هذه أصعب حلقة قمت بكتابتها من ذكريات الأستاذ وحيد حامد. ليس لشيء إلا أنني بالاستماع للحوار حول أفلامه موضوع الذكريات، أدركت أنها النقطة التي كان الحديث عندها قد بلغ المساحة التي حلمت ببلوغها. مساحة يمكنني خلالها تجاوز إجلالي لحضور وحيد حامد وأستاذيته، ومحبتي الكبيرة لأعماله، والاشتباك معه حول اختياراته الفنية في نفس الأفلام.
لا أزكّي حوارًا قمت به، لكني أشعر بالندم على إضاعة فرصة استكمال هذا الجدل بين الأجيال حتى نهايته، وطرح الأسئلة التي لم يطرحها أحد وقت كانت ضرورية، ثم صار موضوعها أهون من أن يسألها أحد لرجل يؤخذ برأيه في أعظم شؤون الحياة: لماذا اخترت لهذه الشخصية أن تتصرف بهذه الطريقة؟ لماذا انتهى الفيلم بهذه الصورة بينما يعتقد المحاور أن ثمّة نهاية أفضل؟ وهل الاختيارات في الفن تنتمي فقط لزمنها أن يُمكن إعادة تقييمها بعد مرور العقود؟
لا تزال هناك عدة حلقات متبقية في هذه السلسلة، لكن هذه الحلقة الخاصة التي تتناول ثلاثة أفلام دفعة واحدة، سبب يدعو كاتبها للسخط على الكسل والسفر والمرض والزمن الذي لم يسمح لمتعة هذا الحوار بالاستمرار لفترة أطول.
انتخبوا الدكتور سليمان عبد الباسط (1981)
هذا الفيلم مقتبس عن فيلم أعجبني هو فيلم «المرأة في النافذة The Woman in the Window» لفريتز لانج، وقد كتبت هذا بوضوح على غلاف السيناريو الذي قدمته للرقابة وحصلت به على التصريح. لكن المنتج جمال التابعي قام بحذف مصدر الاقتباس من على أفيشات الفيلم، وكانت نظريته أن وجود اسم أي خواجة على الأفيش كفيل بـ«تطفيش» الجمهور، ليُعرّضني تصرفه لسياط النقاد باعتباري سرقت القصة دون الإشارة لمصدرها. الحقيقة أن الحق كان معهم، ولم يكن في وسعي أن أشرح للجميع حقيقة ما حدث من قبل المنتج. لكنهم في نفس الوقت لم يضعوا في اعتبارهم أنني أشرت في أفيشات فيلم عُرض في نفس الوقت هو «غريب في بيتي» للمصدر الأجنبي، بالرغم من أن المعالجة التي قمت بها بعيدة كل البعد عن الأصل، ولو كنت أنوي السرقة كان من الأسهل بكثير ألا أذكر المصدر في «غريب في بيتي» عن التشابه الواضح في «انتخبوا الدكتور سليمان عبد الباسط».
أضف إلى هذا فقر الإنتاج الواضح في الفيلم الذي تم تصويره بالكامل في ثلاثة أسابيع، لتكون النتيجة مشروع خاب ظني فيه.
هل تذكر العناصر التي لفتت نظرك في فيلم فريتز لانج وجعلتك تقرر كتابة نسخة مصرية منه؟
أحببت الفيلم الأجنبي بشكل عام، ولكن هناك حقيقة يجب أن أذكرها هي الحاجة للمال، كنت وقتها أبدأ حياتي وأحتاج بشدة للنقود من أجل تأسيس بيتي وحياة أسرتي، هذا بالإضافة لكوني شخصًا مسرفًا، أفرح بالأموال وأنفقها سريعا. ربما كان هذا سببًا أيضا لكتابة هذا السيناريو. لكن أحب التأكيد أيضا أنك قد تتعامل مع منتج وتعطيه سيناريو متوسط المستوى فيعلو به من خلال اختيار مخرج واع وممثلين جيدين وإنتاج سخي، ومن الممكن أن تكتب سيناريو جيدًا جدًا ينزل به المنتج للأرض، وهذا حدث معي كثيرًا.
