في جلسة حوارية بعنوان «أفلام في طور الإبداع»، نظّمتها هيئة الأفلام السعودية ضمن فعاليات الدورة الـ78 من مهرجان كان السينمائي الدولي، قدّمت المخرجة هيفاء المنصور رؤيتها لمستقبل السينما في المملكة، متطرقة إلى التحديات التي تواجه صنّاع الأفلام المستقلين، ومحدودية البنية التحتية في مراحل الإنتاج المختلفة. وأكدت المنصور أن ما تحقق من تطور في الصناعة «لم يأتِ من فراغ»، بل هو ثمرة عمل دؤوب، وتمويل حكومي، وإصرار فني على نقل القصص المحلية إلى جمهور عالمي.
قصتنا… بلغة إنسانية
المنصور أوضحت أن قوة السينما تكمن في قدرتها على تجاوز الحواجز الثقافية، مشيرة إلى أن الأفلام التي تركز على المشاعر الإنسانية المشتركة هي الأقدر على الوصول إلى الجمهور. وقالت: «عندما أكتب فيلمًا، أفكر دائمًا في كيفية فتح نافذة على ثقافتي لا لأشرحها، بل لأشاركها بطريقة تلامس الجميع. لا أحاول أن أُخفف من الطابع المحلي، بل أحرص على أن يكون هناك رابط إنساني مشترك يمكن للجمهور حول العالم أن يتصل به».
وأضافت أن القضايا الإنسانية مثل الأمومة، أو العلاقات العائلية، أو مشاعر الفقد والحب، تُعدّ مفاتيح للتواصل مع المشاهد، مهما اختلفت خلفيته الثقافية. واستشهدت بفيلمها «وجدة» كمثال على ذلك، مشيرة إلى أنه «فيلم سعودي بامتياز، ومع ذلك لاقى صدى عالميًا واسعًا، لأن في جوهره قصة بسيطة عن طفلة تحلم باقتناء دراجة».
الصناعة تتسارع… ولكنها محسوبة
وعن تسارع حركة السينما في المملكة، أكدت المنصور أنها لم تكن تتوقع هذا النمو السريع، لكنها شددت على أنه ليس عشوائيًا، بل جاء نتيجة تخطيط واضح وجهود مؤسسية. وقالت: «بصراحة، لم أكن أتخيل أن نصل إلى هذا المستوى بهذه السرعة. لقد حدث كل شيء بسرعة، لكنه لم يكن عشوائيًا، بل مدروسًا. هناك عمل كبير يجري خلف الكواليس، من دعم للأصوات المتنوعة، وتمكين النساء، وتثقيف الناس حول السينما، حتى في المناطق الريفية».
وأشارت إلى أن هناك توجهًا حقيقيًا لدمج الفن في النسيج المجتمعي، وهو ما وصفته بـ«التحدي الذي يتم تجاوزه حاليًا بنجاح».
دور المرأة… من الهامش إلى الحضور
تطرقت المنصور إلى التحولات التي تشهدها مكانة المرأة في قطاع السينما، مؤكدة أن النساء لم يعدن مهمّشات كما في السابق. وقالت: «الجهات الداعمة اليوم تبحث عن أصوات نسائية، والجمهور نفسه أصبح مهتمًا بسماع قصص النساء. لدينا مخرجات سعوديات موهوبات، وهناك مشاريع جميلة قادمة».
وأشادت ببرنامج أفلام العلا، الذي دعم ثلاث مخرجات شابات لإنتاج أفلام قصيرة، مشيرة إلى أن هذه المبادرات تمثل بداية واعدة لمستقبلهن المهني.
أهمية التمويل العام… وخطط المستقبل
أكدت المنصور أن استمرار الدعم الحكومي لصناعة السينما أمر ضروري، خاصة في ظل هشاشة السوق التجاري وعدم وجود بيئة تمويل مستقلة مكتملة. وقالت: «في السابق، لم يكن هناك نموذج إنتاج واضح للفيلم السعودي، ولم تكن توجد دور سينما، كما لم يكن هناك اهتمام من المستثمرين، باستثناء كيانات تجارية كانت تضغط على المخرج لتقديم محتوى سهل البيع».
وأشادت بتجربتها الأخيرة في فيلم «المجهولة»، الذي حظي بدعم من برنامج «ضوء»، مشيرة إلى أن هذا النوع من الدعم يتيح للمخرجين حرية فنية أوسع، ويشجعهم على تقديم أعمال ذات طابع فني تنافسي على مستوى المهرجانات.
كما شددت على ضرورة تنويع مصادر التمويل، قائلة: «نحتاج إلى صناديق دعم إقليمية، كما هو الحال في ألمانيا، حيث يستطيع المخرج أن يحصل على تمويل من أكثر من جهة. في السعودية هناك دعم، لكنه لا يزال غير كافٍ لبناء خطة تمويل كاملة لمخرج مستقل».
ما بعد الإنتاج… المرحلة الأصعب
وصفت المنصور مرحلة ما بعد الإنتاج بأنها الأكثر تعقيدًا، مشيرة إلى نقص الكفاءات في مجالات المونتاج، وتصحيح الألوان، ومزج الصوت. وقالت: «هذه ليست مجرد عمليات تقنية، بل علم وفن بحد ذاته. نحتاج إلى استثمار حقيقي في تجهيز غرف تدريب وتأهيل كوادر متخصصة».
وأضافت عن تجربتها الشخصية في المونتاج: «هي المرحلة التي ترى فيها كل الأخطاء. إنها ترهقني، لكنها أيضًا أكثر المراحل إرضاءً، لأنك فجأة ترى الفيلم ينبض بالحياة أمامك».
السينما باقية… والجمهور حاضر
اختتمت المنصور حديثها بنبرة تفاؤل تجاه مستقبل السينما السعودية، مؤكدة أن هناك جمهورًا ضخمًا متعطشًا لرؤية نفسه وقصصه على الشاشة. وقالت: «في وقت يُقال فيه إن السينما تموت عالميًا، لا يزال السعوديون حريصين على الذهاب لدور العرض. هذا وحده يمنح الصناعة طاقة جديدة ويثبت أن السينما باقية».