في عام 1978، وفي منتجع مخصص للتزلج على الجليد في ولاية يوتا، تأسس مهرجان مخصص للسينما الأمريكية تحت اسم مهرجان يوتا الأمريكي للسينما Utah/US Film Festival على يد شركة وايلدوود Wildwood Enterprises, Inc المملوكة للنجم روبرت ريدفورد، بغرض دعم التجارب المستقلة خارج نظام هوليوود، ولم تمر ست سنوات إلا وكان المهرجان قد حمل اسمه الذي سيرافقه حتى اليوم وهو صندانس Sundance، والذي يظن البعض إنها مدينة تحتضن المهرجان كما هو معتاد في أسماء الفاعليات السينمائية، لكنها في الحقيقة اسم الشخصية التي لعبها ريدفورد عام 1969 في فيلم «باتش كاسدي وطفل صندانس Butch Cassidy and the Sundance Kid»، لتصير اسمًا مرتبطًا بكل ما هو جديد في صناعة السينما المستقلة الأمريكية، التي سيصير مهرجان صندانس أهم محطاتها السنوية على الإطلاق.
هذا العام تُقام دورة جديدة من المهرجان في الفترة بين 23 يناير و3 فبراير كالمعتاد في مدينتي بارك سيتي وسولت ليك سيتي بولاية يوتا. دورة قد تكون قبل الأخيرة في موقع المهرجان التاريخي، بعدما قررت مؤسسة صندانس فتح باب التقدم لعروض من مدن مختلفة لاستضافة المهرجان انطلاقًا من نسخة 2027، بسبب متاعب الطقس الجليدي وصعوبة السكن والانتقال في الموقع الحالي، لتتقدم عدة مدن تم تصفيتها على عدة مراحل، حتى أعلنت المؤسسة أخيرًا عن ثلاثة عروض وصلت التصفية النهائية، من بينها ملف الموقع الحالي، والذي ينافس مدينة بولدير في ولاية كلورادو ومدينة سنسيناتي بولاية أوهايو على استضافة المهرجان. القرار سيُعلن خلال الربع الأول من العام الحالي، وقد يكون تدشينًا لمرحلة جديدة تمامًا من عمر المهرجان.
بعيدًا عن التاريخ والمدينة المستضيفة، يعرض المهرجان هذا العام عددًا ضخمًا من الأفلام في أقسامه المختلفة. اخترنا منهم تلك القائمة بعشرة أفلام مرتقبة، منها الأفلام العربية الثلاثة المختارة للمهرجان. لكننا بالتأكيد سنكتشف المزيد من المفاجآت السارة خلال المهرجان الذي ستغطيه «فاصلة» للمرة الأولى، والذي تبقى أهميته التاريخية في كونه محطة سنوية لاكتشاف أسماء ستصير في المستقبل القريب من أهم صناع السينما في العالم.
إليكم قائمة الأفلام العشرة المرتقبة..

من أين تأتي الريح Where the Wind Comes From (تونس)
الفيلم العربي الوحيد في مسابقة الأفلام الروائية العالمية يأتي من المخرجة التونسية أمل الجلاتي، والتي حققت نجاحات بأفلامها القصيرة قبل أن تنجز هذا الفيلم الذي ينتمي لأفلام الطريق. مغامرة يقطعها شاب وفتاة في مقتبل العمر لبلوغ مسابقة فنية في جزيرة جربة. الشاب رسام موهوب يحلم بفرصة لتغيير واقعه، والفتاة هي القوة الدافعة التي ستفعل أي شيء من أجل إيجاد فرصة للهروب من عالمهما الضيق.
«تونس جربة» هو العنوان الذي حمله الفيلم في مراحل الإنتاج قبل تغييره إلى العنوان الحالي. فيلم يُنتظر أن يحمل روحًا شابة تتناسب مع موضوعه ومع جاذبيه بطلاه سليم بكار وآية بالأغا، خصوصًا مع موضوعه المختلف عن قائمة الموضوعات التي انشغلت بها أغلب الأفلام التونسية خلال العقد الأخير.