هناك تيمة تتكرر في كثير من أعمالك هي صدام الريفي بالقاهرة، والبطل سليمان عبد الباسط هنا أيضا ريفي جاء القاهرة ليعمل كأستاذ جامعي، هل لهذا علاقة بجذورك الشخصية؟
له علاقة بي وبمعظم من حولي، معظم سكان القاهرة من أصل ريفي، الزعماء والقضاة والفنانين، كلهم جاءوا من الريف. الصدام مع المدينة منبع دراما لا تنتهي، كان أعظم من عبر عنها أستاذي الدكتور يوسف إدريس. هو أيضًا كان ريفيًا، وتمكّن في أكثر من عمل أن يربط بذكاء ومهارة بين شخصيات القرية والمدينة بعد أن تشبع بالأثنين، وأعتقد أني أيضا عشت سنوات لا بأس بها هنا وهناك، وتشبعت بالثقافتين، لذلك عبرت في أكثر من عمل على هذا الصدام.
في الفيلم مجددًا طرح عبثي للغاية، عن الرجل الملتزم الناجح صاحب المستقبل المشرق، الذي يقدم على نزوة وحيدة تحطم حياته تمامًا، هل لهذا علاقة أيضًا بانتهاجك للعبث وقتها؟
نزوة سليمان كانت القشة التي قسمت ظهر البعير، لكن الواقع يشهد الكثير من الأحداث الغريبة وغير المتوقعة، وعشرات المرات سمعنا عن رجل اصطحب امرأة لشقته ليقيم معها علاقة، فإما أن يموت هو فتصبح هي في مصيبة، أو تموت هي ويصبح هو صاحب المصيبة، وفي الحالتين يكون هناك عقاب جاهز وبعيد عن المحاكم تمامًا اسمه الفضيحة، على الرغم من الهدف في الحالتين كان مجرد قضاء ساعة أو أقل من المتعة. لذلك يقولون إن معظم النار من مستصغر الشرر، وهو ما تحركت منه الحكاية في الفيلم.
رغم اتفاقي على أن مستوى الفيلم ليس جيدًا، لكني معجب بتفصيلتين فيه: الأولى هي الشخصية التي لعبها أحمد راتب، وهي شخصية غير متوقعة نعتقد في البداية أنه سيحاول الانتقام ممن قتلوا صديقه، لنكتشف كونه وضيعًا يحاول استغلال الموقف بأسوأ صورة، والثانية هي أن سليمان عندما وصل للحضيض وأوشك على الفضيحة قام لأول مرة بضرب زوجته المتسلطة التي كانت تعايره بأصوله طوال الفيلم فلا يكون له رد فعل.
لا يوجد فيلم سيء على طول الخط ولا فيلم جيد على طول الخط، وحتى في الأفلام المتواضعة تجد عناصر تعجبك، لحظة إبداع ما ولو كانت قصيرة. وهناك عنصر مهم هو شوقك لهذا المشروع وإقبالك عليه، فاستعدادك لمقابلة امرأة تحبها يختلف عن استعدادك لمقابلة شخص ثقيل على قلبك، على الرغم من أنها في المرتين مقابلة، وبالتالي أحيانًا ما تقدم على كتابة عمل وأنت متحمس ومتشوق، وأحيانًا تدخله لمجرد أداء الواجب. لهذا فسأقول بعد التجربة أن على الفنان أن يختار العمل الذي سيدخله وكأنه بصدد إقامة علاقة حميمية، لا الذي يدخله وكأنه سيقضي حاجته.
لماذا «انتخبوا الدكتور سليمان عبد الباسط»؟ لماذا العنوان الغريب؟
لم يكن هذا هو عنوان السيناريو، اخترت اسمًا آخر لا أذكره في الحقيقة حاليًا، لكن المنتج غيره لهذا الاسم، والحقيقة أن اسم سخيف ولا علاقة له بموضوع الفيلم، لكن الفيلم فيما أذكر كان يعرض في موسم انتخابات، وأراد المنتج استغلال الحالة للترويج للفيلم فاختار هذا الاسم العجيب.
