فاصلة

مراجعات

«آني هول»… أسباب المحبة كثيرة لتحفة آلان الأجمل

Reading Time: 6 minutes

“اضحكْني وخذ كل شيء”، هذا مثل روماني قديم، لكنه لا يزال مصيبًا جدًا، ذلك لأن الكوميديا تستطيع بكل حصافة الوصول إلى جذور أية مشكلة ومعالجتها بدون أي تصادم حضاري أو ثقافي وبدون التحديات والمنازعات الهوياتية والصراعات الفلسفية.

لكن الخطورة في الكوميديا والممتع في آن هو؛ من أنا لتضحكني؟ هل تعرفني؟ هل تعرف ماذا قرأت وما هي مرجعيتي الفكرية؟ لماذا قد أضحك، هل ستصل النكتة التي ترويها لي إلى مستوى مراجعاتي وفهمي الخاص؟ 

هذه التساؤلات تقودنا إلى التأمل في مسارات الضحك الكثيرة، التي تبدأ من البلاهة وحركات الوجه والجسد إلى الكوميديا الرفيعة العميقة الحارقة.

في فيلم آني هول، يضع وودي آلان يده على جوهر الإضحاك، بعد أن قضى سنواته الأولى ككاتب نكات وستاند أب كوميديان، تشغله فكرة صناعة النكات التي تبقى وتدوم من دون نتوءات حركية وفظاظة لفظية. ولعله الفيلم الأول له الذي يقول السينما كما أمرت. على أنه كان قد أخرج وكتب ومثّل قبله عدة أفلام ناجحة.

أحبّ هذا الفيلم لعمقه المستدام، وجمله التي لا تنسى، إنه فيلم يمدّ يديه إلى أعماق الإنسان المعقدة ويعيد تصديرها بكل خفة ولماحية. قصة حبٍ غير عادية بين  “ألفي سينجر” الممثل الكوميدي المضطرب الذي تتمحور حياته حول عدة محاور، وامرأة مضطربة وغريبة بدورها هي “آني هول”، وبينما تسوق حياة ألفي أفكاره الساخرة حول تفاهة الوجود، تنساق حياة آني وراء هاجس التقدم في العمر وإثبات النفس والتحقق في عالم الفن الصعب والشرس.

هل كان العمل تجريبيًّا؟ هل تخلى فيه وودي آلان عن النكتة الواضحة في سبيل النكتة العميقة والمثقفة، والتي تستلزم مشاهدًا مختلفًا غير مسترخ وهو يشاهد فيلمًا رومانسيًا كوميديًا؟ نعم كان آلان يجرب، ربما، لكنه نجح جدًا، وأصبح اسمًا راسخًا في عالم الكوميديا السوداء منذ تلك اللحظة. 

أحب هذا الفيلم لأنه دخل إلى أعماق الكاتب – وودي آلان نفسه- واتكأ على رموزه، مثل فلليني (الذي يستدعي وودي سينماه دائمًا)، وقد دعاه آلان للمشاركة ولكن فلليني اعتذر، إلى جانب الروائي والصحفي ترومان كابوتي، الذي يحضر بنفسه في دور شرفي أضاف في تلك اللحظات سحرًا عجيبًا للفيلم.

أحب فيلم “آني هول” لأنه يبدو مثل مجموعة شعرية حار صاحبها بعد إنتاجها في تسميتها، فظل يجرب عناوين لمدة أسابيع حتى استقر على “آني هول”، حيث جرّب اسمًا غامضًا ونخبويًا وهو: “آنهيدونيا” وهو مصطلح يشير إلى فقدان المتعة. ثم اقترح “أنا وجوي الخاصة بي” و”أفعوان اسمه الرغبة” وغيرها من الأسماء. 

أحب الفيلم لأنه يذكِّر بـ “بريخت” على خشبة المسرح: يلعب آلان دور بطل الفيلم لكنه يقطع السرد ويهدم الجدار الرابع ليشرح ويفسر، أو يقتحم الفيلم ثم يعود خارج الشاشة، فالقصة نوعًا ما هي قصة وودي آلان، حيث إن “ألفي” هو أحد ألقاب وودي في مراهقته، وذهب إلى جامعة نيويورك كما ذهب وودي. أما ألين أو آني هول، فإن هول هو اسم ديان كيتون الحقيقي وهي كبطلة الفيلم تحب التصوير الفوتوغرافي ولديها خوف مقيم من الموت، كما أنها وآلان كانا يتواعدان قبل هذا الفيلم.

أحبه لأنه “ميوزيكال” وتراجيديا وكوميديا ومسرح وتشكيل وفلسفة وأدب.

أحب الفيلم لأن أكيرا كوروساوا استشهد به كواحد من أكثر الأفلام التي يحبها. ولأن الناقد الكبير بيتر برادشو، وصفه بأنه أفضل فيلم كوميدي على الإطلاق، وقال: “هذا الفيلم المضحك الرائع والحزين بشكل لا يطاق هو معجزة في الكتابة الكوميدية وصناعة الأفلام الملهمة”. أما جون ماريوت فقال: “آني هول صوت يتردد صداه عبر التاريخ ببهجة كوميدية لا مثيل لها واعتيادية في ذات الوقت، ديان كيتون في دور البريئة غريبة الأطوار، ووودي هو هو في دور العصبي المتخبط في نيويورك”.

أحبه لأنه يناقش الهويات كما هي، يفتح بابًا باتجاه اليهود في المجتمع، ونحو مدينة نيويورك المدينة العصابية والكئيبة والباردة وذات الطاقة السلبية مثل وودي آلان نفسه.

أحبه لأنه حصد الجوائز كلها، ولأنه بعد عشرين عامًا تقريبًا، اختارته مكتبة الكونجرس بالولايات المتحدة لحفظه في سجل الأفلام الوطني الذي يتضمن أفلامًا “ذات أهمية ثقافية أو تاريخية أو جمالية”. وصنف ضمن أعظم الأفلام الكوميدية على الإطلاق. وأصبح سيناريو الفيلم ضمن أعظم سيناريوهات الأفلام في التاريخ من قبل رابطة الكتاب الأمريكية الغربية.

اقرأ أيضا: سينما الكوميديا.. زيارة نقدية

شارك هذا المنشور