فاصلة

مراجعات

«حادث بسيط» لجعفر بناهي.. من دحرج كرة الثلج؟

Reading Time: 3 minutes

بعد سنوات من الغياب عن مهرجان كان، يعود المخرج الإيراني الحاصل على الكاميرا الذهبية جعفر بناهي بأحدث أفلامه «حادث بسيط» (It Was Just an Accident)، للمشاركة في المسابقة الرئيسية للمهرجان في دورة هذا العام، حيث تنافس من قبل أمام 21 فيلمًا آخر على السعفة الذهبية عام 1996 عن «البالونة البيضاء» (White Baloon)، ثم جائزة لجنة التحكيم في مسابقة «نظرة ما» عام 2003 عن «الذهب القرمزي» (Crimson Gold)، وهذا العام يشارك في المسابقة الرئيسية للمهرجان.

كما هو متوقع، لا يبتعد بناهي عن الواقع الإيراني في فيلمه، بل يقدم فيلمًا شديد المعاصرة، كأنه انتهى من تصويره بالأمس فقط. تتابع الأحداث فهيد (فهيد موباسيري) الذي يجد شخصًا يشتبه في كونه ضابط التحقيقات الذي عذبه من قبل في المعتقل، ولكن حتى لا يؤذي شخصًا بريئًا يقرر فهيد أن يستعين بآخرين ممن تلقوا التعذيب أيضًا على يد نفس الشخص، حتى يتأكد من صحة شكوكه وينفذ العقاب الذي يريده في هذا الضابط.

هذا النوع من الأفلام التي تتناول ضحايا التعذيب في السجون غالبًا ما يستخدم أسلوبًا قاتمًا لمتابعة الأحداث المؤلمة والتركيز بشكل ملموس على الجانب النفسي للضحايا. في العام الماضي عُرض فيلم «الأشباح» (Ghost Trail) للمخرج جوناثان في ميّيه ضمن أسبوع النقاد في مهرجان كان، قبل أن يحصل على نجمة الجونة الذهبية لاحقًا. التشابه بين بطل ذلك الفيلم وفيلم بناهي، في رحلة تعرفهما على ضابط التعذيب، شديد الشبه، فكلاهما يجهل الشكل الحقيقي لهذا الضابط، لكنه يميز صوته وبعض العلامات الخاصة. ولكن بينما كان فيلم ميّيه سوداويًا، يستخدم بناهي -للغرابة- أسلوبًا ساخرًا وهزليًا في فيلمه.

تبدأ السخرية من عنوان الفيلم نفسه، فالمقصود هو نقيض الحادث البسيط، كما يسخر أي شخص من مصيبة حلت به قائلًا «بسيطة». ثم تظهر جلية من المشهد الأول الذي نشاهد في أسرة صغيرة داخل سيارة، الأب وراء المقود وبجواره الأم، بينما طفلتهما الصغيرة في الكرسي الخلفي. أثناء النقاش التقليدي بين الثلاثة يدهس الأب حيوانًا يعبر الطريق لتعلق الطفلة بأنه «قتل» هذا الحيوان، بينما يحاول الأب والأم تبرير الأمر بأنه غير مُتعمد وبأن الحيوانات المشابهة عادة ما تلقى حتفها بطرق مماثلة. تبدو التبريرات هزلية وغير مُقنعة لا للطفلة ولا للأبوين أنفسهما، لكنها تظل في نظر الأب أفضل من أن يُنعت بابنته أنه «قاتل». الأب هو من سيتحول لاحقًا للضابط المشتبه به، والذي تخوض باقي شخصيات الفيلم عملية التأكد من هويته الحقيقية.

بداية من ظهور شخصية فاهيد يتحول الفيلم إلى ما يشبه كرة ثلج مُتدحرجة تزداد حجمًا بمرور الوقت. فكلما أراد فاهيد أن يتأكد لإراحة ضميره، ورط شخصًا آخر في عملية التحقق تلك، وهكذا يتحول الفيلم تدريجيًا إلى رحلة تجمع عدة أشخاص، يحملون هدفًا واحدًا، الرغبة في الانتقام، وإن كانت الكوميديا تجعل الرحلة أقرب لأحد أفلام الأخوين كوين، خاصة «احرق الرسالة بعد قراءتها» (Burn After Reading).

It Was Just an Accident (2025)
It Was Just an Accident (2025)

يختار بناهي الشخصيات بعناية شديدة، فهناك العروس التي تستعد لزفافها في اليوم التالي، ومصورة الأفراح الأنيقة، بالإضافة لفاهيد نفسه العامل متواضع الحال. من خلال هذه الشخصيات ينفذ المخرج إلى شرائح مختلفة من المجتمع الإيراني، مما يؤكد ضمنيًا أن ضحايا النظام القمعي ليسوا من أبناء طبقة معينة، وأن القسوة عادلة في عدم تفرقتها بين الشخصيات. وفي الآن ذاته يوضح التناقد بين مثالية المواطنين وعنف الشرطة. تتحدث كل شخصية عما تعرضت له من تحقيقات عنيفة وغير عادلة تركت آثارها النفسية والجسدية على كل منهم، لكنهم في الآن ذاته لم يرغبوا في تحقيق الانتقام بشكل عشوائي كما فعل النظام معهم. وربما كان ذلك أحد عيوب الفيلم أيضًا إذ بدا السيناريو في بعض الأحيانًا مدفوعًا بشكل واضح نحو إكمال الرحلة وإضافة المزيد من الشخصيات، مما جعل هناك بعض التكرار خاصة في الفصل الثاني من الفيلم، وكان العيب الآخر هو النهاية التي كانت الأداء فيها مسرحيًا بعض الشيء، وخاصة مع تخلي المخرج عن الكوميديا والاتجاه إلى الميلودراما فجأة.

«حادث بسيط» من الأفلام التي يسهل الاستمتاع بها والغرق معها تمامًا، خاصة مع أداء الممثلين المميز. يستكمل عالم وأسلوب جعفر بناهي المعتاد وإن كان بالتأكيد ليس أفضل أفلامه.

اقرأ أيضا: جعفر بناهي عن «It Was Just An Accident»: أكثر أفلامي صدقًا وجرأة

شارك هذا المنشور

أضف تعليق