في الفيلم البطل سليمان ريفي نزح للقاهرة للعمل والترقي، ووالده عمدة ريفي يعقد عليه آمالًا أن يصبح من كبار رجال الدولة. نفس العلاقة بالضبط قمت لاحقًا بإعادة كتابتها بشكل أكثر تطورًا في فيلم «محامي خلع»، هل كان هذا تعويضًا لعدم تقديمها بشكل لائق في هذا الفيلم؟
لم أقم بتطوير العلاقة في محامي خلع، هي علاقة موجودة بالفعل حتى هذه اللحظة التي نعيشها. أغلب الآباء يتمنون لأولادهم أن يحققوا ما لم يتمكن الأب من تحقيقه. المجتمع الريفي قاس وطبقي بصورة سيئة. كان في قريتنا رجل أحترمه يبيع الخضروات اسمه محمود أبو الفواكه، بينما كان الناس يتعاملون معه بجفاء واحتقار سببه فقره ووظيفته.
محمود أتى لي بعد أعوام من تركي القرية وشهرتي ككاتب يستغيث، بعدما تخرج ابنه من كلية الحقوق بامتياز لكنهم يرفضون تعيينه في النيابة بسبب عمل والده. بالنسبة لي هذه لحظة درامية مخيفة. هذا الرجل عاش حياته يشرب احتقار وإهانة الفلاحين له ويحلم بتعويض ذلك من خلال ابنه، وابنه لم يخذله وتفوق في الدراسة، لم يكن حلمه أن يمتلك الملايين، ولكن أن يرى ابنه وكيل نيابة، رجل يجلب له الاحترام الذي افتقده طيلة عمره. وفجأة ينهار هذا الحلم لنفس سبب الإهانة، وهو عمله الذي لا يدعو أساسًا لأي سخرية أو قلة قيمة.
هذه الرغبة في الارتفاع بالأبناء موجودة حتى يومنا هذا، بدليل القبلية والعصبية في الانتخابات وأشياء كثيرة، لذلك فأنا لا استدعيها من فيلم سابق، بل آت منها من المجتمع والحياة الواقعية.
غريب في بيتي (1982)
كانت علاقتي طيبة بفرقة الفنانين المتحدين المسرحية، وكان الأستاذ سمير خفاجي يسافر إلى فرنسا ويشتري منها نسخًا من المسرحيات الكوميدية الجديدة، ويدفع بها إلى مترجمين لعله يجد منها ما يصلح للتمصير فتقدمه الفرقة، وبهذه الطريقة تمت كتابة نص «مدرسة المشاغبين» وغيرها من أعمال الفرقة الشهيرة. من بين هذه المسرحيات المترجمة وجدت مسرحية أمريكية عنوانها «فتاة الوداع» لنيل سايمون، وجدت بها ما يستهويني، وهو بالتحديد كونها معتمدة على شخصيتين في شقة يتنازعان عليها ويجبران على العيش فيها معًا. لكن رغم جودة الفكرة فلم تكن تصلح لأن تقدمها فرقة بحجم الفنانين المتحدين، فهي مسرحية صغيرة يُمكن أن تقدم على مسرح صغير كمسرح الجيب على الأكثر.
ظلت الفكرة في ذهني حتى قررت أن أكتبها في فيلم، وتعاملت معها بالطريقة التي أؤمن بها في التعامل مع النصوص، وهي أن استوعب النص تمامًا ثم أتركه كليًا وكأنه لم يكن موجودًا، وابدأ الكتابة بتصوري الخاص، وهو ما جعل «غريب في بيتي» بعيد كل البعد عن النص الأصلي، وإن كانت الفكرة واحدة بالطبع، لذلك كتبنا بوضوح على التترات أنه مقتبس عن المسرحية. والفيلم بالمناسبة أراه في نظري نموذجًا للفيلم الشعبي.
حديثك ذكرني بما كتبه الناقد سامي السلاموني عن الفيلم، وسخر وقتها من أن التترات تشير لكون الفيلم مأخوذ عن المسرحية، مؤكدًا أن وحيد حامد أخذه عن الفيلم الأمريكي المأخوذ بدوره عن المسرحية، لأنه بالتأكيد لم يشاهدها. التعليق لم يقنعني عندما قرأته لأن الحضور ليس هو الوسيلة الوحيدة للوصول للمسرحية، بل يمكن ببساطة قراءتها.
