ما هي الأدوار التي تبلورت من خلالها موهبة ألان دولون؟ أي شخصيات ستصمد في الذاكرة؟ هل ثمّة أسماء تتبادر إلى الذهن عندما نذكره؟ في الآتي، 12 دوراً في 12 فيلم صنعت أسطورة هذا الممثّل الأيقوني الذي غادرنا مؤخراً، لكن ما سجّله على الشريط، سيبقى طويلاً.
1 – «شمس ساطعة» لرينه كليمان
أول دور مهم لـ«دولون». يمكن القول أن رينه كليمان وضع هنا أعمدة الممثّل الذي سيكونه في السنوات اللاحقة. ما كان لـ«دولون» أن يكون من دون هذا العمل الكاشف لنزعته إلى تجسيد الإزدواجية التي حاول مخرجون آخرون الحفر فيها من دون بلوغ هذه المرتبة من الاكتمال.
فكرة الشخص الذي يتناقض جماله مع قبح أفعاله لم تكن جديدة، لكن دولون حملها إلى مستوى آخر من خلال دور توم ريبلي، وذلك بعدما كان رفض أن يلعب دور الطيب الذي أُسند في الأخير إلى موريس رونيه، ممّا يؤكّد أنه كان صاحب رؤية وحدس وغريزة، ويطيح كلّ الآراء التي تحصره في مجرد وجه جميل.
2 – «روكّو وأخواته» للوكينو فيسكونتي
أحد الأفلام الإيطالية الخمسة التي مثّل فيها دولون. إنه روكّو باروندي، أحد الأشقاء الخمسة لعائلة فقيرة من جنوب إيطاليا، يهاجرون إلى ميلانو بحثاً عن حياة أفضل. روكّو جوهر الفيلم. انه الطهارة والخير والتضحية في بيئة تزداد قسوةً. يرمز إلى المعاناة في عالم لا يرحم. طيبته، التي تكاد تكون شبيهة بصفات المسيح، تتناقض مع العنف المحيط به.
يقدّم دولون لهذا الدور شحنة عاطفية وكثيراً من الهشاشة، ممّا يبرز مأساة الشخصية المحاصرة بقيمها الأخلاقية. له قدرة عالية على التعبير عن مشاعر معقّدة بدقّة بالغة.
3 – «الكسوف» لميكلأنجلو أنتونيوني
كان دولون محظوظاً في التسلل إلى عالم أنتونيوني المشبّع بالتعقيدات النفسية، الذي كان حكراً على الإيطاليين حتى ذلك الحين، وفي مقدّمهم مارتشيللو ماستروياني. دخله بثقة عالية في الذات، الشيء الذي كان يميّزه.
في هذا الجزء الثالث والأخير من ثلاثية أطلق عليها «ثلاثية الانحطاط»، جسّد دور بيارو، وكيل بورصة في روما. من خلاله تناول مخرج «بلو آب» الفراغ العاطفي والسطحية اللذين يطغيان على العلاقات الإنسانية في سينماه.
بيارو شخصية جذّابة وساحرة، ولكنه في الوقت نفسه مادي للغاية ومنفصل عاطفياً. اختاره المعلّم للتعبير عن الاغتراب، التيمة التي ارتبطت بأنتونيوني وصوّر به شخصيات ضائعة في عالم معاصر خالٍ من المعنى، حيث لا قدرة للأفراد على بناء روابط حقيقية بسبب مجتمع مهووس بالمادية. منح دولون الشخصية بُعداً بارداً وبعيداً، وعنه قال المخرج: «إنه حاضر وغائب في آن واحد، سطحي وعميق».
4 – «الفهد» للوكينو فيسكونتي
بعد روكّو، أعطاه فيسكونتي دوراً آخر، يختلف 180 درجة عمّا سبقه. يلعب هنا دور تانكريدي فالكونيري، شاب نبيل من صقلية وابن شقيق الأمير سالينا (برت لانكستر). يجسّد مزيجاً من سحر الشباب والانتهازية السياسية.
إنه شخصية كاريزماتية، لكنه في الوقت ذاته براغماتي، خياراته نتيجة حسابات دقيقة. يدرك أن العالم من حوله يتغيّر مع توحيد إيطاليا، فيقرر التكيّف مع هذه التحوّلات للحفاظ على مكانته الاجتماعية، فينضم إلى قوات غاريبالدي رغم انتمائه إلى الأريستوقراطية.
