يتواصل في صالات السينما السعودية عرض الفيلم السينمائي «هجّان»، أحدث إنتاجات السينما السعودية . إذ يعرض الفيلم تجاريًا بعد عرضه في عدد من المهرجانات المحلية والدولية منها مهرجاني تورنتو والبحر الأحمر.
يبدو الفيلم للوهلة الأولى واعدًا، فهو يتعرض لحياة الصحراء من خلال عيون من عاشوها أو لديهم خبرة بها بحكم اتساع رقعة الصحراء السعودية، مبشرًا بسينما ترصد حياة بدو الصحراء من دون النظرة الاستشراقية الغالبة على تناول تلك الحياة في السينما الغربية المولعة بها.
يحكي الفيلم قصة «مطر» الفتى البدوي الصغير الذي يضطر إلى اقتحام سباقات الهجن حتى يحافظ على ناقته المحبوبة حفيرة من البيع أو الذبح. الفيلم من إخراج أبو بكر شوقي وكتابة مفرج المجفل وعمر شامة. من بطولة عبدالمحسن النمر وإبراهيم الحساوي وشيماء الطيب وعزام النمري. يعدنا الفيلم إذًا بنظرة عميقة على حياة الصحراء، فهل نجح في تحقيق مسعاه؟
يفتتح الفيلم بمشهد صحراوي بديع تحتضنه ثلوج كثيفة، ويصدح شخص مجهول بأبيات شعر تنتهي بالبيت التالي “الهجن معشوقة الهجان … واللي تعلق بها يدري”.
من المشهد الأول يمكننا ملاحظة السخاء الإنتاجي الواضح خلف العمل، فتصوير فيلم في الصحراء الطبيعية هو تحدٍ بذاته بسبب ظروف التصوير، وتظهر هذه القيمة الإنتاجية في التصوير الجوي الذي يُظهِر الحجم الشاسع للصحراء المحيطة بالشخصيات. يركز الفيلم على ثيمة ارتباط البدوي بالإبل، ليس كوسيلة تنقل فقط؛ بل كمصدر فخر واعتزاز ووجاهة، ومصدر للدخل، والأهم من ذلك أن الفيلم يسلط الضوء على الرابطة العاطفية العميقة التي تجمع الإبل بأصحابها.
الفكرة مثيرة للاهتمام، بل يمكننا القول أن هذا المحتوى لم يتم مناقشته من قبل في السينما السعودية. وهي مادة ثرية لأن البداوة أمر متأصل في ثقافتنا وأدبنا، لذلك من المنطقي إنتاج فيلم يتناول هذا الموضوع. ولأن محتوى الفيلم متأصل في ثقافتنا، فمن السهل إيجاد مؤرخين وخبراء يمكنهم تدقيق النص لغويًا والحرص على تقديم صورة تعكس الواقع وتحترم الإرث البدوي السخي.
إلا أن تلك المقدمات المنطقية، لم تقد بالضرورة إلى النتيجة المرجوة، فمشاكل النص تظهر بشكل مبكر في الحوارات، فهناك إفراط واضح في إلقاء الحكم والعِبر وكأن كل حوار هو اقتباس من كتاب، تخسر “البداوة” واقعيتها هنا، وتميل الكفة نحو الابتذال.
في أكثر من مرة تشعر بأن الفيلم يحاول إعطاء بعض المشاهد أكبر من حجمها من خلال حشوها بالعديد من الاقتباسات الرنانة، إلا أن سرعة إيقاع السرد تجعله يتجنب فخ الترهل خاصة في الساعة الأولى، كما أن تسلسل الأحداث يتناسب مع ما يتناوله الفيلم. فبينما ننتقل من سباق لآخر، نشاهد تطور ملموس في الأحداث وتصاعد يناسب دوافع الشخصيات، بل إن الساعة الأولى من الفيلم يمكن عزلها كفيلم قصير متماسك سرديًا على الأقل.
