في أولى ندوات النسخة الحادية عشرة من ملتقى قمرة السينمائي، أطل المخرج البرازيلي الشهير والتر ساليس، أحد أبرز الأصوات السينمائية في أمريكا اللاتينية، والذي حصد جائزة الأوسكار الأولى له عن فيلمه «ما زلت هنا»، ليقدّم للحضور تأملات شخصية وعميقة حول الفن السابع، واصفًا السينما بأنها «نبض الهوية ودرع الذاكرة في وجه النسيان».
أدار الندوة الناقد السينمائي ريتشارد بينه، وشهدت عرض مقاطع من أبرز أعمال ساليس مثل «أرض أجنبية»، و«المحطة المركزية»، و«يوميات دراجة نارية»، و«ما زلت هنا»، مانحة الجمهور نظرة شاملة على مسيرته ورؤيته التي تمزج بين الفن والإنسانية.
وتحدث ساليس، المعروف بأعمال مثل «المحطة المركزية» و«يوميات دراجة نارية»، عن علاقته الخاصة بالسينما، التي بدأت من شغف بالتصوير الفوتوغرافي، وصولًا إلى رحلته الطويلة في الأفلام الوثائقية والروائية، مؤكدًا على أهمية السينما كأداة لفهم الذات والمجتمع وتوثيق الذاكرة الجمعية.
السينما كهوية إنسانية
أكد ساليس أن السينما بالنسبة له ليست مجرد سرد قصص، بل وسيلة لفهم التجربة الإنسانية وتوثيقها، قائلًا: «السينما تمنحنا القدرة على رؤية ما لا يُقال، وعلى استشعار ما لا يُعرض أمامنا بشكل مباشر». وأوضح أن المخرج يجب أن يكون جزءًا من النسيج الاجتماعي الذي يصوره، مستشهدًا بمصوري فوتوغرافيا عاشوا في قلب المجتمعات التي وثقوها قبل أن يرفعوا الكاميرا.
الارتجال والممثلون غير المحترفين
تحدث ساليس عن تجربته في العمل مع ممثلين غير محترفين، مشيرًا إلى أن هذه التجارب غالبًا ما تثمر عن أداءات تتجاوز التوقعات، وأضاف: «أنا أكتب للممثلين، أو أُعيد الكتابة لهم، ثم أترك المجال مفتوحًا للارتجال، كما في موسيقى الجاز، حيث الهيكل موجود، لكن الروح حرّة».
العودة إلى جذور السينما
في تأملاته حول معنى السينما، شبّهها ساليس برسوم الكهوف الأولى، قائلًا: «في كل الثقافات، كان هناك دافع لإعادة تمثيل الحياة. نحن نحمل هذا الشغف البدائي بداخلنا. السينما امتداد لهذا التمثيل الفطري للحياة».
الذاكرة والمقاومة في «ما زلت هنا»
تناول ساليس فيلمه الأخير «ما زلت هنا» الذي يعيد فيه استحضار ذكريات شخصية عن حقبة الديكتاتورية العسكرية في البرازيل. وقال إن الفيلم يستحضر طبقات مختلفة من الذاكرة الفردية والجماعية، ويحتوي على مساحات فراغ تعكس الألم والانكسار. وأضاف: «كل لقطة هي مكان للبحث عمّا فُقد. السينما لا تملأ فقط، بل تترك فراغًا لنكمله نحن».
رسالة لصنّاع الأفلام الجدد
في ختام حديثه، وجه ساليس رسالة لصناع الأفلام الشباب قائلًا: «عندما ترى كل شيء فأنت في عالم التلفزيون، لكن عندما تُستدعى لتكمل الصورة، فأنت في قلب السينما».
وشدّد على أهمية الأصالة والانتباه إلى ما هو غير مرئي، مؤكدًا أن «السينما ليست فقط ما نُصوّره، بل ما نتركه دون تصوير».