فاصلة

مقالات

«صنع الأمواج»… سحر خالص اسمه الصوت

Reading Time: 4 minutes

في مشهد في فيلم «العراب» (1972 – The Godfather)، للمخرج فرانسيس فورد كوبولا، يجلس مايكل كورليوني (آل باتشينو) في مطعم إيطالي يواجه رجلين يريدان تدمير عائلته. يجلس مايكل هناك وهو يعلم أنّ خطوته التالية سوف تحدد مصير عائلته ومستقبله. لا يوجد حوار لثوان، فقط صرير قطار يمرّ في الخارج. في هذه اللحظة بالذات، ستتغير حياة مايكل إلى الأبد. عندما نفكر في هذا المشهد، وفي الصوت المستخدم، نتأكد كيف يمكن للصوت أن يترك تأثيراً عميقاً على المشاهد، وما هي المشاعر التي يريد الفيلم نقلها. 

في «صنع الأمواج: فن الصوت السينمائي» (2019 – Making Waves: The Art of Cinematic Waves)، يظهر لنا هذا الفيلم الوثائقي الفن الذي يقف خلف عالم تصميم الصوت في السينما، وكيف هو سحر خالص، فن الوهم في خدمة العاطفة. تتولّى مصممة الصوت ميدج كوستن، مهام إخراج الفيلم. وهذه كانت الطريقة لتعبر بها عن حبها وتقديرها لهذا النوع من الفن. إن الشغف الذي تمتلكه معدٍ منذ المشهد الافتتاحي للفيلم.

يتعمق جورج لوكاس وستيفن سبيلبيرغ وديفيد لينش وباربرا سترايساند وصوفيا كوبولا وكريستوفر نولان في أهمية الصوت، ويقدمون الفنانين العظماء الذين يختبئون وراء أهم سحر مخفي في السينما. يتفق كل هؤلاء المخرجين على أن الصوت يشكل 50% من الفيلم. آذاننا هي التي توجه أعيننا عند بداية القصة، قالها سبيلبيرغ. 

صنع الأمواج: فن الصوت السينمائي (2019)
صنع الأمواج: فن الصوت السينمائي (2019)

«صنع الأمواج: فن الصوت السينمائي»، هو تكريم لمصمّمي الصوت، أولئك الذين خلقوا عالماً من الصوت وقوانين الضوضاء. والتر مورش وبن بروت وكبستن مايت وفيكتوريا روز سامبسون وغاري ريدستروم، هم بعض هؤلاء الابطال المتواضعين في الفيلم. تكتشف الفيلم تاريخ وفن هؤلاء الأسطوريين من خلال مقابلات ومقاطع من أفلامهم. يصرحون كيف أن اكتشافهم وتصميمهم للصوت يكثف بشكل كبير تجربة الجمهور الغامرة والعاطفية. ويكشف أيضاً عن الثورة الجذرية في الصوت، التي ولدت في السبعينيات عندما حدثت قفزة نوعية في تكنولوجيا الصوت، من عالم الموسيقى، ليحتضنها صناع أفلام أصحاب رؤية أمثال ستانلي كوبرك، وفرانسيس فورد كوبولا وجورج لوكاس وغيرهم، مما أدى إلى عصر ذهبي جديد لتصميم الصوت. سيعمل هذا الوثائقي على «فصل آذاننا» وإيقاظ وعينا بكيفية تأثير الصوت علينا في الأفلام والحياة الواقعية.

يأخذنا الفيلم من بداية الصوت في السينما، والأهم من ذلك، انفجار أول فيلم «ناطق» «مغني الجاز» (1927 – The Jazz Singer)، وصولاً إلى استخدام الصوت في كلاسيكيات العصر الحديث من خلال المقابلات التي أجريت مع مصممي الصوت والمخرجين. 

يحلّل «صنع الأمواج: فن الصوت السينمائي» كل قسم من أقسام تحرير وتصميم الصوت، من تسجيل الصوت خلال التصوير، إلى محرري الصوت والمؤثرات الصوتية والميكساج ومحرري الحوار ومصممي الفولي. 

يصوّر الفيلم هذه العمليات التي تعمل معاً ويوضحها بحيث ينقل المعلومات الغنية للسرد بطريقة مفهومة ومتماسكة. يتكون الفيلم من قائمة طويلة من الأفلام التي تكتسب معنى جديداً عندما ننتبه إلى كيفية وقوعها على آذاننا. 

سترغب في مشاهدة كل الأفلام المشار إليها مرة أخرى، بينما يقوم أسياد الصوت بشرح كل شيء، وشرح الابداعات التي أدخلها أورسون ويلز وألفريد هيتشكوك إلى هذه الحرفة.

