فاصلة

مراجعات

«6 أيام: عملت إيه فينا السنين».. ما ستشعر به بعد مشاهدة الفيلم

Reading Time: 4 minutes

يبدو أن الأفلام الرومانسية في أفضل حالاتها حاليًا، فبعد أن كنا نشهد فيلمًا رومانسيًا واحدًا أو اثنين على الأكثر خلال العام، يُطرحان في عيد الحب على الأرجح، ها نحن نشهد ثالث فيلم رومانسي في أقل من ثلاثة أشهر: «الهوى سلطان»، ثم «بضع ساعات في يوم ما» وأخيرًا «6 أيام: عملت إيه فينا السنين» من تأليف وائل حمدي وإخراج كريم شعبان الذي يقدم فيلمه الطويل الأول.

وعلى العكس مما يراه البعض من كون الأفلام الرومانسية أفلامًا سهلة الصنع؛ لكن هذا التصنيف السينمائي في واقع الأمر شديد الصعوبة، إذ أن المساحة المتاحة لابتكار قصص جديدة تبقى محدودة في هذا الإطار، وهكذا يراهن الكثير من صناع هذه الأفلام على طريقة السرد نفسها، وعلى صناعة تفاصيل مختلفة للشخصيات الرئيسية، مما يعطي الفيلم أبعادًا مختلفة وغير معتادة. «6 أيام: عملت إيه فينا السنين» يعتمد بشكل واضح على طريقة سرد مختلفة لتقديم قصته الرومانسية، وهو ما يمكن تحليله بشكل واضح من خلال السيناريو وارتباط الشخصيات بالزمان والمكان، وأخيرًا أداء بطلي العمل.

تتابع أحداث الفيلم الثنائي يوسف (أحمد مالك) وعالية (آية سماحة) اللذين تنشأ بينهما قصة حب أثناء المراهقة ثم تختفي عالية لعدة سنوات قبل أن يلتقيا صدفة ويتفقان على اللقاء مرة واحدة كل سنة، تحديدًا يوم 19 ديسمبر ليتعرف كل منهما على حياة الآخر خلال السنة السابقة.

يبدأ الفيلم من عام 2006، وينتهي في عام 2024، لكن فعليًا نحن نشاهد بطلي الفيلم فقط في ستة أيام خلال هذه الأعوام. تيمة اللقاء بعد غياب لمتابعة المتغيرات التي حدثت في الماضي ليست جديدة بالطبع، وحتى فكرة اللقاء في يوم محدد في السنة قُدمت في رواية «November 9» (التاسع من نوفمبر) تأليف كولين هوفر. إذن ما الجديد الذي قدمه الفيلم؟

الجديد هو الشخصيتين نفسيهما، وما يحدث لهما خلال هذه الفترة. البداية كانت مع يوسف وعالية في المرحلة الثانوية، ثم نقابلهما بعد سبع سنوات تقريبًا لنرى ما أصبح عليه كل منهما بعد التخرج. الانتقال بين اليومين الأول والثاني من الأيام الستة كان سلسلًا ومقبولًا إلى حد كبير، إذ أن الفاصل الزمني بين الحدثين كان يسمح بتغيرات كبرى بطبيعة الحال. لكن هذه السلاسة لم تستمر مع مرور الأحداث، والانتقال بين أيام/ أعوام مختلفة.

6 أيام: عملت إيه فينا السنين
6 أيام: عملت إيه فينا السنين (2025)

 فضّل صناع الفيلم أن يكون كل لقاء تال على تغير كبير يجري لإحدى الشخصيتين، وهو ما كان بمثابة عنصر جذب قوي، إذ دفع هذا المُشاهد للتساؤل عما سيحدث في اللقاء التالي، وأي البطلين سيتحسن أو يسوء وضعه أكثر، لكن على الجانب الآخر كانت هناك صعوبة أكبر في تقبل التحولات التي تقع للشخصيتين خلال عامين فقط في بعض الأحيان، وبدا كأن ما نشاهده هو مكتوب فقط لاستكمال حالة الفيلم ولا يخضع لمنطق كامل، فإما أن تقبل -كمشاهد- بالتجربة أو تبدأ في التفكير مطولًا في تطور الشخصيتين مما قد يهدم الفيلم.

6 أيام: عملت إيه فينا السنين (2025)
6 أيام: عملت إيه فينا السنين (2025)

لهذا كان الثلث الأخير من الفيلم أكثر تماسكًا وأقوى في مشاعره، إذ كانت التحولات الشخصية قد انتهت إلى حد كبير، ولم يبقَ إلا المواجهات العاطفية بين يوسف وعالية، وهو ما كنا ننتظره بالفعل منذ بداية الفيلم.