هذا ما حدث بالضبط، وقد أخبرتك الحكاية بتفاصيلها.
يعجبني اختيارك لأن يكون البطل لاعب كرة شهير، فهو مدخل مرتبط بالثقافة المصرية، وفتح الطريق لطرح حكاية المسرحية من زاوية مختلفة.
في المسرحية كان البطل عازف موسيقي يظهر على المسرح بآلته كما أتذكر، ولكنه أمر غير مناسب للجمهور المصري ولن يمكنني من خلاله أن أقدم البطل كشخصية شهيرة يمكن للجمهور أن يتعرف عليها بسهولة.
في تتابع الصدام الأول بين البطلين، عندما تعاملوا مع البطل في قسم الشرطة بصورة سيئة، حتى عرفوا أنه شحاتة أبو كف القادم للعب في الزمالك فتغير موقف الضابط منه كليًا. المشهد يُشعرني بأنك ككاتب يتنازعك أمرين، أولهما رفض التفرقة في المعاملة كقناعة عامة، وثانيهما قناعتك بقيمة النجومية وحب الناس، هل هذا صحيح؟
في النهاية الانتماء والتشجيع الكروي حقيقة لا أنكرها، والضابط متحمس لفريقه ومستعد لتغيير موقفه بناء على هذا الحماس، بل وأقول إن الأمر قد يصل إلى قاض على المنصة كذلك.
سؤال شخصي: لماذا اخترت أن يلعب شحاتة أبو كف لنادي الزمالك؟ وهل للأمر علاقة بأن نور الشريف كان لاعبًا في ناشئي الزمالك؟
السبب كان 500 جنيه فقط. السيناريو كان في البداية أنه يلعب في النادي الأهلي، وذهبوا للحصول على تصريح التصوير في النادي فاختلف الإنتاج مع إدارة النادي حول المبلغ والشروط، وكان عرض الزمالك أقل بالمبلغ الذي ذكرته مع تسهيلات أكثر في الشروط، فقمنا بتغيير النادي. ولا علاقة لنور الشريف بالأمر، السبب هو المشكلة الإنتاجية لا أكثر.
مشهد الشجار حول التاكسي وتطوره إلى القسم، يبدو مصادفة مستحيلة الحدوث، وأقول لا داع لها، لأن البطلين في النهاية يمتلكان سببًا أقوى للخلاف سيعرفانه لاحقًا عندما يكتشفان أنهما قاما بشراء نفس الشقة. هل تتفق مع هذا؟
لا أتفق مع هذا الرأي، في النهاية أنت تصنع فيلمًا كوميديًا تقصد به البهجة ويمكن فيه تجاوز المنطق قليلًا، بالإضافة لأن صدفة اللقاء في المواصلات العامة موجودة وبكثرة، خاصة لمن يركبون نفس المواصلة أو يقصدون نفس الوجهة. وإذا كان لا يمكنك إلغاء المصادفة من الواقع، فمن حقي ككاتب أن استخدمها على الشاشة.
لكن هل تصل المصادفة لأن يتشاجر شخصان بسبب سيارة أجرة في الصباح ثم يكتشفان أنهما قد قاما بشراء نفس الشقة في المساء؟
وما المانع؟ أنا مقتنع بأنها مصادفة قابلة للحدوث.