لوز LUZ (هونج كونج)
نموذج متكامل لسينما العالم المعاصر. المخرجة فلورا لاو ولدت في هونج كونج ودرست في الولايات المتحدة وصنعت شهرتها في فرنسا، عندما عُرض فيلمها الأول «انحناءات Bends» في مسابقة نظرة ما بمهرجان كان 2013، ومن هناك بدأت مشروع فيلمها الذي يجمع نجمة السينما الفرنسية إيزابيل أوبير (التي تواصل تجاربها الآسيوية بعد أفلامها مع الكوري هونج سانجسو) والتايوانية ساندرين بينا.
الحكاية تدور بين الصين وفرنسا والعالم الافتراضي، ففي الصين، وتحديدًا في مدينة تشونغتشينغ التي توصف بأنها أحد أغرب مدن العالم معماريًا تبحث أم عن ابنتها الضائعة، بينما تتفاعل مالكة غاليري مع زوجة أبيها المريضة في باريس، فيما تتصادم حياة كل الشخصيات في العالم الافتراضي الذي يكشف فيه غزال وردي غامض الأسرار الخفية. عمل سيكون في الأغلب مرتبطًا بشكل سردي جديد وغير متوقع.

لعبة المواعدة The Dating Game (الولايات المتحدة)
تمتلئ الصين بالحكايات الغريبة والطريفة، لكن المادة الأكثر جاذبية تبقى دائمًا حكايات الحب والزواج والمواعدة، في هذا المجتمع الذي أسفرت القرارات السياسية على الوضع الغريب الذي يعيشه، بين ثقافة محافظة ذكورية الطابع، وارتفاع غير صحي في نسبة الذكور مقابل الإناث بسبب سياسة الطفل الواحد. اليوم وبعد أن انتهت السياسة وبقت نتائجها، يكون على كل فرد أن يجد مكانه داخل عالم العلاقات المختلف عن مثيله في أي مكان في العالم.
في فيلمها الجديد تدخل المخرجة فيوليت دو فينج، صانعة الوثائقيات المتمرسة، هذا العالم من مدخل بالغ الطرافة: خبير المواعدة هاو، الذي يدفع له الشباب كي يدربهم على كيفية إثارة إعجاب الفتيات النادرات. «الخداع الاستراتيجي» سياسة هاو المفضلة، فكما يقول: لو كنت غريب الأطوار أو فقير أو متقدم في العمر، فلا يجب أن تكون أبدًا نفسك وأنت تواعد. فيلم يعد بالكثير من الطرافة والخصوصية الثقافية، كالتي خطفت الأنظار العام الماضي في وثائقي آخر بعنوان «طاردة العشيقات Mistress Dispeller» عن وظيفة أخرى عجيبة لا نراها إلا في الصين.

خرطوم Khartoum (السودان)
الفيلم العربي الثاني في الأقسام التنافسية لصندانس، حيث يتنافس في مسابقة الأفلام الوثائقية الدولية هذا الفيلم الذي يجمل توقيع خمسة مخرجين: أنس سعيد، وراية الحاج، وإبراهيم سنوبي أحمد، وتيمية أحمد، وفِل كوكس، ومن إنتاج سودان فيلم فاكتوري. عمل جماعي كما هو واضح من عدد مخرجيه، الذين يوثق كل منهم سيرة شخصية مختلفة، تعيش داخل مجتمع السودان الذي شهد ثورة شعبية حماسية تحولت حربًا أهلية مخيفة، دفعت شخصيات الفيلم أن يحاولوا – كل منهم على حده – الهروب من جحيم الخرطوم على طريقته.
المخرجون يتابعون خمس شخصيات متباينة: موظف حكومي، بائعة شاي، مُسعف طوارئ، وطفليّ شوارع، فكيف ستُنسج كل هذه الحكايات في عملٍ فنيّ واحد له خمسة مخرجين؟ هذا ما سنعرفه في الفيلم الذي اتم اختياره أيضًا للمشاركة في قسم البانوراما بمهرجان برلين السينمائي خلال شهر فبراير المقبل.