 قد لا تكون فكرت من قبل في كيفية صنع الصوت للفيلم وكيف يثري ذلك استمتاعنا به، ففي النهاية، نحن دائماً نتحدث عن مشاهدة الفيلم وليس سماعه. ولكن كل هذا سيتغير بعد أن تستمع إلى أساتذة الصوت يناقشون ويحللون التأثير الخفي الذي يمكن للصوت إحداثه.

صنع الأمواج: فن الصوت السينمائي (2019)
صنع الأمواج: فن الصوت السينمائي (2019)

إحدى أبرز اللحظات البارزة في الفيلم هو مشاهد تصميم الصوت لمشهد حرب فيتنام في فيلم «القيامة الآن» (1979 – Apocalypse Now)، يشرح والتر مورتش، مصمم الصوت الأسطوري، كيف صمّم المشهد الصوتي بدقة لنقل الفوضى والشدة والتأثير النفسي للحرب. 

يسلط المشهد الضوء على كيفية استخدام مورتش لطبقات من أصوات المروحيات والانفجارات والضوضاء المحيطة لخلق شعور بالارتباك والانغماس. كما يناقش القرار الإبداعي بإدراج أغنية «The End» الشهيرة لفرقة «The Doors»، التي لا توفر فقط نقطة مقابلة غريبة للسرد البصري ولكنها تعمّق أيضاً الرنين العاطفي للمشهد. يوضح هذا المثال تماماً كيف يمكن للصوت أن يرفع من السرد والعمق العاطفي للفيلم، مما يجعله أداةً قويةً لسرد القصص. يسمح الاستكشاف التفصيلي لهذا المشهد في الفيلم الوثائقي للمشاهدين بتقدير البراعة والمهارة المتضمنة في خلق مثل هذه اللحظة السينمائية التي لا تُنسى. 

كما يسلط «صنع الأمواج: فن الصوت السينمائي»، على العديد من اللحظات الأيقونية في تاريخ السينما، ويعرض القوة التحويلية لتصميم الصوت مثل السيف الضوئي (Lightsaber) في أفلام «حرب النجوم» (Star Wars)، عندما ابتكر مصمم الصوت بو بورت صوت السيف الشهير من خلال مزج صوت محرك جهاز عرض الأفلام مع التداخل للترددات اللاسلكية من جهاز التلفزيون. وأصبح هذا الصوت مرادف لسلسلة «حرب النجوم»، وهو مثال رئيسي لكيفية تحديد تأثير الصوت الأصلي لهوية الفيلم.

السيف الضوئي، حرب النجوم 
السيف الضوئي، حرب النجوم 

 أما في فيلم «الحديقة الجوراسية» (1993 – Jurassic Park)، فقد قام مصمم الصوت غاري ريدستروم، بدمج أصوات حيوانات مختلفة، بما في ذلك فيل صغير ونمر، لإنشاء زئير الديناصور تي ريكس المرعب. وفي أجواء فندق «Overlook» في فيلم «البريق» (1980 – The Shining) للمخرج ستانلي كوبريك، يعمل استخدام الأصوات المخيفة والمترددة في الفندق على تضخيم الشعور بالعزلة والرعب. إن الموسيقى التصويرية المؤثرة الممزوجة بالمؤثرات الصوتية المزعجة، مثل انتقال عجلات دراجة داني ثلاثية العجلات من السجادة إلى الخشب الصلب، تزيد من التوتر النفسي. في فيلم «غرافيتي» (2013 – Gravity) للمخرج ألفونسو كوارون، يُستخدم غياب الصوت في الفراغ الفضائي بشكل مرعب. استخدم مصمم الصوت في الفيلم الاهتزازات و الأصوات المكتومة لمحاكاة ما قد يسمعه رواد الفضاء من خلال بدلاتهم، مما يخلق تجربة سمعية فريدة تنقل عزلة وخطر الفضاء.

أحد العناصر الأكثر بروزاً في مشاهدة «صنع الأمواج: فن الصوت السينمائي»، هو نظرته الشخصية الرائعة لتصميم الصوت على مستوى بشري للغاية من خلال وصف كيف أنّ أول حاسة تأتي إلى الجنين البشري في رحم الأم هي السمع. قبل الرؤية والشم والتذوق واللمس، يسمع الطفل الذي لم يولد بعد العالم من حوله.

 إن فهم هذا الواقع هو معرفة أساسية حاسمة عند فحص أهمية الصوت في السينما. بالإضافة إلى ذلك، يوفر الوثائقي لمحة حميمة عن العملية وراء الكواليس لإنشاء الصوت. إنها ليست مجرد مسألة تسجيل لكمة تسحق العظام أو التقاط رياح عاصفة بشكل شخصي. ولكن هناك إجراءات تقنية وعملية شاقة تتطلب ساعات لا حصر لها من الجهد البشري والاستكشاف.

شارك هذا المنشور