فاصلة

أصوات نقدية سعودية

مهرجان أفلام السعودية 11: «فخر السويدي» ربما من هنا علينا أن نبدأ كوميديًا!

Reading Time: 4 minutes

يُقال أنه حينما اجتمع المخرج العظيم بيلي وايلدر مع شريكه دايموند لكتابة سيناريو جديد تحول لاحقًا لأحد روائع «وايلدر» بطبيعة الحال، إلا أنه توقف قليلًا في لحظة «جفاف» في الإلهام وقال: «كان الأمر ليبدو أسهل لو كان لوبيتش معنا» ليجيبه دايموند: «نعم، لكننا ما زلنا نمتلك لمسة لوبيتش»، فرد بيلي وايلدر قائلًا: «لا… لقد ذهب لوبيتش وذهبت اللمسة معه».

لقد كان المخرج العظيم أرنست لوبيتش أيقونة كوميدية يؤسس لمنهجية مختلفة في الكوميديا ومن هنا كان الحديث دائمًا في صناعة الكوميديا عن «لمسة لوبيتش»، والتي قال عنها نقاد مجلة كراسايترون الفرنسية أنها «تلك الجودة التي تجعل الكوميديا فيه حزينة قليلًا والتراجيديا مضحكة قليلًا»، فيما يعبر عنها الناقد البريطاني فريديريك رافاييل بأنها «لا تكمن فيما يتم فعله وإنما فيما يتم التلميح له»!! 

 وهي اللمسة التي أصبحت تحمل عدة معايير كالمفارقة الناعمة، وهي حينما تظن أن الموقف الكوميدي قد انتهى بنكتة جيدة، يبرز فجأة وبطريقة ذكية معنى كوميدي آخر!! كما تعني بطريقة أخرى وأوسع، الأسلوب الذكي في الإيحاء وليس التصريح، وفي السخرية من الموقف دون الفظاظة في التعبير عنه، وفي التحكم بإيقاع الكوميديا، حيث تأتي النكتة بطريقة سلسلة وانسياب هاديء، دون المباشرة الفجة، وإذا ما أردنا التعبير المباشر عن هذه اللمسة أيضًا، فسنقول إنها لا تعتمد  على الحوارات فقط في تقديم النكتة، بل تأتي الصورة وعملية التحرير والمونتاج والتلميحات البصرية كشريك أساسي في النكتة، لقد اعتدنا على اختزال كل هذا بما نسميه «كوميديا الموقف»، حتى نقف إزاء ما نسميه أيضًا بـ«كوميديا التهريج»!

«كوميديا الموقف» كانت قد تأسست فعليًا مع أمثال شابلن وباستر كيتون – لم يكن الصوت حينها قد دخل السينما وبالتالي لم يكن هناك أي فرصة لتبادل الحوارات والإضحاك من خلالها – ومن ثم يأتي هارول لويد و الطريفين لوريل وهاردي والأخوة ماكس وآخرين قبل أن يأتي الأيقونة الفرنسية الكوميدية جاك تاتي، والشعبية روان أتكينسون الشهير بـ«مستر بن».

فخر السويدي (2024)
فخر السويدي (2024)

إذن … ما الذي يدعوني لسرد سريع ومختصر حول الكوميديا عند الحديث عن فيلم «فخر السويدي»؟! قبل أن أجيب؛ لا بد وأن أشير إلى أن تركيبة الفيلم السردية التقليدية لم تكن محكمة بالشكل الكافي، والتذبذب الملحوظ في مسار القصة ومنحنيات الأحداث سيكون أمرًا ملحوظًا للغاية، لكن هذا الأمر في حالة هذا الفيلم ليس أمرًا مانعًا من التصريح الذي قلته في مداخلتي بعد عرض الفيلم الأول في مهرجان أفلام السعودية 11: «إذا كنا نطمع بعمل أفلام كوميدية سعودية فعلينا أن نبدأ من هنا»، حيث – ومن خلال متابعتي القديمة والدقيقة للأعمال السعودية – لم أشاهد عملًا كوميديًا بمثل هذا المستوى من الجودة والإتقان وحشد معايير الكوميديا الفعلية كما شاهدت في «فخر السويدي»، بداية من قصة تقليدية ساذجة، تتحول لمسرح أحداث كوميدية متلاحقة، تتناوب فيها جميع الشخصيات في الطرافة والإضحاك، وتأخذ الكاميرا نصيبها من صناعة النكتة، ويصل فيها الممثلون الشباب والجدد بأداء جميل لمرحلة منسجمة ومتناغمة، رغم اختلاف طباعهم، وطريقة تفكيرهم، وانفعالاتهم المضحكة، حسب شخصياتهم في الفيلم.

