فاصلة

مراجعات

«هوبال»… ثراء البادية وفقر التبني السينمائي

Reading Time: 4 minutes

يُمثل التراث السعودي بالنسبة للسينما أرضًا بكرًا لم تُحرَث بعد، ويعود للشعر الفضل في حفظ هذا التراث الثري بالقصص والأساطير، لكن يظل هناك الكثير مما لم يختزنه أو يعبر عنه الشعر في تلك الثقافة الشعبية المليئة بالقيم والمعارف والفنون والحرف. هذا الزخم الثقافي يجعل استلهام الموروث السعودي في الأعمال الفنية وسيلة لإبراز الأصالة واستحضار عبق وسحر الماضي.

في مقال سابق، تناولت قراءة الأغنية المحلية في الفيلم السعودي، مشيرًا إلى استخدامها كجزء أساسي من الثقافة السعودية. هذا الجانب الثقافي برز بوضوح في أفلام مثل: «هجّان «لأبو بكر شوقي، الذي استوحى قصصًا شعبية قد تكون غير حقيقية لكنها تحمل واقعية واضحة، مما يرسّخ أهمية الحفاظ على هذا الإرث وإبرازه في السينما.

الثقافات الفرعية أو ثقافة الجماعات المميزة داخل المجتمع السعودي ظهرت بشكل لافت في أعمال سعودية مثل «مندوب الليل» للمخرج علي الكلثمي، و«نورة» للمخرج توفيق الزايدي، الذي نجد تشابه بسيط وظريف بين ثيمة «نورة» والفيلم السعودي الجديد «هوبال». وحتى «حد الطار» لعبد العزيز الشلاحي. هذه الأفلام نجحت في تسليط الضوء على مجتمعات تحمل سمات خاصة ومختلفة عن السائد، مستغلة كون السينما أداة رئيسية لرواية الحكايات غير المروية في المجتمعات. وفي هذا السياق، يبرز فيلم «هوبال» كتجربة تعكس ثقافة مختلفة في ظل ظروف اجتماعية وزمنية تتباين عن المألوف.

فيلم («هوبال»، 2024)
فيلم («هوبال»، 2024)

من قلب جدة القديمة -البلد-، وفي مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي في دورته الرابعة، يُعرض فيلم «هوبال» للمرة الأولى. الفيلم من إخراج عبد العزيز الشلاحي وكتابة مفرّج المجفل، الذي سبق أن تعاون مع الشلاحي في ثلاثة أعمال سابقة، ويعد «هوبال» رابعها.

 يروي الفيلم قصة عائلة تعيش في البادية، ويلتزم أفرادها بتعاليم والدهم الذي يحرّم عليهم الانتقال إلى المدينة. إلا أن الظروف تضطرهم في النهاية إلى الذهاب، مما يؤدي إلى تصاعد الصراع الأسري.

من جماليات البادية التي انعكست في فيلم هوبال هو التأصيل الثقافي البارز في تفاصيل العمل، بدءًا من عنوانه «هوبال»، الذي يشير إلى طريقة النداء الخاصة بين الإبل وصاحبها، والمعروفة أيضًا بحداء الإبل. هذا العنصر الثقافي ظهر جليًا في عدة مشاهد، أبرزها تلك التي جمعت شخصية «ليّام»، التي أداها ببراعة الممثل «إبراهيم الحساوي»، مع المغاتير -الإبل ذات اللون الفاتح- مما يجسد عمق العلاقة الفريدة بين الإنسان والإبل في تراثنا.

كما رأينا أيضًا عندما تتبع «عسّاف» أثر جده «ليّام»، أو خلال التعرف على أثر «شنار» بالقرب من شاحنة الماء، في إشارة إلى علم القيافة، الذي اشتهر به العرب والبدو لفهم الطرق وتتبع الآثار. هذه التفاصيل تُظهر مستوى العناية في تقديم ثقافة البادية وتاريخها ضمن إطار سينمائي يعكس هويتها.