يمثّل دولون تراجع الأريستوقراطية التقليدية وصعود طبقة اجتماعية جديدة، فيجسّد هذا التحوّل، حيث يظل متشبثاً بماضيه النبيل لكنه مستعد لاحتضان المستقبل. يأتي دولون إلى الشخصية بمزيج من الجاذبية والبرود المحسوب، ناقلاً بشكل مثالي جوهر رجل يتنقّل ببراعة بين التقليد والحداثة.
5 – «المتمرّد» لألان كافالييه
أول مخرج من جيله عمل معه دولون الذي يؤدي هنا دور جندي سابق يشعر بالخيبة والتمرد، ممّا يدفعه إلى ترك الفيلق بعد مشاركته في حرب الجزائر. يعاني هذا الرجل من صراع داخلي بين ماضيه العنيف ورغبته في التكفير عن ذنوبه. هذا كله سيزّج به في موقف ضعيف.
شخصيته معقّدة، تجمع بين القوة والحساسية. يقدّم دولون الدور بشدّة عاطفية وهدوء، يردّ من خلاله الاعتبار إلى إنسان ممزّق بين شياطينه الداخلية ومجتمع لا يترك له مجالاً للهروب. إنه باختصار شخصية تراجيدية ترمز إلى الجراح التي تتركها الحرب. العمق العاطفي الذي يمنحه دولون للدور يكشف موهبته في تجسيد الشخصيات المعذّبة التي كان هو منها في حياته بعيداً من الشاشة.
6 – «الساموراي» لجان بيار ملفيل
من أشهر أدوار دولون، حيث رسّخ مكانته كأيقونة سينمائية. تميز أداؤه في هذا الفيلم بحضور مهيب وغموض يكتنف الشخصية. ملفيل كتب الدور وهو يتخيّله، وكان الفيلم ليبقى غير منجز لو رفض المشاركة فيه.
هذا العمل لم يكن مجرد محطة نجاح لدولون، بل عزز أيضاً أسطورة ملفيل. بعكس الكثير من الممثّلين، لم يكن في حاجة إلى نصّ طويل لإثبات براعته، فأظهر مهاراته الفائقة في المشاهد الصامتة.
جف كاستيللو، القاتل المأجور الذي يعيش كذئب منعزل، يتبع خطوات دقيقة لإتمام مهامه. هذه الشخصية التي تتمتع بصمت مخيف وهالة من الغموض، تتحرك في أرجاء باريس الرمادية كطيف. نظرات دولون الباردة وتعابيره الخالية من أي مشاعر، ساهمت في بناء شخصية لا تُنسى، ويمكن اعتبارها تجسيداً لكينونة دولون نفسه.
صورة ظلّت مرتبطة به طوال مسيرته. التعاون مع ملفيل لم يتوقّف عند «الساموراي»، بل تكرر في فيلمين آخرين هما «شرطي» و«الدائرة الحمراء». وكان من المقرر أن يجتمعا في مشروع رابع، إلا أن وفاة ملفيل المفاجئة حالت دون تحقيق ذلك.
7 – «حوض السباحة» لجاك دوريه
عمل شديد الحسّية، عصري على مستوى الشكل، فريد إيقاعاً وأجواء. قال عنه دولون يوم أطل في مهرجان كانّ إنه غير قادر على مشاهدته من شدّة ما يشعر بحزن من رؤية رومي شنايدر التي ربطته بها علاقة غرامية وتشاركه الشاشة في هذا العمل.
دولون هنا كاتب يمر في أزمة وجودية ويبحث عن مصدر إلهام. يراهن دوريه على الجمال، سواء جمال الكادرات أو جمال وجهي دولون وشنايدر اللذين لا يُقاومان. فيلم ذو شخصية قوية وحضور في الذاكرة السينيفيلة، لا يمكن تصوّره من دون الراحل.
8 – «عصابة صقلّية» لهنري فرنوي
كان لدولون دوران تحت إدارة هنري فرنوي، الذي تستحق سينماه اعادة اكتشاف، هذا أحدهما. فيلمان سمحا له بالوقوف أمام جان غابان. يجسّد هنا دور مجرم كاريزماتي قاسي القلب.
إنه لص محترف محكوم عليه بالسجن المؤبد، لكنه ينجح في الهروب بمساعدة عائلة ماناليزي، وهي عائلة مافيا صقلّية نافذة يقودها فيتوريو ماناليزي (غابان).
