فاصلة

مراجعات

“الهامور ح.ع”… تجربة مختلفة لسينما الواقع

Reading Time: 4 minutes

لو قالوا صِف سنة 2023 السينمائية بكلمة، تلقائيًا يقفز إلى عقلي أنها سنة “السِيَّر الذاتية” بموضوعاتها الملهمة أو الشاطحة. فخلال العام المنقضي اهتمت السينما في أنحاء مختلفة من العالم بتقديم سير علماء وفنانين وسياسيين بل ولصوص ونصابين، فشاهدنا ما يقرب من عشرين فيلمًا أبطالها أبو القنبلة الذرية أو مخترع جوالات البلاك بيري وموسيقار كبير من أهم قادة الأوركسترا ومؤلف العديد من الكلاسيكيات الموسيقية الأمريكية.

وعربيًا، أنتجت السعودية فيلمها “الهامور ح.ع” المستوحى من أحداثٍ حقيقية وقعت في بداية الألفية، حين قام نصاب عرف باسم “هامور سوا” بجمع أموال من مواطنين بحجة استثمارها في بطاقات لشحن الهواتف المحمولة مع توزيع أرباح أسبوعية، ثم اختفى بعد الاستيلاء على أموال المودعين وظل قيد الاختفاء 4 سنوات إلى أن ألقت شرطة جدة القبض عليه في إبريل 2010. 

حمل الهامور مع صدوره وطرحه في صالات العرض لقب “أضخم إنتاج سعودي”، وهو ما يمكن ملاحظته بسهولة في الفيلم الذي يحمل نضجًا واصحًا مقارنة بأفلام أخرى صدرت في الفترة الزمنية نفسها. ويتضمن امتيازًا واضحًا في طرحه لقصة واقعية مألوفة للجمهور السعودي مما أثار فضلاً لدى قطاع عريض من الجمهور داخل السعودية وخارجها لمشاهدة كيف تتناول السينما السعودية أفلامًا مقتبسة عن قصص حقيقية خلال مرحلة مبكرة من نهضتها الجديدة. 

حب المال مصدر كل شر

يتشكل فيلم المخرج عبد الإله القرشي مبنيًا على ثيمة واضحة، وهي “الكفاح لأجل الكرامة الإنسانية” إذ يعارض الفيلم من خلال أحداثه الشراهة لجمع المال وما قد ينطوي عليه طريقها من تجاوزات قانونية وأخلاقية، ليقدم من خلال ذلك قصة بسيطة غير معقدة في قلبها مبدأ “حب المال أصل كل شر”.

ربما رحلة الفيلم البسيطة من دون تعقيدات فلسفية وعلى خط سردي واحد، من عناصر نجاحه التجاري الكبير الذي وضعه في مركز متقدم في قائمة أعلى الأفلام السعودية من حيث الإيرادات، ما يدل على احتياج السوق السعودي في بداياته إلى المضي بهدوء وبدون تعقيد في الطرح حتى يقف القطاع السينمائي على قواعد جديرة بالثقة، تُبنى عليها الآف المسارات. 

تميز الفيلم بلمسات مميزة في المونتاج، لعل أميزّها في مشهد كان حامد (البطل) فيه يَحلم بوقوعه في المسبح، ولم يزامن المشهد بصحوته من الحلم، بل انتقل مباشرة لنسج مشهد البطل وهو يحاث شركائه بأنه وقَّع بأربع مائة مليون ككابوس واقعي، ولم يستفق خائفًا إلا بعد الاتهامات. 

تفرد كافة الممثلين في الفيلم في أدائهم، ما يدل على مهارة المخرج عبد الإله القرشي في توجيه الممثلين، وبناء شخصيات بادية الواقعية خاصة شخصية البطل التي أداها الممثل فهد القحطاني، ما جعله الأكثر تلقيًا للمديح بين أبطال العمل.

فهد القحطاني

الانتقال إلى أول الألفية 

رغبة الفيلم في توصيل الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية التي جرت فيها الواقعة الحقيقية، تطلبت تصوير الحالة في زمان ومكان مختلفين، واستطاع القرشي (المخرج) أن يصور لنا تلك الحالة الاجتماعية التي جرت فيها الأحداث ببراعة، وذلك لامتياز ثقافته الأصلية ومرجعيته المتصلة بعالم الأعمال، فرسم لنا أجواء كالتي يقدمها لنا سكورسيزي عن العوائل الأمريكية- الإيطالية التي ينتمي إليها، فالمعرفة الدقيقة بطريقة تفكير وتواصل تلك المجتمعات الذين يرغب صانع السينما في الحكي عنهم، تُمكِّن الصانع من إقناعنا بمضامين فيلمه بدون تزييف.

من جانب آخر، رأيت بعض الحكمة الواضحة في الاختيارات الفنية المرئية في الفيلم، من خلال الاعتماد على الصورة في الحكي بدرجة أعلى من الحوار والموسيقى وهو ما تجلّى بشكل خاص في مشهد النهاية المميز.

الفيلم شابه عيب آخر واضح ومتكرر في إنتاج السينما السعودية للأسف، وهو عيوب الهندسة الصوتية، مما سلب قيمة من قيم الفيلم الأساسية، إذ تكاد الأصوات البشرية لا تُميَّز ولا تُفهَم في السينما، أما في المشاهدة المنزلية منعتني هذه المشكلة من راحة المشاهدة، فتارة أخفض الصوت لعلو الموسيقى وتارة أخرى أزيده لأسمع الحوار، هذا للأسف ثقب متأصل أصبح عادة متواجدة في معظم الأفلام السعودية والعربية.

تلخيصًا وختامًا، الحكاية الجيدة موحِّدة للرسالة، قابلة التصديق، قاصدة المتعة، تبدو بسيطة ومعقدة معًا بتوليفة مضبوطة، وبرع المخرج في تناولها بالعنصر المؤثر عاطفيًا. أما السرد الجيد يقيّم على التماسك والتتابع والإيقاع، على ذلك التقدير لقد اجتاز الفيلم كل التقييمات المذكورة، ما منحه حق الترشيح ليكون ممثلاً للسعودية في جوائز الأوسكار وإن لم يحالفه الحظ.

اقرأ ايضا: مخرج “جرس إنذار”: راجعنا النص مع طالبات المدارس للتأكد من واقعيته

شارك هذا المنشور