قبلة المرأة العنكبوت Kiss of the Spider Woman (الولايات المتحدة)
فيلم العودة للمخرج وكاتب السيناريو الشهير بيل كوندون، الذي ترشح للأوسكار عن سيناريو فيلم «شيكاغو Chicago» الذي أخرجه بوب مارشال عام 2003، بعدما نال الأوسكار عن سيناريو «آلهة ووحوش Gods and Monsters» الذي أخرجه بنفسه عام 1999. كوندون يعيد تقديم الحكاية التي تم تقديمها في فيلم بنفس العنوان عام 1985، وفي مسرحية غنائية اكتسحت جوائز توني عام 1993، ولكن بصياغة عصرية، غنائية، تلعب فيها النجمة جينفر لوبيز دور فنانة أسطورية أرجنتينية، يتقاسم بطلا الحكاية الإعجاب بها.
الأحداث تدور خلال الثمانينيات في الأرجنتين، زمن الديكتاتورية العسكرية التي تُعرف تاريخيًا بلقب «الحرب القذرة». في ذلك السياق يلتقي داخل زنزانة سجن رجلان مختلفان: سجين سياسي وعامل مدان بالفساد الأخلاقي، ليجمعهما حكاية العرض الموسيقي الذي لعبت بطولته نجمتهما المفضلة، أسطورة الشاشة الفضية إنغريد لونا، وهي الشخصية الخيالية التي تجسدها جينفير لوبيز

يوم بيتر هوجار Peter Hujar’s Day (الولايات المتحدة)
بالنسبة لكثيرين من محبي التصوير والفنون المعاصرة وهواة التأريخ الثقافي، يعد بيتر هوجار أحد أهم رموز المجتمع الثقافي المشتعل لنيويورك خلال سبعينيات القرن الماضي. المصور الموهوب الذي عُرف بصوره المأخوذة بالأبيض والأسود، وبتخصصه في تصوير بورتريه مشاهير المثقفين في غرف نومهم، كصوره الشهيرة لسوزان سونتاج وفران ليبوفيتز ودافيد فويناروفيتش.
إيرا ساكس، أحد أشهر وأنجح المخرجين المستقلين في الولايات المتحدة، يستخدم شريط تم العثور عليه حديثًا مادة لفيلمه الجديد. الشريط يتضمن حوارًا ممتدًا بين بيتر هوجار وصديقته ليندا روزينكرانتز عام 1974، يعطي لمحة من المشهد الفني والثقافي لنيويورك السبعينيات، وما فيها من صراعات شخصية ولحظات تحدد حياة الفنان. يجسد الممثل بين ويشاو دور هوجار، بينما تلعب النجمة ريبيكا هول دور ليندا، في فيلم تكشف المواد الدعائية الخاصة به إنه لن يتضمن سوى شخصيتيه الرئيسيتين.

اللي باقي منك All That’s Left of You (ألمانيا/ قبرص)
ثالث وآخر الأفلام العربية المشاركة في مهرجان صندانس 2025، وأكبرها من حيث الإنتاج وأسماء الصناع. المخرجة الفلسطينية الأمريكية شيرين دعيبس تعود لصندانس بفيلمها الطويل الثالث، بعدما خطفت الأنظار بفيلمها الأول «أمريكا Amreeka» الذي نال جائزة الإتحاد الدولي للنقاد (فيبريسي) في مهرجان كان 2009، ثم عادت إلى المهرجان الأمريكي بفيلمها الثاني «مي في الصيف May in the Summer» عام 2013، وها هي تشارك في المهرجان للمرة الثالثة بعد 12 عامًا كاملة، بفيلم مرة أخرى من تأليفها وإخراجها وإنتاجها وبطولتها، ومعها النجم صالح بكري.
الفيلم من إنتاج ألماني قبرصي مشترك لكنه فلسطيني الموضوع والهوية، يبدأ بمواجهة بين صبي فلسطيني والقوات الإسرائيلية في الضفة الغربية، لتبدأ أمه في سرد حكاية 75 قضتها العائلة منذ بدء الاحتلال وحتى العصر الحالي. فيلم ذو طابع ملحمي يغطي فترة كبيرة من الزمن، لكنه يربطها بحس حميمي تفتش فيه المخرجة في ذاكرتها وماضي عائلتها.

