فاصلة

مقالات

«2001: ملحمة الفضاء».. ملحمة إنسان نيتشه العالي

Reading Time: 3 minutes

في فيلمه «2001: A Space Odyssey» الصادر عام 1968، قدم لنا المخرج ستانلي كوبريك، قصة خيال علمي، تدور حول نشأة الإنسان البدائي الذي أتى عن طريق الحجر الأسود الغريب، وفجأة ينتقل للمستقبل تحديدًا على كوكب المشترى، حيث يجد حجرًا أسودًا مشابهًا عليه، فتبدأ رحلة البحث عن كائنات أخرى قد تكون عالقة، في رحلة ممتعة يخوضها كل من «ديف» و«فرانك»، ورفيقهما  «هال»، وهو جهاز كمبيوتر متطور يدير المكوك الفضائي.

ملحمة الفضاء

كل شيء يولد من الظلام

يبدأ ستانلي كوبريك فيلمه بداية غير متوقعة، بظلام دامس لمدة ثلاث دقائق إلى أن ينقلنا بلقطة عالية يٓظهر فيها القمر والأرض والشمس وكأنه يقول لنا أنه من هذه النقطة بدأت ولادة الكواكب ومن الظلام كل شيء يولد؛ قٓسم الفيلم في بدايته القرود إلى قسمين قِسم مُستحوذ على بقعة ماء للشرب وقسم آخر وضع تركيزه على تحسين حياته باستحواذه على قطعة الماء تلك وفعلاً الحاجة هي كانت المُحرك الأساسي في تلك المرحلة للقرود؛ وعلى سبيل المثال بعد مشهد الاقتتال على بقعة الماء نرى الفهد واضع أنيابه بكل أريحية على فريسته وكأنه يقول أن الطعام ليس حاجة بالنسبة إلي فمن الممكن أن أجلب لنفسي الكثير من الطعام بسهولة.

الاحتياج ضرورة لـ التطور

في صباح اليوم التالي لواقعة الاستيلاء على بقعة الماء يظهر مجسم غريب، ليصوب المشاهدين ناظرهم إلى السماء كأنها دلالة على أن المجسم هذا ليس قادم من الأرض إنما هو من السماء، فنبدأ ملاحظة التطور الذي طرأ على أحد القردة والذي استخدم قطعة عَظم كوسيلة لإشباع احتياجاته، فيتساوى القرد والفهد باستخدام العظام، الجميع الآن يستطيع نيل متطلباته بسهولة، ولم يعد على القرود التي تمتلك العظام أن تتقاتل على بقعة الماء فهي التي تمتلك أفضلية الاستحواذ عليها بسبب سلاحها -العظام-.

ملحمة الفضاء

فالبقاء والعبور من ذلك الماضي السحيق للحاضر ومنه للمستقبل هو حق البشر الذين ثاروا على نهج حياتهم البائس وسمحوا للتطور أن يغيرهم ويغيرها، على سبيل المثال القرود الذين استحوذوا على بقعة الماء في البداية، لم تؤرقهم الحاجة، لأنهم يملكون المياه من الأساس، فلا داعي للاقتتال عليها، وهنا يكمن جوهر مشهد إلقاء قطعة العَظم إلى السماء.

الإنسان الأعلى عند نيتشه

الاِنسان الأعلى في مفهوم نيتشه على لسان زرادشت، هو الإنسان السامي من جميع العيوب والكامل بالأخلاق وإما الإنسان العادي توجد به الكثير من العيوب الأخلاقية بسبب المجتمع المغروس فيه، القيم الاخلاقية الفاسدة والسيئة، الإنسان الأعلى على لسان زرادشت هو الشخص المتحرر من كل تحيز ومن الأخلاق طويلة الأمد التي تتسرب إلى المجتمع البشري وهو الذي يخلق قِيَمَهُ وأهدافهُ الخاصة. 

 نيتشه وملحمة الفضاء

تحولات الإنسان الأعلى الثلاثة هي التي ستجعلنا نصل إلى نقطة فهمٍ مختلفة عن فيلم«2001: ملحمة الفضاء»، التحولات الثلاثة كالآتي: «كيف تصبح الروح جملاً؟ والجمل اسدًا؟ والأسد طفلا؟»؛ تحدث زرادشت عن الروح وهي الشيء المكون لكل شيء، الجمل؛ وهو معروف بنقل الأسفار والتعب والشقاء وتحمل وعثاء السفر، وبعدها أصبح الجمل أسدًا؛ استطاع اكتشاف السلاح -العظام- والتي تستطيع نقله من كونه جملًا إلى كونه أسدًا له سطوة واستقلال، ويصبح الإنسان الأعلى  في المرحلة التي تسبق ذلك؛ فالنهاية يصبح طفلاً يولد نَقِيٍ كنقاء الثلج مثل ما أراد نيتشه، ومثل ما أراد زرادشت، إنسان أعلى، طفل كامل الأخلاق غير متأثر بأي سياسية ولا ايديولوجية. وهكذا يبسطُ علينا ترجمة فيلم ملحمة الفضاء.

 ودعونا نختزل حديثنا عن الفيلم بالتحولات الثلاثة من المراحل الأربعة:

مرحلة «الروح»، وهي بداية الخليقة السواد القاتم الذي ولدَ الإنسان الأول البدائي الذي رمز له كوبريك بالقرود. 

ومرحلة «الجمل»، وهي انتقال البشر البدائيين إلى مرحلة أخرى بعدما شعروا بالحاجة، فالحاجة هي المحرك الأساسي لتطور البشرية؛ الحاجة إلى الماء هنا أوصتهم للانتقال من مرحلة الاستضعاف «مرحلة الجمل» إلى «مرحلة الأسد» أو «مرحلة العظم»، وهي المرحلة التي أقر فيها البشر بأنهم بحاجة إلى تغيير وضعهم الحالي والوصول لمرحلة أعلى والسيادة على المجموعة التي طمست نفسها في بدائية عقلها ولم تسمح للتطور بالدخول عليه لأنها من الأساس تملك الشيء الذي تطورت من أجله المجموعة الأولى «الماء».

ثم مرحلة «العظام» أو «الأسد» وهي مفهوم الحاجة للتطور، والحاجة للمعرفة، ولم يطرًا تطورًا آخرًا بعدها في الفيلم حتى نهايته.

وأخيرًا التحول الأخير إلى مرحلة «الطفل»، وهي مرحلة ولادة الإنسان الأعلى الذي تحدث عنه نيتشه، وهو بكل بساطة الطفل في نهاية الفيلم  الذي سيكون اختيارًا من اثنين، إما المخلص والرسول للبشر البدائيين أو هو الطفل الوحيد الذي سيكون على وجه الأرض، ويبدأ حضارة جديدة من البشر العاديين.

اقرأ أيضا: «مكان هادئ: اليوم الأول»… بيتزا في نهاية العالم

شارك هذا المنشور