المشكلة تظهر في الساعة الثانية للفيلم، فما كان فيلمًا عن طفل يجترح المستحيل للحفاظ على ناقته المحبوبة – التي هي في الوقت نفسه- الذكرى المتبقية من أخيه؛ يصبح فيلمًا مشتت السرد، تتداخل فيه خطوط سير الأحداث بشكل فوضوي. ويتم تقديم شخصية جاسر (عبدالمحسن النمر) كشرير الفيلم، إلى جانب عدة عناصر وشخصيات إضافية تبطئ من سرعة السرد ولا تساهم في تقدم القصة إطلاقًا.
تباطؤ السرد ليس مشكلة في حد ذاته لأن هذا طبيعي، لكن التباطؤ حينما يصاحبه تشتت في خيوط القصة، يقود إلى أن يفقد المشاهد اهتمامه تمامًا بما يحصل أمامه.
أعتقد أن أكبر مشاكل الفيلم كانت في مدى دقة الحوارات لغويًا، اللهجة المستخدمة لا تبدو بدوية إطلاقًا إلا في بعض المصطلحات، وكأن الفيلم يرمي بهذه المصطلحات بين كل فترة وأخرى لتذكيرنا بأن الشخصيات بدوية. ولكن رمي العشواء هذا يأتي بنتائج عكسية، لأنني لم أفهم بالتحديد أين يقطن سكان الفيلم وفي أي منطقة. لم يساعد أداء الممثلين مع إلقاء الحوارات بهذا الأمر، واتضحت معاناة العديد منهم مع النص وكيفية نطق بعض الجمل أو طريقة إلقائها، وهنا تأتي أهمية تواجد المدققين اللغويين لتمحيص النص والتأكد من سلامته. كما أن تقديم قصة في إطار ثقافي معين يتطلب لهجة معينة، يعني ضرورة تدريب الممثلين على اللهجات قبل البدء بتصوير أي مشهد. من هنا نجد أن فيلم «هجان» وقع في نفس الفخ الذي وقع فيه مسلسل «رشاش» من قبل.
وبالحديث عن الممثلين، فهناك خطر على أي فيلم يقرر جعل مجموعة من أبطاله أطفالًا ومراهقين. نقص الخبرة يسطع بشكل واضح حينما يتم وضعهم في مشاهد مهمة للقصة ولها عمق درامي أكبر من غيرها.
المؤسف أنه حتى الممثلين المخضرمين يعانون في هذا الفيلم، عبدالمحسن النمر يبالغ في التمثيل وتتحول الشخصية من رجل ثري يعاني من عقدة نقص إلى شرير كرتوني لا يمكن أخذه على محمل الجد، وقد يعود ذلك بشكل نسبي إلى طريقة كتابة الشخصية ورسم مسارها الذي ينتهي بشكل يفقدها أي مصداقية أو قبول.
خيط درامي آخر يقدمه الفيلم في منتصفه، وهو النسوية وتمكين المرأة، ولكن مع مرور القصة والوصول للفصل الأخير، يتم إنهاء هذا الخيط الدرامي بطريقة مخزية ومهينة للمرأة. فهي لا تنتصر بسبب قدرتها أو استقلالها، بل تنتصر بسبب سماح الرجل لها. ولا يأتي ذلك من باب المساواة؛ بل من باب الشفقة. إنها فكرة بدائية عن تمكين المرأة لم يتم تطويرها بالشكل الكافي، والنتيجة النهائية لا تأتي كفكرة تقدمية؛ بل محاولة لمغازلة التقدمية من دون إيمان بها.
في الختام، فيلم «هجان» يمثل محاولة جادة لتسليط الضوء على جوانب مهمة من الثقافة البدوية، مع التركيز على العلاقة العميقة بين البدو والإبل. وينجح نسبيًا من الناحية التصويرية والموسيقى المرافقة للفيلم، كما أن هناك ارتفاع واضح في جودة القيمة الإنتاجية. رغم ذلك، يعاني الفيلم من بعض العيوب الجوهرية مثل ضعف الحوارات وعدم الدقة اللغوية، فضلًا عن التفكك في السرد القصصي وعدم اتساق تطور الشخصيات. هذه العوامل تقوض كثيرًا من فعالية الفيلم في نقل رسالته وتحقيق تأثيره الكامل كعمل فني يعكس جانبًا ثقافيًا عميقًا ومهمًا.
اقرأ أيضا: «جرس إنذار»… عندما تغيب عن الحصة الأولى