فاصلة

مراجعات

لماذا لا أحبّ « نادي القتال»

Reading Time: 4 minutes

هناك أفلام معيّنة حملت لقب «حارس الضمير» من دون أن يمنحها إياه أحد. في عام 1999، أُتيحت لهؤلاء الأوصياء على ضمائرنا وأفكارنا فرصة مثالية لتلقيننا مبادئ الحياة وأُسس الثورة. مع الفيلم الرابع للمخرج ديفيد فينشر. أعطى «نادي القتال» Fight club نشوةً لـ «التقدميين»، وطعمًا لـ «الأناركيين»، وبهجةً لـ «العدميين».

لقد عكس «نادي القتال» روح عصره، كان عنيفًا وعدميًا ومعاديًا لأي أيديولوجية، مع ميل نحو التدمير الذاتي، حيث الألم والعنف يفضيان إلى الوعي. طرح الفيلم مواضيع فلسفية واجتماعية مثل الهوية، والسيطرة، والعنف، والاستهلاك المادي، والحرية الشخصية، وتأثير الإعلام، والجانب المظلم للحضارة الحديثة. من خلال أحداث تدفع القصة إلى مكان مظلم ومتناقض وفارغ. مجّد الفيلم العقلية الذكورية والأناركية ووجد الحل في العنف من دون ضرورة لذلك. مثل Fight club محاولة جوفاء لإظهار قصة فاقدة لأي معنى أو عمق. وفي نقده الاجتماعي الفوضوي، اقترح الفيلم العودة إلى الذكورة القديمة والعدوانية، لكنه غفل عن العالم ومشاكله. لقد كان مجرّد ردة فعل على النيوليبرالية بشكل ساخر وفوضوي.

رغم شعبيته الكاسحة، لم يحقق الفيلم أرباحًا تذكر في شباك التذاكر. لقد حقق 100.9 مليون دولار فقط، فيما بلغت ميزانيته 63 مليون دولار، قبل أن يبدأ بتحطيم الأرقام القياسية لمبيعات الـ«دي في دي». وسرعان ما استحوذ على روح الثقافة السائدة في ذلك الوقت. كان فيلمًا على الموضة، ولا يزال إلى حد ما، يواصل المعجبون اقتباس العديد من أقواله، لا سيما قاعدته الأولى والثانية. الكثير من المراهقين الذين بلغوا سن الرشد عام 1999، أحبّوا «نادي القتال»، وكانوا تواقين ليكونوا أحد شخوصه وأن يتحدثوا ببلاغة عن ثقافة الاستهلاك، والتسوق في Hot Topic وسماع فرقة Black Flag. أرادوا أن يكونوا مثل تايلر ديردن (براد بيت) في هدم المؤسسات، وتسخير القوة الذكورية، وكسر أغلال المجتمع والحرية. كلّها أمور طبيعية بالنسبة إلى مراهقين غاضبين لا يعرفون شيئًا عن العالم الحقيقي. حتى إنّ بعضهم، بدأ حرفيًا بإنشاء نادي قتال خاص به في قبو منزله العائلي. 

إذا سلّمنا بأنّه يصح أن تكون الموعظة «رسالة» أي عمل فني، أو أنّ أي عمل فني يصحّ أن يحمل «رسالة»، فإن رسالة الفيلم غير الدقيقة والمتناقضة في مناهضة النزعة الاستهلاكية استحوذت على اهتمام الأميركيين.

طُرح الفيلم قبل أكثر من شهر من الاحتجاجات ضد قمة منظمة التجارة العالمية 1999 المعروفة بـ«عملية سياتل» أو «معركة سياتل»، التي قادتها مجموعات مناهضة للرأسمالية. كان ذلك الوقت الذي ازدهرت فيه سلسلة مقاهي «ستاربكس» في جميع أنحاء العالم، والأيام الأولى للإنترنت، وظهور اليورو، ورئاسة فلاديمير بوتين، والحرب في يوغوسلافيا… كان نادي القتال بمثابة منفذ سهل للأميركيين والمراهقين المحبطين في مختلف أنحاء العالم. فيلم لا يطلب من مشاهديه أن يفكروا، يقدر ما يريد إثارة غضبهم، والتنفيس عنه.

يقول ديردن في مرحلة ما من الفيلم: «لقد نشأنا جميعًا على شاشة التلفزيون، على الاعتقاد بأننا يومًا ما سنصبح جميعًا أصحاب ملايين، وآلهة سينما، ونجوم روك، لكننا لم نفعل ذلك، ونحن نكتشف هذه الحقيقة ببطء، ونحن غاضبون للغاية». لكن ماذا يفعلون بكل هذا الغضب؟ يضربون بعضهم، يحطمون المصابيح الأمامية للسيارات، يعبثون بأشرطة الـ VHS في متجر فيديو، يرهبون موظفين، ويفجّرون كل شيء. المشكلة أنّ هذا النوع من الفوضوية الممجدة قد أسيء فهمه، فيما لا يذهب «نادي القتال» إلى ما هو أعمق من ذلك. يُطعمنا الراوي (إدوارد نورتن) مقاطع صوتية سهلة كأنها حكمة عن مجتمعاتنا العقيمة، لكن ينتهي به الأمر بعدم قول شيء على الإطلاق، ثم يتقيأ كل هذا في وجوهنا على شكل دماء وعنف.

