فاصلة

أصوات نقدية سعودية

«موفاسا»… المنتصر يُملِي شروطه

Reading Time: 5 minutes

بعد إعادة تقديم ناجحة تجاريا ونقديًا لفيلم «الأسد الملك Lion king» حولته من الرسوم المتحركة ثنائية الأبعاد إلى صورة محاكية للطبيعة ثلاثية الابعاد، تستمر شركة ديزني في استثمار النجاح الكبير لعلامة «الأسد الملك» بفيلم «موفاسا: الأسد الملك – Mofasa: The Lion king»، الذي استقبلته دور العرض في العالم قبل أيام من انتهاء العام 2024. 

يجمع الفيلم الجديد ما بين سحر الرسوم المتحركة وأبعاد القصة الإنسانية العميقة والملّغمة بالأسئلة، فجاء الفيلم بجودة عالية في الصورة، وبقفزات ملموسة من «والت ديزني» في تقنيات الصور المنشأة بالحاسوب CGI. هذا المستوى من الجودة في الصورة يُشعرك بأن الأسود أمامك! أسود قريبة من البشر في تعابيرها، وقربها من المشاعر الإنسانية في فرحها، وسُخطها، ورضاها. فمستوى التحريك في الفيلم، والنقلة التقنية ما بين الماضي والحاضر؛ تزيدك قربًا من المكان لتضعك في غابة غاية في الجمال بكامل زينتها، ووسط شخصيات تعرفها، فمن لا يعرف سيمبا، وكيارا، وتيمون وبومبا؟ وهذا ما يجعل الفيلم يلعب على أوتار الأسرة كاملة ما بين حنين لدى من عاش مع شخصيات الفيلم في صباه، عندما عُرض الفيلم الكلاسيكي قبل ثلاثين عامًا، عام 1994، وفي الوقت نفسه، تضمن ديزني جذب مشاهدين جدد عبر تقنيات الصورة المذهلة في واقعيتها وخيالها في آن.

لو كنت ممن شاهدوا الفيلم الكلاسيكي منذ سنين، سيداعب الفيلم ذكرياتك إذ تستدعي تتويج سيمبا على أراضي العِزّة، والتمهيد لعهد ابنته كيارا الملكة عام 1998، وإتاحة المساحة لتيمون وبومبا عام 2004، وتجربة تقنية CGI باستعادة القصة عام 2019، وإعادة تدشين السلسلة لجمهور جديد بهذا الفيلم عام 2024 لمن لم يقابل تلك الشخصيات من قبل. 

يستند الفيلم ومخرجه باري جينكينز على القصة التي كتبتها أيرين ميكي، وليندا ولفرتون، ومعهما جوناثان روبرتس لتكون حجر الزاوية في الفيلم. وينسج منها قصة يمسك بخيوط أبطالها بين يديه، وما عليه سوى فك الخيوط، وإعادة نسجها من جديد، وبشكل مغاير يذكر بألوان سابقة لمن شاهد تاريخ تلك الأرض وأبطالها، وجاذبة لتعريف من لم يعرفها من قبل.

موفاسا
The Lion King (1994) & The Lion King (2019)

أولُ ما خلق اللهُ القلم كما جاء في حديث ابن عباس، عندها قال الله عز وجل للقلم: «اكتبْ. فقال: يا ربِّ وما أكتبُ؟ قال: اكتب القدرَ ما هو كائنٌ من ذلك إلى قيامِ الساعة». وأقدار الخلق قصص، يتوارثها الأتباع عن الأسلاف، فجاء الفيلم بحكاية شبل صغير تاه عن والديه، وتملّكه الخوف، والقصة وحدها هي القادرة على ربط جأش هذا الشبل، فهي -أي القصة- وسيلة الكبار لتهدئة الصغار، وسُنة الجدّات والأمهات لأحفادهن وأولادهن على ظهر هذا الكوكب منذ عرف الإنسان بالحكي وسرد الأحداث، وتعلمه من القلم الأول تدوين الأقدار التي أبصرها، وأدرك تكرار ما يجري من خلال ما سمعه ، وما يراه ماثلا أمامه، فضيع هذا الشبل ما هو إلا تكرار لضياع سابقه من قبل، فالتاريخ يعيد نفسه، والرواة هم الناجون والمنتصرون دوما.

موفاسا
Mufasa: The Lion King (2024)

لعب (رفيكي) الذي أعاره الممثل جون كاني صوته، دور الراوي. يحكي لابنه سيمبا قصة جدها، صديقه القديم الذي تبدأ مغامرته عندما ضاع من أبويه في صغره، لينقذه شبل آخر يدعى (تاكا) من أنياب التماسيح ثم يتخذه أخًا له، ليلتحق موفاسا بزمرته بمعونة من (إيشي) والدة تاكا، لكنه يواجه الرفض من (أوباسي) الأسد الملك والد تاكا الذي لا يقبل وجود دخيل في مملكته، ولكن بعد تحدي السباق ما بين موفاسا وتاكا، وفوز موفاسا بتيسير من تاكا؛ يوافق أوباسي على انضمام موفاسا على مضض، شريطة إقصائه مع الإناث، حتى أثبت موفاسا مكانته عندما دافع بشراسة وسط هجمة من أُسُودٍ بيضٍ معتدين، ليقتل ابن ملكهم، وتبدأ رحلة صعبة لحماية تاكا الملك بعد موت أبيه، وسعيه لمساندة وتحقيق هدف صديقه، ورد قليل من جمائله.