فخر السويدي (2024)
فخر السويدي (2024)

 القصة تدور حول مدير مدرسة ثانوية أهلية، يسعى لتحقيق ذاته، وإثبات جدارته، من خلال افتتاح صف شرعي، وهو التخصص الذي يحيل في ذهنية المجتمع السعودي، أو على الأقل من عاشر تلك الفترة، إلى ذلك الصف الأسهل والأكثر مشاكسة، وتملصًا من الدراسة، وبالمقابل الصف الذي يتجه إليه افتراضًا الطلاب غير المُجدين، وحتى ذوي الأفكار المحافظة، لكنه في الغالب ليس الصف الذي يمكن أخذه على محمل الجد مقابل الصفوف العلمية! وهنا يبدأ الصراع المتوقع، في محاولة المدير إنجاح فكرته المفاجئة هذه، وإثبات خطأ أخيه الأكثر وجاهة ومسؤولية وجدية، والذي يسعى بدوره إلى إجهاض محاولات أخيه الأكبر، مدير المدرسة، من أجل مصلحة المدرسة كما يعتقد، وحصولها على استثمارات داعمة، هنا صراع القصة البسيط وسط طبيعة شخصية المدير الساذجة والحمقاء أحيانًا، والتي يتنازع داخلها رغبته المفرطة في النجاح وتحقيق ما يشعر به بمعنى حياته وجدواها، وطبيعته المتأصلة في الطيبة والحنية والمراعاة، ووسط مجموعة من الطلاب «غريبي الأطوار» لحد ما، وهم من طبقات مختلفة وخلفيات اجتماعية متباينة، وإن خمنت أن هناك الكثير من المعاني الأخلاقية والاجتماعية الجيدة، مثل: الصداقة و«الفزعة»، والوفاء والتعاطف والطموح والشغف، ستبرز عبر مشاهد الفيلم وعلاقات الطلاب فلن يكون تخمينك خاطئًا.

فخر السويدي (2024)
فخر السويدي (2024)

 الآن، هل فعلًا بدت القصة تقليدية ومتوقعة؟ بالطبع هي كذلك، ولكن! – وهذا ما يجعل الفيلم مثيرًا للحديث عنه -، هو ذكاء الفيلم وتميزه، حيث خلى من كل التعقيدات المٌفتعلة في تقديم هذه القصة، بجانب معالجته بطريقة كوميدية ومضحكة للغاية، مع قدر جيد من التنفيذ الفني الذي نجح فيه مخرجا العمل السعوديان أسامة صالح وعبدالله بامجبور، ومن قبلهما ورشة كتابة النص بقيادة الشاب يزيد الموسى، لذا فحينما أُعد قائمتي لأفضل الأفلام السعودية خلال السنوات الأخيرة – والتي تكاد تقتصر على الأعمال الدرامية – فسيكون هذا الفيلم هو الكوميدي الوحيد الذي يفرض نفسه عن جدارة، ويشق طريقه إلى تلك القائمة بتميز واستحقاق.

وأخيرًا، لا أعتقد بكل صراحة أنني سأرى عملًا كوميديًا سعوديًا يستلهم «لمسة لوبيتش» بشكل متكامل ومتقن، لكنني حاليًا سأكتفي بالقول أن «فخر السويدي»، هو أقرب الأفلام الكوميدية السعودية حتى الآن التي نجحت في ملامسة تخوم تلك اللمسة العبقرية التي ميّزت سينما لوبيتش. ولهذا، أتمنى من قلبي أن تبدأ الكوميديا السعودية من هنا.

اقرأ أيضا: مهرجان أفلام السعودية 11: «سوار» ماذا يعني أن يكون ابنك؟

شارك هذا المنشور

أضف تعليق