فاصلة

حوارات

هالة القوصي: الأبيض والأسود في «شرق 12» ضرورة وليس اختيار

Reading Time: 4 minutes

7 سنوات مرت منذ عرضت المخرجة المصرية هالة القوصي فيلمها «زهرة الصبار» عام 2017، وحصدت به عددًا كبيرًا من الجوائز، على الرغم من أنه كان تجربتها الروائية الأولى. وأخيرًا، عادت القوصي في 2024 بعمل جديد وهو «شرق 12» الذي عُرض ضمن فعاليات مسابقة نصف شهر المخرجين بالدورة الـ77 من مهرجان كان السينمائي الدولي.

«شرق 12»، استغرق تصويره من المخرجة حوالي 8 سنوات، واجهتها خلالها عديد من المعوقات ليخرج للنور أخيرًا، والفيلم من قصة وسيناريو وحوار وإخراج هالة القوصي، وبطولة منحة البطراوي، أحمد كمال، عمر رزيق، فايزة شامة، وأسامة أبو العطا.

«فاصلة» التقى بالمخرجة بالمهرجان الفرنسي العريق، وكان لنا معها هذا الحديث

شرق 12

أزمة الأفلام المغايرة

«الأفلام المغايرة»، هكذا تصف هالة القوصي في حديثها لـ فاصلة النوع الذي ينتمي إليه فيلمها «شرق 12»، حيث إنها تعترض على تسمية «الأفلام المستقلة»، متسائلة: “مستقلة عمّن؟”.

وعن سبب ابتعادها 7 سنوات منذ قدمت فيلمها السابق «زهرة الصبار» أرجعت هالة القوصي السبب إلى أزمة التمويل: “كان لديّ النص بالفعل منذ 2017، وكنت أعمل على فكرة «شرق 12» منذ 2016. نعم حدث عليه بعض التغييرات، ولكنه ظلت الفكرة الأساسية قائمة”.

وفي شرحها لأزمة التمويل التي واجهتها وتواجهها الأفلام المستقلة/ المغايرة، تقول القوصي: “لدينا أزمة في التنظيم الهيكلي لتمويل الأفلام المغايرة، ولا أصنف العمل باعتباره مستقلًا لمجرد حصوله على منحة أو تمويل، فسيكون وقتها مستقلًا عمّن؟». متابعة: “المِنح المتاحة محليًا (في مصر) وعربيًا، قليلة بالمقارنة بعدد الصناع الذي يتزايد بشكل مستمر. إضافة إلى أن المنح العالمية تتطلب دعمًا محليًا في البداية، بمعنى أن أحدا لن يمنحك أموالًا إلا إذا أثبت تواجدك المحلي أولًا”. 

مثل الكثيرين، تأثرت القوصي وفيلمها بأزمة فيروس كورونا، فالفيلم كما حكت لـ فاصلة؛ مشروعه قائم منذ 2017 بعد عرض فيلمها السابق، إلا أن صعوبات التمويل ومن وراءها أزمة كورونا تسببت في تأخير بدء العمل الفعلي على الفيلم كما تشرح وتقول: “خلال السنوات الثلاثة من 2017 وحتى 2020، كنت أفكر من أين أحصل على التمويل؟ وبعد الحصول عليه ولمدة عام تجمد كل شيء بسبب أزمة فيروس كورونا، فكانت الأوضاع ضبابية تمامًا، ولم نستطع التحرك وقتئذ”.

هالة القوصي

فايزة شامة اكتشاف جديد

وبالحديث عن نجمات فيلمها قالت المخرجة إنها عند التفكير في تشكيل فريق، بدأت أولًا بالفنانة القديرة منحة البطراوي، فقد استقرت على اختيارها للدور الأساسي، ثم رشحت فنانًا آخر، لأداء دور «عبده» في العمل، لكنه اعتذر بسبب ارتباطات أخرى لديه، فأسندت الدور للفنان أحمد كامل، وبدأ التصوير الفعلي عام 2022، مضيفة: “غير ذلك لم تكن هناك أية تجهيزات لأسماء محددة للممثلين”.

وعن ممثلي الفيلم، أكدت أن الفنانة فايزة شامة كانت اكتشافًا بالنسبة لها: “فوجئت بفايزة شامة فهي اكتشاف بالنسبة لي، وعثرت عليها بمساعدة صديقتي شيرين حجازي مصممة رقصات الفيلم، إذ كانت تعمل على مشروع تستهدف من خلاله تغيير النظرة السائدة عن الرقص الشرقي، وذهبت لمشاهدة البروفات وهناك شاهدت فايزة”.