موفاسا
Mufasa: The Lion King (2024)

هذه الأحداث والتقلبات التي يحويها الفيلم لم يكتف في سردها بإبهار الصور فحسب، بل اعتمد أيضًا على المغامرة الموسيقية، فالفيلم الغنائي يحفظ الرحلة، ويجعلها في ذاكرة المشاهدين مصحوبة بسرد قصصي مؤثر، ودروس في الحياة يحتاجها المشاهد، فالصحبة ركيزة في حياة البشر، وحاجتنا للآخرين لا مفر منها، ولذا زادت الصحبة بانضمام (سارابي) وطائرها (زازو)، وسارد الفيلم القرد (رفيكي)، ولأن الحياة لا تخلو من ثنائية الذكر والأنثى كان لانضمام سارابي منعطفا سرديًا كبيرًا يليق بالقصة وحِكَم الحياة.

موفاسا
Mufasa: The Lion King (2024)

تحتل الأنثى مكانة كبيرة في مجريات كثير من الأحداث، فبسبب اختطاف باريس   أمير طروادة، لـهيلين زوجة منيلاوس ملك إسبرطة، اشتعلت حرب طروادة، ولناقة البسوس بنت منقذ التميمية دامت حرب لأربعة عقود، كما أن موقف شجرة الدر البطولي من جانب آخر أنقذ مصر من الغزو الصليبي، فالأنثى ذات مكانة في قلب الأحداث سلبًا أو إيجابًا.

جاء هذا الانقلاب في فيلم موفاسا حين التحقت سارابي بالأسدين في الرحلة، وكانت الأنثى المشتهاة من الاثنين، فآثر موفاسا أخاه تاكا الملك المرتقب بعد أن أفصح له تاكا عن إعجابه بها، ثم نسب موفاسا لأخيه موقفه البطولي في إنقاذ سارابي من هجوم الأسود، وعلّمه ما يمكنه أن يبدأ به لكسب قلب أنثى، ولكن سارابي أدركت بعد حين أن موفاسا وحده القادر على معرفة زهور بلادها بفضل قدراته التي لمستها أثناء الرحلة، وأن حديث تاكا ما كان إلا من إملاءات موفاسا، وأنه من أنقذها من الموت. 

صارت سارابي أول وأكبر خطوة لاختبار صدق العلاقة بين الأخوين، فإلى أي مدى ستبلغ تضحية موفاسا بمن تعجبه دون أن يفصح لها؟ وأن يضمد عند موقفه بالتضحية من أجل أخيه؟ وفي المقابل ماذا على تاكا أن يفعله عندما يحدس بإعجاب من أعجبته بغيره؟ هل سيتركها لأخيه، ويتنازل لهما مباركا هذا الحب؟ أم أنَّ لتاكا قرارًا غير ذلك؟ 

لنتجنب حرق الأحداث، نكتفي بالقول أن المسار الذي اتخذته القصة بعد ذلك لم يُمهد له جيدًا في الثلثين الأولين من الفيلم، على العكس كان التمهيد يشي بنتيجة مغايرة إلى حد بعيد لما رأيناه على الشاشة، ومغايرًا كذلك للقصة الكبرى التي عرفناها في الفيلم الأول، ويبدو أن كتاب القصة تورطوا في المسار المحتوم للعلاقة بين الأخوين ولم يتمكنوا من أن يصنعوا قصة مقنعة لتقودنا إلى المصير الذي يعرفه من يعرفون القصة. فانتهى فيلم «موفاسا» إلى إقفال التساؤلات بأجوبة لا تتناغم مع مسار الفيلم.

Mufasa: The Lion King (2024)
Mufasa: The Lion King (2024)

استطاع فيلم موفاسا أن يحصد أكثر من نصف مليار دولار في شباك التذاكر ويتجه سريعًا صوب تحقيق رقم المليار، وباع أكثر من 280 ألف تذكرة في السوق السعودي وحده، ويُتوقّع أن يحقق أرقامًا قياسية تليق بمستوى التقنية وأدوات الجذب مثل الموسيقى والأغاني التي ربما تظل في ذاكرة الجمهور.

لكن إلى جانب الموسيقى والأغاني، سيترك الفيلم في أذهان جمهوره أسئلة عديدة، ومشاعر تدفع المشاهد إلى مراجعة علاقاته وصداقاته، فليس الدخول إلى الفيلم مثل الخروج منه. 

اقرأ أيضا: «هوبال».. مراجعة إبداعية لقطعة من التاريخ الاجتماعي

شارك هذا المنشور