فيلم («هوبال»، 2024)
فيلم («هوبال»، 2024)

عدائية المؤثرات البصرية

يعتبر قرار استخدام المؤثرات البصرية من أصعب القرارات التي يمكن أن يتخذها المخرج، حيث إن استخدامها بشكل قليل لكن واضح قد يُضعِف تفاعل المشاهد مع الجو العام للفيلم، فكيف سيكون الحال إذا تم استخدامها بشكل مفرط، إذ تظل هناك دائمًا لحظة شك في واقعية ما يُعرض على الشاشة، مهما بلغت جودة التنفيذ. وهذا الأمر بالطبع لا يشمل الأفلام التي تتطلب بطبيعتها استخدام المؤثرات البصرية، كأفلام الخيال العلمي على سبيل المثال

ظهرت المؤثرات البصرية بشكل لافت في ثلاث مشاهد: الأول في بداية الفيلم عند ظهور الطيور وهي تأكل جيفة الكلب، والثاني داخل الخيمة مع العقرب في مشهد «ريفة»، والثالث في حلم «عسّاف». عند تحليل هذه المشاهد جميعها، يتضح أن استخدام المؤثرات البصرية لم يكن ضروريًا إلى حد يبرر تأثيرها السلبي على الفيلم. كان بالإمكان الاستغناء عن بعض المشاهد لصعوبة تنفيذها مثل مشهد الطيور، وتغيير تفاصيل حادثة «ريفة» لتجنب استخدام العقرب، وهو العنصر الذي أضعف المصداقية، تضحية الورق أسهل من التضحية على الكاميرا. وفي المقابل، نلاحظ تميز مشهد «عسّاف» مع الخنفساء، والذي أثبت أن الواقعية أحيانًا تكون أكثر تأثيرًا وارتباطًا بالمشاهد.

الكتابة السينمائية.. لا الروائية

رغم الجهود الواضحة التي بذلها المجفل في كتابة شخصيات متعددة وذات تفاصيل متداخلة، إلا أن هذه العمق لم يخدم القصة السينمائية -بطبيعتها البصرية والزمنية المحدودة- بشكل فعّال. بدت الشخصيات أحيانًا مثقلة بتعقيداتها التي لا تحتويها مساحتها على الشاشة، دون تسلسل منطقي في قوس الشخصيات، مما يشتت المشاهد بدلًا من تعزيز ارتباطه بالقصة.

 ويمكن تفسير خشونة سرد الأحداث من زاويتين، الأولى تتعلق بالسيناريو نفسه: هذا القصور أثّر على تصاعد التوتر الدرامي الذي يُفترض أن يُبقي المشاهد متصلًا بالأحداث، فالتركيز على كتابة شخصيات جاء على حساب الاهتمام بالبناء الدرامي الكلي للعمل. 

كما لم ينجح الفيلم في ترجمة تعقيد الشخصيات إلى بناء متماسك يخدم القصة. بدا أن الفيلم لم يتمكن من توزيع المساحات الزمنية بشكل متوازن بين الشخصيات والأحداث. غياب الانسيابية في الربط بين المشاهد، بالإضافة إلى الانتقالات غير المدروسة وغير المطلوبة بين مراحل القصة، جعل بعض المواقف تبدو مفككة. كان من الممكن أن يلعب المونتاج دورًا رئيسيًا في تنظيم هذا الكم من التفاصيل وضبط إيقاع السرد، إلا أن المشاهد افتقرت إلى التماسك الذي يربطه ببنية القصة العامة.

فيلم («هوبال»، 2024)
فيلم («هوبال»، 2024)

“لي صاحب ما فتق البيت بي ويق
ولا عذبه طرد الهوى والطماحي”

برزت في الفيلم مواهب شابة قدمت أداءً لافتًا في شخصيات مثل «عسّاف»، الذي لعب دوره حمد فرحان، و«بتّال»، الذي أداه حمدي الفريدي. وساهم النص بشكل كبير في إظهار هذه الشخصيات بالمستوى المطلوب. 

من جهة أخرى، شاهدنا شخصية «صيته» التي جسدتها ريما فهد، حيث ظهر في أدائها شيء من التكلف في بعض المشاهد. هذا الأداء يمكن أن يُنسب إلى قرارات المخرج، الذي ربما لم يوجه الممثلة بالشكل الكافي لتجنب هذا التكلف في الأداء. أما بالنسبة لشخصية «سرّا»، فقد لوحظت المبالغة في لغة الأعين حتى في اللحظات البسيطة، بالإضافة إلى طمس نهاية الحروف واستخدام الإخفاء الصوتي -في علم الصوتيات- لتسهيل تقديم اللهجة، ولكن الأثر الناجم عن هذا هو سلب لجمال اللهجة في الفيلم. هذه التفاصيل أفقدت الأداء جانبًا من الترابط اللغوي والواقعية، ويملك تأثير على الإقناع الكلي للشخصية. مثل هذه النقاط تسلط الضوء على أهمية التوجيه الدقيق للممثلين من قبل المخرج وإتقان العناصر الفنية لتحقيق أداء مقنع.

اقرأ أيضا: قراءة عن استخدام الأغنية المحلية في الفيلم السعودي

شارك هذا المنشور