فاصلة

مراجعات

«أوبنهايمر»… سيرة ذاتية غير موضوعية

Reading Time: 2 minutes

استنادًا إلى كتاب «بروميثيوس الأميركي: انتصار ومأساة ج. روبرت أوبنهايمر»، يحكي كريستوفر نولان في «أوبنهايمر» (سبعة جوائز أوسكار من بينها أفضل فيلم، أفضل مخرج، أفضل ممثل، أفضل ممثل مساعد) قصة حياة ج. روبرت أوبنهايمر، عبقري الفيزياء المعروف بأنّه «أب القنبلة الذرية»، وهو الإسهام الذي توارت في ظله أهمية أوبنهايمر العلمية. بعد أن أدى مشروعه الذي أشرف عليه «مشروع مانهاتن» إلى إبادة مئات الآلاف نتيجة إلقاء القنبلة النووية التي أشرف على اختراعها، على مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين. 

أوبنهايمر، أو يوليوس كما يسمّيه أحباؤه، كان أيضًا رجلًا غير مستقر، مهووسًا بذاته، مغرمًا بالنساء، ووفقًا لنولان فهو كذلك متمرد وشهيد. يلعب دور أوبنهايمر الممثل كليان ميرفي بكثير من البراعة، مصورًا لنا تحولات أوبنهايمر اليهودي المهتم بالأطروحات الماركسية الذي ارتبط في شبابه بالحزب الشيوعي الأميركي، وكذلك دعم الجانب الجمهوري في الحرب الأهلية الإسبانية. عُين من قبل ليسلي غروفس (مات ديمون) قائدًا لـ«مشروع مانهاتن» ولم يتوقف عن إزعاجه للمؤسسة السياسية الأميركية، وخصوصًا للويس شتراوس (روبرت داوني جونيور، بأداء درامي عالي).

فيلم نولان عن «أوبنهايمر» متعدد الأوجه، ويعمل على مستويات عدّة، فهو يقدم عناصر سيرة ذاتية (مغامراته الطلابية والحميمية، عشقه للفيزياء، علاقاته بأصدقائه) وخلفية مثيرة تتعلق بالخوف الأميركي من الشيوعية. أصبح أوبنهايمر بطلًا أميركيًا وحصل على العديد من الأوسمة والجوائز عن عمله العلمي والتسليحي. ومع ذلك، خلال الحرب الباردة، اتُهم الفيزيائي بأنه متعاطف مع الحزب الشيوعي، وكانت خلفيته السياسية موضوع تحقيق من قبل حكومة الولايات المتحدة. في عام 1954، وتم تجريده من تصريحه الأمني بسبب آرائه السابقة وميوله السياسية الغابرة في شبابه. هذه العملية برمتها هي المحور الذي تنبني عليه وحوله سردية الفيلم. 

أوبنهايمر

يمتلك «أوبنهايمر» كل شيء ليكون فيلم عام 2023، فهو تكريس لأسلوب نولان الإخراجي؛ نوع من السرد الذي يجعلك تفكر وتبني الفيلم خلال مشاهدته. تتطلب بداية الفيلم من المشاهد الكثير من الاهتمام والتركيز، فهناك تداخل في المشاهد والجداول الزمنية التي تمر أمامنا في مقاطع سريعة، مع عديد من الأسماء والمواقف. ثم ينتهج الفيلم بنية أفلام السيرة الذاتية النموذجية، قبل أن يضيف عليها نولان بنيته السردية المجزأة، التي تعطي الفيلم طعمًا آخر. على الرغم من إنها ليست معقدة أو حتى متطورة مثل فيلم «Memento» (2000)، أو فيلم «Dunkirk» (2017)، اللذان لا يزالا أفضل أعمال المخرج.

memento

«أوبنهايمر» فيلم ناضج، مع شريط صوت (ريتشارد كينغ) وموسيقى (لودفيغ غوارانسون)، التي تصمّ الأذان ولا تسمح لنا كثيرًا بالتفكير، لكن تعطي بعدًا ملحميًا وغامرًا. ولكن محاولات نولان للتعمق في نفسية بطل الفيلم لم تكن ناجحة كثيرًا، ويبدو أن النهج المتبع في السياق الاجتماعي والسياسي في الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة مشتت، والمناقشات حول فيزياء الكم غير متطورة، والخطاب الأخلاقي ليس منافقًا، بل هو في مكان ما شديد الغموض. قد يكون الفيلم هو أكبر وأهم فيلم في مسيرة هذا المخرج «المعشوق»، لكنه بالتأكيد ليس أفضل أفلامه.

اقرأ أيضا: لُغز إيزابيل أدجاني

شارك هذا المنشور