الفيلم هو أول عمل كوميدي بالكامل تقوم بكتابته، ومع ذلك هناك حرفية شديدة في كتابة المشهد الكوميدي، في كل المشاهد تقوم بالتمهيد للحدث بشكل خافت، ثم تتحرك بشكل طبيعي حتى تأتي المفاجأة التي تُحدث الأثر الكوميدي. هل كانت هذه الإجادة نتيجة لدراسة من أي نوع؟ أم هو مجرد تحرك بحس الموهبة؟
هي الفطرة لا غير، دون أي دراسة أو تخطيط. وبالمناسبة كنت معروفًا في شبابي بين الأصدقاء بخفة الظل، التي تبخرت مع الزمن رويدًا رويدًا، لكن وقتها كانت هذه هي شخصيتي وحياتي، وكان اتصالي بالشارع وبالنكتة المصرية أكثر. وأعتقد أنك لو أتيت لي بنفس المسرحية الآن وطلبت مني كتابتها، فلا أعتقد أني سأخرجها بنفس الجودة، لأن العالم المحيط تغير، ونقاء الذهن تغير، ولم أعد أتعرض لنفس المواقف التي كنت استخدمها فيما أكتبه. تمامًا مثلما حولت تجربة شخصية تمامًا إلى سيناريو «أنا وأنت وساعات السفر»، وقتها كان يمكنني إذا ما لم أجد مواصلة إلى بيتي في روكسي أن أقرر ركوب القطار إلى الإسكندرية بهدف إضاعة الوقت، الآن مستحيل تمامًا أن أفعل شيئًا كهذا.
ببساطة كلما كان اتصالك بالحياة متسعًا، كلما كان خيالك وقدرتك على الخلق أوسع. يُمكن لشاب مثلك الآن أن يكتب أفلامًا مثل «غريب في بيتي» و«أنا وأنت وساعات السفر»، أما أنا فأكتب ما يناسب مرحلتي العمري وقدر اتصالي بالعالم.
تناقص هذا الاتصال، هل هو ضريبة الشهرة، أم السن، أم العصر الذي نعيشه؟
ضريبة كل هذا معًا، الآن أصبحت أنتقي الموضوع الذي أكتبه بعناية شديدة جدًا، بحيث يتناسب مع قدراتي، وموضوعات أخرى أهرب منها، لأنني ببساطة لن أستطيع كتابتها. أنا أكتب للجمهور، والجمهور الحالي يحتاج فكر شبابي يخاطبه. صحيح أنّي أحاول أن أكون متابعًا باستمرار، لكن في النهاية روحي لم تعد شابة، وأصبحت قادرًا على التمييز بين اللحن الذي يمكنني عزفه والذي يحتاج لعازف أصغر كي يطرب الناس. الحياة والثقافات والذوق العام تتغير باستمرار، وإذا لم تستطع أن تواكب هذا، عليك أن تحذر منه.
يعجبني بشكل خاص مشاهد المباريات وتصويرها من داخل الملعب، الذي كان غير مسبوق في السينما المصرية.
كانت هذه لقطات حقيقية، ذهب المخرج سمير سيف وصوّرها خلال إحدى المباريات، واستخدم المونتاج في إضافة لقطات نور الشريف. وهناك عنصر مهم في هذه المشاهد هو المعلق الراحل محمد لطيف الذي أثرى المشاهد بصوته وتعليقه، الذي أعترف أنه لم يلتزم فيه بما كتبته وقام بارتجال التعليق المناسب للفيلم من وجهة نظره.
لا أعتقد أنك لو أصررت على أن يؤدي الحوار المكتوب كان سيتمكن من ذلك.
بالطبع لم يكن سيقدر على ذلك. وعمومًا وبرغم أني أعتبر الحوار الذي أكتبه مقدسًا، إلا أنهم أحيانًا يتصلون بي ليطلبوا تغيير جملة لأن الممثل أو الممثلة لا يمكنهم نطقها بشكل صحيح أو لأنها ثقيلة على لسان أحدهم، في هذه الحالة أطلب منهم تغيير الجملة لأخرى مريحة للممثل تحمل نفس المعنى، ففي النهاية المرونة مطلوبة طالما الفارق ليس كبيرًا أو مضرًا بالدراما. وأحيانًا أخرى يكون الممثل أكثر خبرة مني في عالم الشخصية، كأن تكون هي وظيفته الأصلية مثلًا فيخبرني أن الأطباء يقولون الجملة بهذه الطريقة وليست كما كتبتها، في هذه الحالة استفيد من خبرته وأعدل الجملة، وهو ما حدث مع الكابتن لطيف، الذي كان من المستحيل أن أكتب حواره بنفس الصياغة وخفة الظل مهما حاولت.
