعي، وليس فردًا، يحصل على هذه السعفة الفخرية المخصّصة للاحتفال بالمساهمات البارزة في تاريخ الفن السابع.

قدم لنا استديو «غيبلي» بعضًا من أهم وأفضل مغامرات «الأنيمي» على الإطلاق، بفضل عناوين مثل «ناوسيكا أميرة وادي الرياح» Nausicaä of the valley of the wind  (1984)، «قلعة في السماء» Castle in the sky (1986)، و«جاري توتورو» My Neighbour Totoro (1988)، و«قبر اليراعات» Grave of the fireflies (1988)، و«الأميرة مونونوكي» (1997) Princess Mononoke، وابتعاد الروح «Spirited Away» (الحائز على جائزة الأوسكار 2001)، و«الصبي ومالك الحزين» The boy and the Heron (2023) وغيرها الكثير… 

نحن نتحدث عن أعمال فريدة مليئة بالخيال والمشاعر تتوجّه إلى مختلف الشرائح العمرية، من دون فرض ما يطلق عليه الآن “اللياقة السياسة” Political correctness. أعمال «غيبلي» لآلئ بصرية وصوتية وموسيقية، تغمرنا أكثر في الكون الذي أنشأه مؤسّسوها. 

استديو غيبلي

مصنع الاحلام الياباني هذا، أنشأه العظيم هاياو ميازاكي عام 1985، مع صديقه المخرج أساو تاكاهاتا، والمنتج توشيو سوزوكي. أي شخص شاهد أفلام ميازاكي، لن يفاجأ عندما يكتشف أنّ مخرج أفلام الرسوم المتحركة يملك شغفًا غير مخفي بالطائرات وإيطاليا. ربما هذا هو السبب الذي جعله يطلق اسم «غيبلي» على الاستديو. فـ «غيبلي» كلمة إيطالية تعني الرياح الحارة، وهذه التسمية أُخذت من الرياح التي تهبّ على ليبيا في الربيع أي «رياح قبلي». كما أنّ الكلمة مرتبطة بميازاكي نفسه كونه من عشاق الطائرات في طفولته، فـ «غيبلي» هو اسم طائرة استطلاع إيطالية تعود إلى حقبة الحرب العالمية الثانية كما شاهدنا في فيلم «بوركو روسو» (1992).

استديو غيبلي

على عكس استوديوهات الرسوم المتحركة الأخرى، لم يكن استديو «غيبلي» مهتمًا في البداية بالنجاح التجاري العالمي. أراد المبدعون فقط استخدام فنهم لاستكشاف أعماق التجربة الإنسانية وسرد القصص الشاعرية العاطفية. من دون أشرار تقليديين، حتى «الأشرار» في أفلام «غيبلي» محبوبون إلى حد ما، ولكل منهم خلفيته التي تشرح سلوكه.

 تتميز أفلام الاستديو الياباني باعتمادها على أسلوب الرسوم المتحركة التقليدي، أي تقنية الرسم اليدوي بدون استخدام الكمبيوتر. تعقيد هذا النوع يعني أنّ أوقات الإنتاج طويلة جدًا. يرسم ميازاكي وزملاؤه تفاصيل كل مشهد وكل إطار بشكل مفصل ومتقن.

يهتم استديو «غيبلي» بالتفاصيل، بدءًا من سيولة حركة الرسومات وحتى تعقيد الخلفيات، ويصمّم كل إطار بدقة وعناية. هذا الالتزام بالجودة، يرفع مستوى التجربة البصرية ويغمر الجمهور في عوالم خيالية غير مألوفة وعالمية على حد سواء. يتعمق الاستديو في موضوعات حماية البيئة، وبلوغ سن الرشد، والترابط بين الإنسان والطبيعة، وطبعًا الشخصيات النسائية القوية. يستكشف هذه المواضيع كلها بدقة وعمق، ويدعو المشاهدين إلى التفكير في حياتهم الخاصة والعالم من حولهم.

 أحيانًا تنجرف هذه القصص نحو العاطفة العالية وتقترب من الميلودراما. وغالبًا ما يكون الأبطال متعددي الأوجه، مع نقاط القوة والعيوب والصراعات الداخلية التي تدفع السرد إلى الأمام. وبالمثل، فإن الشخصيات الداعمة متطورة بشكل جيد، مما يضيف طبقات من التعقيد إلى القصة ويثري تجربة المشاهدة. 

حالمة هي أفلام استديو «غيبلي»، تنقل المشاهدين إلى عوالم ساحرة، من خلال الرسوم المتحركة الغنية بالتفاصيل، والمناظر الطبيعية الخصبة، والقصص الخيالية. تثير الأفلام شعورنا بالحنين إلى الطفولة، سواء أكان الأمر يتعلق باستكشاف العجائب الخفية للعالم الطبيعي أو الشروع في مغامرات ملحمية مليئة بالمخلوقات الأسطورية.

لا يمكن المبالغة في أهمية استديو «غيبلي» الثقافية، فأفلامه أصبحت من الكلاسيكيات، وتتجاوز الحواجز الثقافية واللغوية. تركت أفلام «غيبلي» علامة لا تمحى على الثقافة الشعبية، إذ شكّلت طفولة ومخيلات أجيال من المشاهدين في جميع أنحاء العالم. باختصار، عظمة استديو «غيبلي» لا تكمن فقط في براعته التقنية وتميزه في سرد القصص، ولكن أيضًا في تأثيره الثقافي والتراث الذي راكمه.

تستمر أفلامه في جذب وإلهام الجماهير، مما يعزز مكانته كأحد أعظم استديوهات الرسوم المتحركة على الإطلاق.

اقرأ أيضا: هل يُمكن أن تتوقف السينما السعودية قريبًا؟

شارك هذا المنشور