شرق 12

رقصات عفوية وموسيقى متواضعة

أبرز ما يلفت الانتباه في «شرق 12» هي جمالياته البصرية والصوتية، وقد شكلت تحديًا صعبًا للمخرجة، وعن نجاحها في تقديمه بشكل عفوي، خاصة مع اختلاف أداء الممثلين، قالت هالة القوصي: فكرتي كانت أن الرقص في هذا المكان يمثل قاع العالم في لحظة ما، الرقص لا بد وأن يشبه المكان، فلو ظهر بأي شكل آخر كان سيكون دخيلًا على المكان”.

أضافت: “اتفقت مع شيرين مصممة الحركة وأخبرتها أن تتخيل أشخاص لم يشاهدوا رقصًا في حياتهم، وليس لديهم خلفية عنه، كذلك الموسيقى بدت كأنها موسيقى وضيعة، بشكل مقصود وواعي”.

في السياق نفسه أردفت: “أخبرتني إحدى الفنانات أن أكثر المشاهد موسيقية في الفيلم كانت بدون موسيقى، فأجبتها أن الأمر مقصود، وأكثر المشاهد ترفيهًا وإبداعًا ستجد أدواته هزيلة وضعيفة ومثيرة للضحك والشفقة”.

شرق 12

أحمد كمال خبرة وتفرد

أداء الفنان أحمد كمال دائمًا مميزًا، فالمتابع له في أعماله يجد نفسه أمام فنان يمتلك أدواته ويسخرها لتقديم الدور بسلاسة وإتقان مثيران للإعجاب، وهو ما أكدته القوصي في حديثها عنه وعن دوره في الفيلم حيث قالت: “أحمد كمال أخذ النص وحَلق به، لأنه لم يكتف بتنفيذ الحوار، بل كل وصف للشخصية موجود بالعمل. حفظ دوره واستوعبه وأخرجه كما تخيلته، وأضاف إليه كذلك، فبخبرته الجمة أدرك أن الشخصية غنية جدًا ومتعددة الجوانب، ومثلما هي مثيرة للضحك هي مثيرة كذلك للشفقة”. 

الأبيض والأسود ضرورة وليس اختيار

في كانّ هذا العام، ازداد عدد الأفلام الحديثة التي اختار صناعها عرضها على خام بالأبيض والأسود، ومنهم كان «شرق 12».

وترجع هالة سبب ذلك الاختيار إلى أنه “ضروري لخدمة حالة الفيلم”، شارحة أنها عندما انتهت من كتابة النص وبدأت في التفكير فيه كمخرجة، قابلتها مشكلة التعبير عن النص الذي يتحرك بين عالمين منفصلين تربط بينهما همزة وصل وحيدة هي شخصية الجلالة التي تقوم بها الفنانة منحة البطراوي، فهي التي تتيح للناس الانتقال من عالمهم الجاف القاتم إلى المساحة الرحبة للخيال”.

تتابع: “أصبح من الضروري أن أفصل بين العالمين بدون تخبط، لأنه إذا تخبط المتفرج فقط أضعته. فكان الخيار أن أستخدم الأبيض وأسود والألوان، استخدمت الأبيض وأسود في الواقع الأليم ليكون أقرب للخيال، واستخدمت الألوان مع الخيال لتكون أقرب إلى الواقع”.

شرق 12

السينما ليست للنخبة

وردًا على الاتهام المعتاد الذي تُواجه به أفلامها بأنها مقدمة كون القوصي نفسها فنانة تشكيلية في الأساس، وفنها نخبوي، ردت هالة: “لا.. قد اخترت السينما لأنها ليست للنخبة”.

وكشفت المخرجة أنها وقت تقديم فيلمها السابق «زهرة الصبار»، وفي النسخ الأولى للسيناريو، تلقت نصيحة بأن تتوقف عن التجريب وتتعامل مع دراما الشخصيات أكثر، لكنها أجابتهم: “اختياري للسينما اختيار واعٍ تمامًا، فقد تركت خلفي مجال حققت فيه نفسي بالفعل لأجل الفن السابع”. مضيفة: “كنت أتحرك به بحرية شديدة غير عابئة بالمسميات”.

أردفت المخرجة: “انغرزت في عالم السينما لكن لن أستطيع تغيير جلدي أو الولادة من جديد، فأنا هو أنا وما أكون عليه، ماذا أستطيع أن أجلب معي إلى هذا العالم هو تجربتي السابقة، وإذا لم أستطع أن أنتج شيئًا يمثل تكملة لمسيرتي على مستوى المواضيع والاختيارات الفنية والتحديات، فلا طائل لي ولا تصبح السينما هدفًا أسعى خلفه. أنا لا اشتبك بالسينما لأفعل مثل الآخرين، أحاول أن أصنع السينما كي أتفرد بتجربتي، فإن لم أنجح فقد حاولت”.

اقرأ أيضا: «شرق 12» لهالة القوصي…كلّنا في الحلم شرق

شارك هذا المنشور