في مشهد الصباح الأول للبطلين في الشقة، عندما استيقظ شحاتة وأكل إفطار الطفل. صحيح أنه قروي ويتصرف بجلافة، وصحيح أنه تمهيد لما سيحدث عندما يُكفّر عن خطأه ويذهب ليحضر إفطارًا للطفل، لكن تصرفه يبدو مبالغًا فيه وكأنه يتعمد افتعال المشكلة. هل المبالغة ضرورية أحيانًا لخلق الدراما؟
لا أرى أن المشهد يحتوي على مبالغة، هذا أمر عادي ويحدث في بيوتنا كلها، من الوارد أن يصحو أحد أفراد المنزل ليشرب اللبن الخاص بالأطفال قبل ذهابهم للمدرسة، أمور كهذه تحدث دائمًا في بيوتنا.
تحدث في بيوتنا التي نعيش فيها على وفاق، وليس في بيت تشاجر ساكنيه قبل ساعات واتفقا على العيش بطريقة استثنائية معًا!
لو كان أحد الساكنين هو شحاتة أبو كف فقد يحدث، هو أراد أن يفطر ليلحق بالتمرين فأكل ما وجده أمامه، وأعتقد أن هناك جملة في المشهد يقول لها أنه اعتقد أن كل ما في الشقة مشترك بينهما، فردت عليه بأنه حتى ولو كان الطعام بالمشاركة، فلماذا أنهاه كله ولم يترك نصيبها. فحتى هذا وضعته في الحسبان.
آخر ما أريد الحديث عنه هو نهاية الفيلم، والتي أراها شديدة القسوة، فشحاتة لاعب موهوب حقًا وليس موهومًا، تعرض لبعض المشكلات والمؤامرات في ناديه، وكان بإمكانه قبول عرض الاحتراف المغري المناسب لموهبته، أو حتى الانتقال لنادٍ آخر كبير، لكنك جعلته ينتقل لناد صغير تابع لشركة ليضمن وجوده كموظف في الشركة. النهاية تكاد تعبر عن رأيك كمؤلف أكثر من تعبيرها عن الشخصية الدرامية.
النهاية لا تعبر عن رأيي كمؤلف، ولكن عن ثقافة المرحلة التي كنا نعيشها وقت كتابة الفيلم. المصريون لم يكونوا آنذاك كيومنا هذا، كانوا يفضلون البقاء والوظيفة على الغربة والبهدلة من أجل المال. كنت أريد التعبير عن إرادة العودة مجددًا بعد السقوط، لذلك اخترت أن يذهب لنادٍ صغيرٍ ويساعده على الصعود، وذلك أيضا مرتبط بثقافة المرحلة، حتى لو بدت اليوم غير منطقية.
أنت تسألني السؤال في زمن أصبح الشباب يركبون فيه المراكب ويعرضون أنفسهم للغرق من أجل الخروج من البلد، وصار سفر لاعب الكرة للاحتراف في الخارج حلمًا لكل رياضي، لكن وقت الفيلم لم يكن الوضع هكذا إطلاقًا. المرحلة تفرض قانونها، لو كنت قد جعلته يسافر وقتها كان الجمهور سيرفض تصرفه.
للفقيد الرحمة (1982)
لا أريد الحديث عن هذا الفيلم، فأنا لا أذكر تفاصيل هذا الفيلم، ومن بين الأفلام التي تحمل أسمي هو العمل الذي يصح أن نصفه بأنه «وُلد ميتًا». فيلم لم يلق أي نجاح، وكان إنتاجًا رخيصًا، وأنا بالفعل لا أذكره كي أتحدث عنه. وببساطة إذا لم يخجل الإنسان من أعماله السيئة، فما الذي سيخجل منه؟
التجارب السيئة من هذا النوع أحيانًا تكون مهمة للكاتب. بالطبع لا يوجد من يرغب في صناعة عمل سيء، لكن عندما يحدث، هل يتعلم الكاتب من عمله؟
بل يتألم الكاتب من عمله!
اقرأ أيضا:
وحيد حامد يتذكر (1): الحكاية والفيلم الأول
وحيد حامد يتذكر (2): النجاح الكبير والتعلم من الأخطاء
وحيد حامد يتذكر(3): الإنسان يعيش مرة واحدة.. أول الأفلام الكبيرة