يبدأ الفيلم بشكل جيد ليبدو نقدًا للمجتمع الاستهلاكي الذي يستعبدنا ويدفعنا إلى قتل أنفسنا للعمل في وظائف نكرهها لشراء أشياء لا نحتاجها الخ… لكن ماذا بعد؟ ماذا تقترح؟ ماذا تريد أن تقول؟ يتضح بعد ذلك، أنه نظرًا لأننا عدميّون رائعون، فسوف نفجّر أنفسنا. ولكي نشعر بالسلام الداخلي والراحة النفسية، علينا أن نتعامل مع الآخرين بطريقة دونية. ولا نتردد في إيذاء الآخر، لأننا الأفضل، طالما نحن «المعارضين» في المجتمع الذي نعيش فيه.

هذا فيلم يحذّر من الفكر الرأسمالي الاستهلاكي، معتمدًا على مفاهيم سخيفة. وهذه الأفكار أثّرت على أدمغة الرجال المقاتلين إلى درجة أصبحت حالة مرضيّة انتشرت بينهم في وقت واحد، وبدأت تشعرهم كأنهم هم «الضحية». وللتخلص من هذا الإحساس، يجب إخضاع البقية لهذه الفكرة المجنونة، والقتال ضد الثقافة والأنظمة، لأنها هي المسؤولة عن فشلهم في المجتمع. أما الطريقة الأهم والأحسن لتحقيق ذلك، فهي تفجير كل شيء من أجل ترسيخ الذكورية والإحساس بالهوية الفرديّة. هذه هي الأفكار التي ميّزت أيضًا رواية تشاك بولانيك التي تحمل الاسم نفسه، وقد نقلها فينشر إلى الشاشة الكبيرة، وغلّفها بقوة بصرية مع بعض الموسيقى التصويرية.

لا بد من القول إن فينشر قام بتجميع اللقطات مثل المجنون، وكانت جميعها متوافقة. كاميرا المصور جيف كرونينويث الطليعيّة، كانت وقتها هائجة وحيوية كقملة غاضبة قادرة على التسلل أينما أرادت، بالإضافة إلى هوس فينشر بالمونتاج الملليمتري الأكثر تطرفًا وصرامةً، مما أعطى القصة المضللة والمركبة وغير الفعّالة، روحًا، وأضفى مصداقية على هراء بولانيك المتعالي.

لكن اللون الأخضر فوق كل مشهد، أضفى رتابةً على الفيلم، مع الإضاءة المظلمة للغاية ونوادي القتال الصاخبة. كشف الفيلم عن وجه فينشر كمبدع إعلانات تلفزيونية مبهرجة أكثر من كونه سينمائيًا، على الرغم من أنّ الأسلوب نفسه نجح مع فيلم «سبعة» (1995).

علاوة على ذلك، فمشاهد القتال نظيفة جدًا، كأنها خضعت لرقابة شديدة. على الرغم من حقيقتها المثيرة للاشمئزاز، فإنها خالية من العواقب الحقيقية. فـ «نادي القتال» لا يخرج عن السيطرة أبدًا، ويبدو كأنّ المتسابقين يعرفون متى يتوقفون، مثل ألعاب الجودو. لا نريد لأحد أن يتألم، يا له من نادي قتال شهم! لم تتعرض ملامح براد بيت للخدش، بل إنّ كدماته أصبحت علامة على الشجاعة الرجولية. في الحقيقة، خدع فينشر المشاهدين بشخصية «تايلر ديردن» بفضل اختيار براد بيت لها، وهذه تُحسب له. بيت الذي كان في ذروة شهرته، مع وجهه وجسده وأسلوبه، يجعل الرجولة المتطرفة تبدو مقبولة ومحبوبة. على سبيل المثال، في اللحظات التي يقوم فيها بدمج المواد الإباحية في أفلام عائلية، أو يتبوّل في فطيرة جراد البحر أو يصنع صابونًا عالي الجودة بالدهون التي يسرقها من عيادات شفط الدهون، كانت هذه اللحظات ستكون غريبة تمامًا مع ممثل أقلّ وسامةً أو شهرة، لكن بيت يلعب شخصيته بمثل هذه اللامبالاة الرائعة التي تبدو كأنها مجرد مقلب، مناسبة تمامًا لبرنامج تلفزيوني فكاهي.

موضوعات «نادي القتال» ليست بلاغية. كل شيء مباشر وواضح من دون حيل. دعونا نعيش ببساطة في المباني المهجورة ونغضب من كل شيء. وهذا دليل على افتقار الفيلم إلى العمق، ناهيك عن الذكورية وكراهية النساء. والأسوأ من ذلك أنه لا يعالج حتى موضوعه المركزي المتمثل في النزعة الاستهلاكية الجماعية.

الفيلم في معظمه، عبارة عن شرح كئيب لمدة ساعتين عن أميركا الرأسمالية الحديثة. وسنفهم ذلك من الدقائق الخمس الأولى، وفي النهاية، لم يتغيّر شيء. القصة التي تكاد تكون سريرية في غرابتها، ومحرجة في تفاصيلها الاجتماعية، نوعًا من الفانتازيا، أو حتى قصيدًة فاشية تتظاهر بأنّها استعارة عن التحّرر.

اقرأ أيضا: باربي… صناعة الضجيج «الفارغ»

شارك هذا المنشور