فخ الأرانب Rabbit Trap (المملكة المتحدة)
من قسم عروض منتصف الليل المخصص لأفلام النوع يبرز هذا الفيلم البريطاني المرتقب، ليس فقط لأنه من بطولة النجم المرشح للأوسكار ديف باتيل، لكن لأن كل المعلومات المعلنة عنه تُبشر بفيلم رعب من نوعٍ خاص، يصيغه المخرج البريطاني الأسترالي برين تشايني في تجربته الأولى مع الأفلام الطويلة بعد سلسلة من الأفلام القصيرة الناجحة.
الأجواء هي غابات ويلز المليئة بالغموض، التاريخ هو 1973، عندما تقرر صانعة موسيقى طليعية مهووسة بعملها أن تنتقل مع زوجها ليعيشا في كوخ منعزل وسط الغابات كي تقوم بتسجيل موسيقاها مستعينة بذبذبات المكان، دون أن تتخيل أن تجاربها ستستثير لعنة قديمة تسكن الغابات، ليجدا فتاة غامضة بلا اسم، تدعي إنها صيّادة أرانب، تدق باب الزوجين وتبدأ في التسلل تدريجيًا إلى حياتهما. المخرج صمم على تصوير الفيلم بخام السينما 35 ملليمتر ليمنحه مظهرًا ملائمًا للأجواء الكابوسية، واستعان بفريق صوتي قوي مكوّن من الملحنة لوكريسيا دالت ومصمم الصوت جراهام ريزنيك لصياغة عالم صوتي لفيلم يقوم بالأساس على عنصر الصوت الذي يوقظ لعنة الغابات.

أيام أخيرة Last Days (الولايات المتحدة)
بالنسبة لأغلب جمهور السينما في العالم، جوستن لين هو مخرج أفلام الحركة بالغ النجاح، الذي صنع خمسة أفلام من سلسلة سباقات السيارات الأشهر «سريع وغاضب Fast & Furious» وفيلم من سلسلة «ستار تريك Star Trek». لكن بالنسبة لمحبي صندانس المخلصين ومتابعي السينما المستقلة هو المخرج الأمريكي من أصول آسيوية الذي ظهر في المهرجان عام 2002 بفيلم «حظ أوفر غدًا Better Luck Tomorrow» ليلفت الأنظار لموهبته.
يعود لين أخيرًا لجذوره، تاركًا الأفلام الضخمة وحلبات السباق ليروي القصة الحقيقية المؤلمة للمُبشر الديني الشاب جون ألين تشاو، الذي دفعته أزمات أسرية لأن يلوذ بالدين، ليقوم مبشر متطرف بإقناعه بضرورة الذهاب إلى قبيلة منعزلة في إحدى جزر المحيط الهندي ليقنعهم بدخول المسيحية، بينما تحاول السلطات إيقافه قبل أن يتعرض للأذى أو يؤذي القبيلة. المخرج تفاعل مع الشخصية الآتية مثله من جذور آسيوية، والتي حرّكها مزيج من الإيمان المتطرف والرغبة في المغامرة فدفعها إلى حتفها.

واحد لواحد: جون ويوكو One to One: John & Yoko (المملكة المتحدة)
قد تكون الزيجة الأشهر في تاريخ الموسيقى المعاصرة: زواج نجم فريق البيتلز الأشهر جون لينون مع الفنانة اليابانية غريبة الأطوار يوكو أونو. الزيجة التي انتهت مع اغتيال لينون الصادم على يد أحد المختلين عام 1980. المخرج البريطاني كيفن مكدونالد الحاصل على الأوسكار عام 2000 عن فيلمه الوثائقي «يوم واحد في سبتمبر One Day in September» يُقدم مشاهد جديدة عن مرحلة خاصة في حياة جون ويوكو، هي فترة 18 شهرًا قضاها الثنائي معًا في قرية غرينتش التابعة لمدينة نيويورك الأمريكية في أوائل السبعينيات.
يغوص الفيلم في الأرشيف الشخصي النادر للفترة التي كان جون ويوكو فيها يستكشفان إيجابيات وسلبيات الثقافة الأمريكية، ويتواصلان مع مفكري المرحلة. الفيلم يضم أيضًا لقطات مرممة مدهشة لحفل موسيقي خيري للمعاقين، وهو الحفل الكامل الوحيد الذي أحياه جون لينون بعد انفصاله رسميًا عن البيتلز، الفريق الغنائي الأشهر في التاريخ.
اقرأ أيضا: «شريط صوتي لانقلاب عسكري».. لماذا لن يصمد أفضل وثائقيات 2024 في اختبار الزمن؟