دولان يقدّم دوراً محورياً في حبكة الفيلم. ذلك أنه بعد هروبه، يقترح على الماناليزي خطّة لسرقة مجموعة مجوهرات ثمينة أثناء عرضها في روما.
إنه شخص ذكي، لمّاح، متلاعب، مستعد لفعل أي شيء لتحقيق أهدافه. ترتسم على تفاصيل وجهه تلك المهارة في التلاعب بمَن حوله، بينما هو يبقى دائماً على حافة الخطر.
في مقابلة، قال فرنوي عنه: «خلف نظراته الفولاذية، ثمة توتّر دائم وعدوانية بالكاد مكبوتة. هذا ما يصنع قوته التمثيلية».
9 – «اغتيال تروتسكي» لجوزف لوزي
دراما سياسية عن الأشهر الأخيرة من حياة ليون تروتسكي، الثوري الروسي المنفي في المكسيك، الذي اغتيل في عام 1940، لكن دولون يلعب دور رامون ميركادير الرجل الذي سيغتاله، في حين يتولّى شخصية المغدور ريتشارد برتون.
كعادته عندما يبني شخصية مركّبة، يقاربها ببرودة وحسابات وتصميم لا مثيل له، ممّا يعكس الطبيعة المنهجية والشرسة لميركادير، المدفوع بإيديولوجيته وولائه لستالين، والمستعد للتضحية بكلّ شيء من أجل تنفيذ مهمّته.
محاولة دولون للنبش في الصراعات الداخلية للشخصية تنسجم تماماً مع الفكرة التي عند لوزي عن الطبيعة البشرية، وذلك بأسلوبه المعتاد القائم على الهدوء.
10 – «ليلة الهدوء الأول» لفاليريو زورليني
دولون هو أستاذ الأدب الفرنسي في هذه الدراما التأملية التي تستكشف مواضيع الاغتراب واليأس والحبّ في إطار لا يخلو من السوداوية. إنه دانييلي، الرجل الذي يحمل جراحاً عميقة.
هو أستاذ في الأدب، لكنه أيضاً رجل يحاول الهروب من شياطينه الداخلية وماضيه المؤلم. اللافت هو العمق الدرامي الذي يعطيه دولون لدوره، بأسلوب أدائه لرجل معذّب يبحث عن مخرج من حياة مملوءة باليأس، لكنه يجد نفسه عالقاً في دائرة مفرغة.
11 – «رجلان في المدينة» لجوزيه جيوفانّي
عمل مرجعي ضد عقوبة الإعدام التي أُلغيت بعد سنوات من عرضه، وتحديداً في عهد ميتران. المخرج نفسه كان محكوماً بالاعدام قبل ان يحظى بالعفو. دولون يقول إن هذا أحد أفلامه المفضّلة وكم هو محق في ذلك. شاهدته أخيراً ولا يزال متماسكاً على كافة المستويات.
يلعب فيه شاب خارج من السجن حديثاً يحاول لملمة حياته من جديد، لكن حياته الجديدة لا تريده. وفي حين جان غابان يدعمه ويحرص على دمجه في المجتمع مجدداً، هناك شرطي (ميشال بوكيه) يحاول إعادته إلى السجن.
فيلم كبير عن الفرصة الثانية التي تُمنع على بعض الناس وتأتي عليهم بنتائج كارثية.
12 – «السيد كلان» لجوزف لوزي
عند موت دولون قيل الكثير عن مواقفه السياسية. لكن هناك من أشار أيضاً إلى أنه رغم مغازلته أفكار اليمين، فإنه انخرط قلباً وقالباً في مشاريع لسينمائيين ينتمون إلى معكسر إيديولوجي نقيض. و«السيد كلان» من هذه الأفلام.
في ثاني تعاون له مع لوزي، أعطى المخرج الذي كانت وضعته هوليوود على اللائحة السوداء بسبب آرائه الشيوعية، فرصة أن يتناول فصلاً معيباً من تاريخ فرنسا وذلك من خلال شخصية السيد كلان، تاجر تحف خلال فترة ترحيل اليهود الفرنسيين إلى المعسكرات النازية.
الفيلم شكّل ذروة المجازفة التي حملها على عاتقه ممثّل في قمّة تألقه.
ترشح لك: بريجيت لاكومب لـ«فاصلة»: كلّنا مصوّرون والخبرة أصبحت شيئاً ثانوياً