لزيادة الانغماس الشعوري مع الأزمنة المختلفة، كان هناك تعزيز لتفاصيل الزمن، بالذات في اليومين الأولين، إذ أنهما الأقدم ويمكن ملاحظة التغيرات فيهما بشكل أكبر. جاء هذا من خلال إجراء مكالمة من خلال كابينة اتصال في الشارع، والتي كانت منتشرة في مصر قبل انخفاض أسعار مكالمات الهواتف المحمولة، أو من خلال بوستر ألبوم عمرو دياب (الليلة) الذي صدر عام 2013 لاحقًا. مشكلة هذه التفاصيل أنها كانت ملفتة بشكل واضح، وكأن ملامح الزمن تشهد على هذه العلاقة، أو كأن كل لقاء كان له تفصيلة ما مرتبطة بوقته، حتى وإن كانت تظهر على الهامش. ولكن ما لبثت هذه التفاصيل أن خفتت تمامًا أو اختفت في اللقاءات اللاحقة، وبدا التركيز بشكل أكبر على التكوينات الجمالية قدر الإمكان، بغض النظر عن أهميتها في المشهد. حتى شريط الصوت انتقل من أغنيات عمرو دياب لأغنيات أم كلثوم وعبد الحليم حافظ التي تنقل حالة شعورية محددة مناسبة للمشهد، لكنها في النهاية أغاني عابرة للزمن وليست مرتبطة بحقبة معينة.

6 أيام: عملت إيه فينا السنين (2025)
6 أيام: عملت إيه فينا السنين (2025)

خلال الفيلم حاول المخرج في أغلب المشاهد أن يربط كل يوم من الأيام الستة بمكان معين، وإن لم تبقَ أغلب هذه الأماكن طويلًا في الذاكرة لأن شخصيتي الفيلم لم يمكثا في مكان واحد مدة طويلة، وكانت الغالب لقاءاتهما التمشية في شوارع القاهرة، وهذا يعيدنا مرة أخرى إلى فكرة الانتقال المتكرر بين الأعوام وتأثيره على الخيارات الإخراجية. فبتغيُّر شخصيتي بطلي العمل؛ يختار المخرج في كل مرة أماكن مختلفة ربما تعكس مستوى اجتماعي ما، ولكنها لن تربطنا بالشخصيات بشكل حقيقي، فلن نشعر طوال الفيلم بأن هناك مكان محدد نرتبط به مع الشخصيات، باستثناء شارع واحد يتكرر في بداية وقرب نهاية الفيلم. بالتأكيد كان التعامل مع السيناريو ذي الأماكن والسنوات المتعددة صعبًا، ولكن في فيلم يعتمد بالأساس على المشاعر، ربما كانت الأماكن لتلعب دورًا أكبر مما لعبته هنا.

وسط هذا كان الثِقَل الأكبر لإيصال شخصيتي يوسف وعالية ملقى على أحمد مالك وآية سماحة، حتى يستطيعا أن يوصلا للمشاهد أنهما نفس الشخصين خلال هذه الرحلة الممتدة لعدة سنوات. ربما شاهدنا مالك في أدوار مشابهة، وقد أدى مهمته هنا بإتقان، ولكن أداء آية سماحة كان ملفتًا بشكل أكبر، إذ بنت شهرتها في السنتين الأخيرتين على الأدوار الكوميدية وحققت فيها نجاحًا جيدًا، ولكنها المرة الأولى التي نراها تتصدى لبطولة دور يمتلئ بالمشاعر والتحولات والحزن، واختيارها أمر يحسب للمخرج، خاصة ونحن نتحدث عن فيلم كامل نتابع خلال أغلب مدته ممثل وممثلة فقط، وقد نجحت في سماحة طوال الفيلم في أن تشعرنا أنها شخصية واحدة تمر بمراحل مختلفة، ولكن تبقى هي عالية، وكان تميزها الأكبر في النصف الثاني من الفيلم.

6 أيام: عملت إيه فينا السنين (2025)
6 أيام: عملت إيه فينا السنين (2025)

يمكن القول إن رهان الفيلم على الانتقال بين السنوات والأماكن لم يكن هو عامل نجاحه الرئيسي كما يبدو، ولكن ما يقدمه من مشاعر في نصفه الثاني عندما يبدو أكثر تركيزًا على شخصيتيه، هو ما يترك الأثر الحقيقي لفيلم «6 أيام».

اقرأ أيضا: صندانس 2025: «اللي باقي منك».. الذاكرة والملحمة والمعضلة الأخلاقية في أحد أفلام شيرين دعيبس

شارك هذا المنشور

أضف تعليق